الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
سبع سنوات على المقتلة الروسية في سوريا
أحمد رحال

يحلّ تاريخ 30 أيلول بذكرى قاتمة سوداء تحملها مخيلة السوريين بعد أن أعلن بوتين عبور الجغرافية السورية بطائراته وأسلحته وقتلته ومجرميه، ليحتل قاعدتي جول جمال البحرية في طرطوس، وقاعدة حميميم الجوية في جبلة، وينشر عشرات النقاط العسكرية، ويبدأ جرائمه ضد الشعب السوري الرافض لديكتاتورية بشار الأسد، عابراً بجواز سفر الحرب على الإرهاب، والحرب على الإرهاب بالمعنى الروسي يعني قتل كل من طلب الحرية، ورفض نظام الإجرام الأسدي.

سبع سنوات تضاف لأربع قبلها حملت الموت والدمار الأسدي للشعب السوري، لكنها اختلفت عن سابقاتها بزيادة جرعات القتل، وزيادة جرعات الدمار، وزيادة جرعات التهجير والنزوح، وتتفاخر قاعدة حميميم أن جهود طائراتها هجرت فقط في عام 2019 ما يزيد عن 2,182 مليون مواطن سوري من دياره، وفي عام 2020 أكثر من 2,037 مليون آخرين، ودمرت 233 مدرسة، و207 نقطة طبية، و60 سوقاً شعبياً، مع 237 استخدام للأسلحة العنقودية، وأكثر من 60 استخدام للأسلحة الحارقة.

من حيث المراحل يمكن تقسيم عمل الاحتلال الروسي في سوريا إلى ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى: من 30 أيلول 2015 إلى نهاية عام 2016 وإسقاط مدينة حلب بالتوافق مع تركيا كما قال بوتين ولافروف، وتلك مرحلة امتازت روسياً باعتماد سياسة الأرض المحروقة، عبر تكثيف استخدام النيران، وتدمير كل ما يرتبط بالجيش الحر والمدنيين، وقتلهم وتهجيرهم وتدمير أرزاقهم، واستطاع خلالها الروس استعادة الكثير من المناطق بعد أن أخرجوها من دورة الحياة البشرية، والزراعية، والاقتصادية، والعمرانية.

المرحلة الثانية: تمتد من إسقاط حلب حتى بدء الحرب الأوكرانية أو مرحلة مسار أستانا وسوتشي، وفيها حققت روسيا جل ما تصبو إليه من استعادة المناطق المحررة عبر صفقات ما يسمى "مسار أستانا" بالتشارك مع تركيا وإيران، وفيه حصدت موسكو ما تريد عبر توافق مهين سمي اتفاق "مناطق خفض التصعيد"، لكن مضمونه الحقيقي كان تسليم تلك المناطق، حيث آلت ثلاث من أصل أربع مناطق لعهدة النظام، والرابعة لو لم تشكل مناطق أمن قومي تركي للحقت بسابقاتها، وفي الجنوب السوري كانت هناك صفقة أخرى تواطأت فيها كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والأردن وإسرائيل، بعد أن أغلقوا كل بوابات دعم الجيش الحر، وحتى الحدود الأردنية السورية أٌغلقت بوجه المدنيين والجرحى لتشكيل حالة ضاغطة تجبر ثوار الجنوب على الرضوخ لـ"مصالحة" تعني بالقاموس الروسي التسليم، وهكذا كان.

المرحلة الثالثة: بدأت بعد إعلان بوتين الحرب على أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، ومع الانشغال والتورط الروسي بتلك الحرب العدوانية على الشعب الأوكراني، بدأ الروس بسحب معظم قدراتهم العسكرية من سوريا بما فيهم ضباط غرفة عمليات حميميم، ومعظم الطائرات والسفن الحربية، وحتى الفوج 217 المحمول جواً، وكذلك كامل مرتزقة فاغنر، وتميزت تلك المرحلة بازدياد النفوذ والسيطرة الإيرانية على الجغرافية السورية بعد قرار طهران بالتواطؤ مع موسكو بملء فراغ الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا.

في أهداف التدخل الروسي في سوريا يمكن القول إن موسكو حققت بعض الإنجازات على المستوى الاستراتيجي بصراع بوتين مع الناتو، من حيث تمكنه من إعادة ترسيخ الوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط، والتموضع بقواعد جوية وبحرية على المياه الدافئة جنوب خطوط دفاع الدرع الصاروخي للناتو، والبروز على المستوى الدولي كلاعب يستخدم الفيتو 17 مرة في مجلس الأمن لحماية حليفه بشار الأسد.

لكن على مستوى الساحة السورية فقد أخفقت السياسة الروسية بمعظم ملفاتها وأهدافها، وحتى هدف إعادة كل الجغرافية السورية لعهدة الأسد كما وعد بوتين، فقد فشل في تحقيقه لوجود تركيا على مساحة تزيد عن 10% من مساحة سوريا، ووجود التحالف الغربي على مساحة تقارب الـ 26% من سوريا، وحتى المناطق التي تمت استعادتها كانت وما تزال عبارة عن مناطق مدمرة هجر سكانها وما تزال فارغة غير قابلة للعيش البشري.

أما من ناحية الإخفاقات الكبرى فيبرز فشل موسكو بتحويل إنجازاتها العسكرية في الساحة السورية إلى أوراق سياسية وحل سياسي، يمكن أن يوقف الحرب كما تعهد بوتين ولافروف للغرب عند اتخاذه قرار التدخل في سوريا، ومكمن الفشل الروسي أن موسكو قدمت إنجازاتها العسكرية للغرب مرفقة بمشروع إعادة تأهيل بشار الأسد، وتلك بضاعة فاسدة بنظر الغرب وبعض الدول العربية، بضاعة لا تباع وغير قابلة للتداول، فعادت موسكو من تجارتها الفاشلة بخفي حنين.

الإخفاق الآخر هو فشل موسكو بتحجيم الدور الإيراني في سوريا، وهو تعهد آخر أعطته القيادة الروسية للغرب وللعرب ولدول الجوار، مع واقع ميداني يقول إن إيران تسيطر حالياً على معظم الجغرافية السورية عبر 559 نقطة عسكرية وقاعدة ونقطة تجميع تشغلها ميليشيات عضوية أو تتبع للحرس الثوري الإيراني.

في موضوع إعادة هيكلة وزارة الدفاع السورية والأجهزة الأمنية التي أعلنتها قاعدة حميميم، يبرز فشل إضافي بعد أن استطاعت طهران بحرسها الثوري من السيطرة على معظم مفاصل القيادات العسكرية والأمنية في سوريا، زادت عليهم إيران بجعل أهم مفاصل الجيش السوري الأسدي المتمثل بقوات الحرس الجمهوري (الفرقة الرابعة التي يقودها اللواء ماهر الأسد شقيق بشار) التي تتبع للحرس الثوري مباشرة، وكذلك معظم الأجهزة الأمنية الأسدية.

الفشل الأكبر للروس في سوريا يتمثل بعدم قدرة الروس على امتلاك ورقة بشار الأسد، وإرضاخه لسيطرتهم، لأنه كان وما يزال بالحضن الإيراني، والقرار في سوريا إجمالاً يتوزع بين ثلاثة عواصم: فالقرار العسكري السوري في طهران، والقرار السياسي في موسكو، أما القرار الاقتصادي فيتواجد لدى الأمريكان عبر سيطرة قوات التحالف الدولي على شرقي الفرات التي تحوي أكثر من 80% من السلة الاقتصادية السورية.

بعد 11 عاماً على المقتلة السورية وبعد سبع سنوات من الإجرام الروسي في سوريا، يتربع اليوم بوتين شراكة مع بشار الأسد على جماجم السوريين، وعلى مدن مدمرة ومهجرة، وعلى مقابر جماعية باتت تتكشف تفاصيلها، وعلى أسرار معتقلات وجرائم باتت تتوضح معالمها، مع كلفة إعمار قدرت بتريليون دولار تعجر ميزانية الروس المثقلة بتكاليف الحرب الأوكرانية على رصدها، بوتين المترنح جيشه اليوم أمام ضربات الجيش الأوكراني، وأضعفته في سوريا بعد اضطراره لسحب معظم قواته، وأمام إيراني يعرف اقتناص الفرص واستغلال نقاط ضعف الروس، والصفقات الاقتصادية التي حاول بوتين من خلالها تعويض ديون حرب الأسد على شعبه والمقدرة بعشرات مليارات الدولارات، لم تحقق المطلوب منها، يضاف الآن أن توزع السيطرة العسكرية بين ثلاثة مناطق (شرق الفرات، شمال غرب سوريا، مناطق نفوذ الأسد) تسيطر عليها سلطات أمر واقع لا تمثل السوريين، بأمن فاشل، وترد للأوضاع الاقتصادية، يجعل منها بؤراً هشة قابلة للاشتعال في أي لحظة، وقابلة لعودة الصدامات المسلحة والاقتتال، في وقت أصبح جل تفكير الروس بالملف الأوكراني، وبالتالي كما أخطأت الولايات المتحدة الأمريكية في العراق عندما قادتها سياساتها الفاشلة بالنهاية لتسليم العراق على طبق من فضة لإيران، فالتخبط الروسي وانعدام الرؤيا لدى صانع القرار الروسي ستجعله بنهاية المطاف يقدم سوريا على طبق من ذهب لمشروع ولاية الفقيه.

 

ليفانت - أحمد رحال

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!