الوضع المظلم
الأحد ١٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
تركيا من الوسيط إلى المحتل
غسان المفلح

الحديث عن الدور التركي في سورية، لا يمكن المضي فيه دون المشهد السياسي الداخلي التركي. هذا المشهد الذي كان حافلاً بالتطورات لصالح نظام رئاسي، طبعه اردوغان بطابعه.

ثلاث محطات رئيسية من وجهة نظري، كان لها أثراً على المشهد السياسي التركي.




الأولى: هي إبعاد خصوم أردوغان عن مشهد حزب العدالة والتنمية. عبد الله غول وأحمد داوود أوغلو بشكل رئيسي. حيث بات الحزب تحت قيادة أردوغان دون منافس. هو الحزب الأكبر والأقوى في البلاد.




المحطة الثانية: المحاولة الانقلابية التركية في 15 يوليو 2016 هي محاولة انقلاب عسكري فاشلة لمجموعة من الضباط.




المحطة الثالثة: كانت التحول التركي نحو النظام الرئاسي. 12 نيسان عام 2017. حيث تم اقرار قانون التحول باستفتاء شعبي. وتم بعدها انتخاب أردوغان 25حزيران 2018، ليكون أول رئيس منتخب وفقاً لهذا القانون الجديد.




دون الدخول في تفاصيل هذه المحطات، لكنها أدت إلى قيام نظام رئاسي لأردوغان مركز القرار فيه. دون منافس لا حزبي داخلي ولا من أحزاب اخرى. هذا القانون لا يختلف عن القانون الرئاسي المعمول فيه أمريكياً. لكن وإن بدت أن هنالك تمايزات ما، فهي نتاج إصرار أردوغان أن يكون أقل مؤسساتية في اتخاذ قراراته.




خلال سنوات الثورة السورية منذ انطلاقها آذار 2011، مرت السياسة التركية أيضا بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى والتي امتدت تقريباً، خلال سنة الثورة الأولى. حيث كان دواوود أوغلو بوصفه وزير خارجية تركيا آنذاك، بحملة وساطة بين الأسد والواقع الجديد الذي خلقته الثورة السورية.




هذه الوساطة باءت بالفشل. كما باءت وساطة أردوغان قبلها أعوام 2007حتى عام 2009 بين الأسد وإسرائيل. حيث فشل أردوغان بجمع الأسد مع تل أبيب!! هذه الوساطة كانت الغاية منها أن يكون هنالك دوراً لتركيا في إعادة الأسد للحظيرة الدولية بعد اطلاق محاكمة قتلة الحريري. وأردوغان كان يعرف قوة العلاقة التي كانت تربط الأسد بإسرائيل. لكنه اختار هذه الوساطة العلنية، لكي يخلق جواً ضاغطاً على المجتمع الدولي لقبول الأسد ثانية. كان معه في ذلك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأمير قطر السابق. كان هنالك نظرة للحكومة التركية حول قيام علاقة خاصة مع النظام السوري خاصة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية. استمرت هذه المحاولة عموماً والتوسط مع واقع الثورة حتى نهاية سنة الثورة الاولى 2011.




المرحلة الثانية للسياسة التركية تجاه سورية، تجلت في محاولة إيجاد نقطة مشتركة مع سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه سورية. إضافة إلى أن هذه اللوحة قد أصيبت بالعمى الدولي بعد انتخاب باراك أوباما لولاية ثانية بدأها عام 2012. حيث دخلت السياسة الأوبامية مرحلة تحويل الثورة السورية إلى أزمة عنوانها تأهيل الجريمة الدولية بحق الشعب السوري. هذه كانت تتطلب إدارة أمريكية صارمة للملف. عكس ما كان المحللون يذهبون إليه من أن أمريكا تنسحب لصالح روسيا. بينما الذي حدث بالفعل أن أوباما مهد الطريق الدولي لتدخل إجرامي إيراني ميليشياوي شيعي لقتل الشعب السوري، ودفن ثورته. ثم تبعه بتمهيد الطريق لتدخل روسي أكثر فاشية وإجراماً. تجلى ذلك في الصفقة الكبرى التي كان أردوغان طرفاً فيها وهي صفقة تسليم حلب2015. خلال هذه المرحلة من العمى الدولي، كانت السياسة التركية تترنح بين العمل لدعم إسقاط الأسد، أو المشاركة بالصفقة الأوبامية. التي واجهت هذا التذبذب التركي بمحاولة انقلاب أوبامية كانت يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية تركية، فيما لو انقسم الجيش التركي على إثرها لكنها فشلت. بعدها أردوغان أدار ظهره لتلك المرحلة متحالفاً مع الروس والإيرانيين. فيما عرف باتفاق أستانة. هذا الاتفاق لم يكن بمعزل عن رضا أمريكي نسبي. لأنه فعلياً يساهم في تعويم الجريمة الأسدية بحق الشعب السوري، بأنها أضحت جريمة دولية بقيادة أوباما، ولاحقا استمرت بقيادة ترامب.


استتب الامر لأردوغان كرئيس. هنا بدأت النظرة التركية تجاه سورية تختلف عن السابق. اقصد نظرة أردوغان. تمحورت حول سؤال: لماذا لا يأخذ حصته من سورية بوصفه محتل كبقية المحتلين. خاصة بعد تشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش. هنا ابتدأت مسيرة أردوغان في سورية بوصفه محتل. الخطوة الأولى كانت باحتلال عفرين ثم قبل أشهر احتلال تل أبيض وراس العين. نشر نقاطة مراقبة تركية في الشمال السوري وفقاً لأستانة وسوتشي. طبعاً الحجة بذلك هو وجود البي كي كي في تلك المنطقة وبوصفه حزباً كردياً تركياً. الذي احتل القسم الغالب من الجزيرة السورية والشمال السوري بمساعدة التحالف الدولي المناهض لداعش بقيادة أمريكا.




ما نعيشه اليوم على هذا الصعيد، هو أن أردوغان حول السياسة التركية في سورية إلى سياسة محتل، جل اهتمامه ما يراه هو من أنه مصلحة تركية إزاء مصالح المحتلين الآخرين هذه هي المرحلة الثالثة. هذا ما أتاحته له سياسات بقية المحتلين من الأسدية والإيرانية والروسية والأمريكية والفرنسية والإنكليزية والجهادية. بالمقابل بغض النظر عن كل هذه اللوحة، تحية للشعب التركي الذي استقبل اللاجئين السوريين بطريقة إنسانية أكثر بكثير مما فعل بعض العرب. كلبنان والعراق.




ملاحظة أخيرة: السماح التركي لشذاذ الافاق من الارهابيين الجهاديين بالدخول لسورية عن طريق تركيا كان قراراً أمريكيا أوروبياً قبل أن تكون تركيا متواطئة. كذا الحال ايضاً استخدام ورقة المعارضة السورية بطريقة سيئة من قبل الحكومة التركية.



غسان المفلح - كاتب سوري

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!