الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • من عــــفرين لـــرأس الـــعين.. منتجعات للقتلة المأجورين عقب تغيير ديموغرافيتها

من عــــفرين لـــرأس الـــعين.. منتجعات للقتلة المأجورين عقب تغيير ديموغرافيتها
شمال سوريا

مع انطلاق التظاهرات السلمية في آذار العام 2011، تأمل عموم السوريين الخلاص من سلطات الاستبداد في دمشق، وبناء نظام جديد، يتوافق مع تطلعات المكونات السورية المقموعة ومسلوبة الحقوق، ومنهم الكورد الذين ينتشرون في مجموعة مناطق شمال البلاد، على طول الحدود مع تركيا، من ديريك\المالكية شرقاً، إلى عفرين غرباً.


لكن لم يكن يتوقع السوريون عموما والكورد خصوصاً، بأن ما ينظرهم أحلك مما كان واقعهم، فإن كان النظام السوري لا يقر بوجودهم ويمنعهم من مزاولة السياسة والحديث بلغتهم، فإن المعارضة المقادة من قبل تنظيم الإخوان المسلمين، لم يكتفوا بممارسات النظام، بهل سعوا إلى إنهاء حق الكورد في الحياة، ولم يقتصر الأمر لديهم على عدم الاعتراف بهم، بل تجاوزوا ذلك إلى محاولة تطهيرهم عرقياً، وتهجيرهم قسرياً، والتنكيل بهم، سرقةً وخطفاً وطلباً لفديات مالية، واستيلاء على البيوت والأملاك والعقارات، ونهباً للمركبات والآليات الزراعية والمصانع والمعامل.


تغييب العقول بالإسلام السياسي


تجيد أنقرة وأدواتها في سوريا، اللعب على الحبال، فتسمي تهجيراً قسرياً لأكثر من مليون سوري (كورداً وعرباً وسرياناً ومن مختلف المكونات من عفرين ورأس العين وتل أبيض)، بأنه محاربةٌ للإرهاب، وتسمي كذلك بناءها للمستوطنات بأنها أعمال خيرية لإيواء "مهجرين سوريين"، وتسمي تغييرها لديموغرافية مناطق شمال سوريا، بأنه حق مشروع للسوريين للإقامة في أي منطقة من سوريا دون قيود، متناسيةً أنها هجرت سوريين آخرين، فقط لانتماءاتهما العرقية، وجلبت آخرين عوضاً عنهم، فقط لانتماءاتهم العرقية أيضاً.


اقرأ أيضاً: الجيش التركي خارج الحدود.. الخسائر متكررة والعبرة في سوريا

فيما تسعى أدوات أنقرة لتنفيذ سياساتها بشكل حرفي، فعمل الائتلاف السوري على تأمين دعم أوربي لبناء مشاريع سكنية وتجارية استيطانية في عفرين، وهو ما أشار إليه المرصد السوري في مارس الماضي، من أن الائتلاف هدف إلى إعادة لاجئين سوريين في تركيا إلى عفرين، منوهاُ أن محاولات الائتلاف باستقطاب داعمين أوربيين باءت بالفشل حتى اللحظة.


بجانب محاولة تجيير الدين في خدمة الاجندات التركية، عبر السعي إلى تغييب العقول، والسيطرة عليها من بوابة الدين، بتكثيف البنى التحتية للإسلام السياسي، من خلال بناء الجوامع ومعاهد إعداد الأئمة والخطباء ومدارس تحفيظ القرآن، وكل ذلك تحت مسميات المنظمات الخيرية والدعوية الدينية التي تستهدف الأطفال والنساء، وترتبط في مجملها بوقف الديانة التركية “ديانت” المرتبطة بالرئيس التركي مباشرة، ما يظهر جلياً الهدف التركي بخلق جيل من الأتباع والمريدين المؤتمرين لولي نعمتهم أردوغان، حتى لو تطلب ذلك القتال لأجله في سوريا أو تركيا نفسها.


التغيير الديموغرافي والاستيطان


تؤكد التقارير أن قرابة مليون شخص من سكان مناطق (عفرين، رأس العين وتل أبيض)، جرى تهجيرهم، وجلبت أنقرة عوضاً عنهم، سوريين من خلفيات (عرقية-دينية) مختلفة ومتشددة، غالبهم مرتبط بتنظيمات الإسلام السياسي، بغية تأمين حدود أنقرة من "إرهاب" مزعوم، لكنها عملياً هندسة ديموغرافية، يدرك كل السوريين في قرارة أنفسهم، حتى أشدهم تأييداً لتركيا، بأنها باطلة، ومنافية للحقيقة، وأن السوريين وأياً بلغت حدة الخلاف بينهم فإن ما يجمعهم أكبر، خاصة إذا ما علمنا أنه لا خلاف حقيقي بين المكون الكوردي وباقي المكونات السورية، وأن الخلاف بالأساس أصله التدخل التركي، والأكيد أنه في اللحظة التي تنسحب فيها تركيا من سوريا، ستنتهي جلّ تلك المشكلات المُختلقة.


اقرأ أيضاً: روسيا والاختبار الإسرائيلي في سوريا.. إخراج إيران أو القصف

وعليه فقد نشر المركز السوري للعدالة والمساءلة في السادس من مايو الماضي، تقريراً بعنوان المساعدات الخارجية والتغيير الديمغرافي في شمال غرب سوريا، وقال إن على حكومة الكويت والحكومات الأخرى حظر تمويل من شأنها الإسهام في عملية التغيير الديمغرافي التي تقودها أنقرة في عفرين على أراضٍ تعود ملكيتها للسكان الكرد.


مشيراً إلى أنه يأخذ بعين الاعتبار تمويل المنظمات لمشاريع بناء مستوطنات سكنية جديدة في شمال غرب سوريا كشكل من أشكال الدعم للسوريين النازحين من مختلف أنحاء البلد، بما في ذلك عشرات الآلاف الفارين من الغوطة الشرقية عام 2018، إلا أن مثل هذه المشاريع تعمل أيضاً على ترسيخ نزوح شرائح أخرى من المجتمع السوري، وهم قرابة 137 ألف من السكان غالبيتهم من الأكراد الذين فرّوا بشكل رئيسي من هذه المنطقة إلى شمال شرق سوريا وكردستان العراق بسبب العمليات العسكرية التي قادتها تركيا في عام 2018.


اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون في تركيا.. جوكر للسلطة بمختلف الجبهات

ولفت المركز إلى الحاجة الماسة لمشاريع الإسكان الممولة من الخارج لتلبية الاحتياجات الإنسانية للنازحين المقيمين حالياً بالمنطقة، إلا أنه اعتبر أن طريقة تنفيذها تعني المساهمة في عمليات التغيير الديمغرافي التي تعد النية الصريحة لتركيا ووكلائها، ومن خلال تمويل بناء المستوطنات التي تعيق عودة السكان الأصليين الذين شرّدتهم القوات المدعومة من تركيا.


التهجير.. متواصل على قدم وساق


فيما سلّط المرصد السوري لحقوق الإنسان، في العاشر من مايو، الضوء على عملية “التغيير الديمغرافي” الممنهجة التي تقوم بها الحكومة التركية، والفصائل السورية الموالية لها في عفرين وريفها، مذكراً بإغلاق قرى بأكملها، أمام عودة أهاليها في عفرين، إما لاتخاذها قواعد عسكرية أو لاستحلالها من قبل الفصائل الموالية لأنقرة وذكر منها (جلبر، كوبله، ديرمشمش، زريكات، باسلِه، خالتا، چيا، درويش، قسطل جندو، بافلون، بعرافا، حفتار، شيخورزيه)، مؤكداً أن التهجير، متواصل على قدم وساق من المنطقة، بسبب سياسة الضغط على المدنيين من قبل الفصائل لدفعهم إلى الخروج من مناطقهم بأشكال وأساليب متعددة، وهو ما ينطبق كذلك على رأس العين وتل أبيض، إذ تحكم ذات المليشيات وبذات العقلية.


اقرأ أيضاً: نساء أفغانستان.. التسويف استراتيجية طالبان لسلب حقوقهن

وأوضح المرصد أنّ عدد المتبقين من أهالي عفرين داخل المنطقة، يبلغ نحو /150/ ألف نسمة (من أصل 700 ألف وفق التقرير نفسه)، أغلبهم من الفئات العمرية الكبيرة، مؤكّداً استمرار الاعتقالات التعسفية وحالات الاختطاف والقتل والمضايقات والضغوط ضد الكورد المتبقين، والاستمرار بتقييد حركتهم وضرب مقومات حياتهم والاستعلاء عليهم، لدفعهم نحو الهجرة وترك الديار والممتلكات.


كما أشار المرصد إلى أنّه “تمّ توطين أكثر من /270/ ألف نسمة من عوائل عناصر الفصائل الموالية لأنقرة والمهجرين والنازحين من أرياف دمشق وحماة وحمص وإدلب وغرب حلب، وفق صفقات بين تركيا وروسيا، ضمن منازل وممتلكات أهالي منطقة عفرين المستولى عليها عنوةً، وفي مخيمات أنشأت قرب (مدينة عفرين، قرية محمدية- جنديرس، قرية آفراز- معبطلي، بلدة راجو، بلدة بلبل، قرية كفرجنة، قرية ديرصوان…) وأخرى عشوائية.


منتجعات للقتلة المأجورين


الغريب في القضية، أن (عفرين، رأس العين وتل أبيض) لم تسقط لأنها فشلت في إدارة نفسها، أو أخفقت اقتصادياً وفرّ شعبها منها، أو عجزت عن حماية قراها وسكانها من العصابات التي استباحت طول البلاد وعرضها، بل على العكس تماماً، فقد جرى إسقاطها عمداً لأنها نجحت في إدارة نفسها، وكونت نموذجاً قد يشعل لهيب باقي السوريين لتطبيق نماذج مماثلة، وهو ما يبدو أنه شكل تقاطعاً في المصالح بين نظامي دمشق وأنقرة، لسحب الحلّ من تحت أرجل السوريين، وإرجاعهم لحالة الفوضى والتخبط والانفلات واللاقانون التي تعيشها كل المناطق المدارة من قبل مليشيات أنقرة، منذ العام 2011 وحتى الوقت الراهن.


اقرأ أيضاً: في شمال سوريا.. اللامشروع الأمريكي بمواجهة العثمانية الجديدة

فواجهت مناطق شمال سوريا معركة قاسية، رغم أنها كانت متوجهة لبناء نفسها، وساعية لتقديم نموذج حلّ للسوريين يقوم على نظام "الإدارة الذاتية"، الذي يبدو أنه قد يكون الأقرب مستقبلاً للتطبيق في سوريا، خاصة مع أنهار الدماء التي سفكتها قوات النظام السوري أولاً، ولحقتها على ذات السكة، مليشيات المعارضة التابعة لتركيا، لدرجة أن المراقب بات في حيرة من أمره بينهما، وكأن القوتين (نظاماً ومُعارضة)، قد دخلتا في منافسة، على من يُجرم أكثر في حق السوريين، ومن ينتهك حرماتهم بشكل أعمق.


(عفرين ورأس العين وتل أبيض)، مناطق سورية لم يسمع بها أحد، على الصعيد العربي أو الدولي، قبل استيلاء تركيا عليها عسكرياً الأعوام 2018 و2019، لكنها تحولت فيما بعد إلى مراكز لتجميع المرتزقة وتدريبهم للقتال في ليبيا وأرمينيا، مع الجاهزية للقتال في أي منطقة تأمرهم بها السلطات التركية، ومن هنا ينبغي على العالم أن يدرك أهمية عودة سكانها الأصليين إليها، وإخراج أنقرة وأدواتها منها، أقله حتى لا تكون تلك المدن منتجعات لتأهيل المزيد من القتلة المأجورين.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!