الوضع المظلم
الأحد ٢٨ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
الكورد الإيزيديون.. تشويه ممنهج وحملات إبادة
آلان عبد القادر

تعرّض الكورد الإيزيديون عبر التاريخ إلى حملات تشويه ممنهجة، نتجت عنها إشكالية معرفية متوارثة لدى الأجيال وكوّنت صورة مغايرة ومشوهة عنهم لدى الشعوب المحيطة بهم، كما تعرضوا لحملات إبادة جماعية واضطهاد مزدوج، مرةً لأنّهم ينتمون للقومية الكوردية، ومرة أخرى لأنّهم يعتنقون الديانة الإيزيدية، فعانوا الويلات ولاقوا من الظلم والقتل والسبي والتهجير الكثير.


سيقت بحق الإيزيديين العديد من الادعاءات الباطلة، ومنها أنّ البعض قد نسبهم إلى يزيد بن معاوية، وبعضهم نسبهم إلى مدينة “يزد” الفارسية، والبعض الآخر قال إنّ أصولهم يهودية، والحجّة التي تذرعوا بها هي أنّ يوم السبت هو يوم عبادة عند الإيزيديين. وعن ديانتهم قالوا إنها غريبة الأطوار ولا تمت للواقع بصلة، فقد قالوا بأنّهم يقدّسون الأفاعي التي تمثّل حكمة الشيطان، والطواويس التي تمثل جمال الشيطان، وأنّهم يقدسون الشمس ويخرّون لها ساجدين عند بزوغها، وأنّهم يعبدون الشيطان ويتّخذونه إلهاً لهم، وأنّ الشيطان في عقيدتهم لا يتسامح ولا يغفر لذلك يكرمونه ويعبدونه لتفادي ضرره وأذاه، وأنّهم لا يؤمنون بالله تعالى ولا يعترفون بوجوده، كذلك سوقوا بأنّ الإيزيديين أنجاس إذ حرموا التعامل معهم والأكل من طعامهم والزواج منهم، وأنّهم مرتدّون كفرة ويحقّ قتل رجالهم وسبي نسائهم وامتلاك أراضيهم وأموالهم.


فما هي الحقيقة.. ومن هم الإيزيديون؟



الإيزيديون: مجموعة عرقية دينية، ينتمون عرقياً إلى أصلٍ كردي ذي جذور هندو أوروبية، ويعتبرون من أقدم شعوب الشرق الأوسط، كما أنّ لهم عادات وتقاليداً وتراثاً وفلكلوراً ضارباً في العراقة، وتعتبر ديانتهم الإيزيدية من الديانات الكوردية القديمة، ويؤمن الإيزيديون بالله سبحانه وتعالى ويعبدونه، وهم يعتقدون أن الله موجودٌ في كل شيءٍ وهو الأساس، والمخلوقات أجزاءٌ من الروح العليا والجزء تابعٌ للكل، لذا فإنّ تقديسهم للظواهر الكونية، كالشمس والنور والقمر، مبنية على فكرة كون هذه الظواهر جزءاً من الذات الإلهية وتجسيداً لقدرته الخارقة. والديانة الإيزيدية ديانة غير تبشيرية حيث لا يستطيع الأشخاص من الديانات الأخرى الانتماء إليها، وبذلك يعدّها العديد، ومن ضمنهم أمير الإيزيديين، تحسين بيك، ديانةً مستقلةً بحدّ ذاتها.


ارتبط الوجود التاريخي للإيزيدين في دول العراق وسوريا وتركيا، كذلك توجد أعداد لا بأس بها في كلّ من أرمينيا وجورجيا، إذ تعيش الأغلبية الساحقة من الإيزيدين في العراق، حيث يرتبطون دينياً بأرض “لالش” التي تعتبر قبلة لكل الإيزيديين في العالم، وتتراوح إحصاءات هذه الأقلية العراقية بين 500,000 و700,000 نسمة، وتتواجد هذه الأقلية في مدينتي شيخان وسنجار (شنكال)، شمال العراق. أما في سورية فيتركز وجودهم في منطقتي الجزيرة وعفرين. وفي تركيا، واجه الوجود الإيزيدي تناقصاً حاداً، خلال القرن العشرين، ووصل عددهم إلى أقل من 500 شخص، حيث هاجر أغلب الإيزيديين من تركيا إلى أوروبا وبالتحديد إلى ألمانيا. وفي جورجيا انخفض العدد من 30,000 إلى أقل من 5,000 خلال التسعينات، إلا أنّ الأرقام في أرميننا قد تميزت باستقرار نسبي، إذ بلغ عدد الإيزيديين الذين يعيشون في أرمينيا حوالي 40,000 إيزيدي.


تعرّض الإيزيديون عبر التاريخ إلى 73 حملة إبادة جماعية (فرمان) استهدفتهم لأسباب دينية وقومية، تنوع قادة الحملات الإسلامية عبر السنين مع بقاء مضمون كل حملة ثابتاً، وهو القتل العشوائي وسبي النساء والأطفال وإحراق المزارع والمدن فوق رؤوس ساكينها. اقترنت الحملات بصدور فتاوى التكفير واستحلال القتل والسبي باسم الإسلام، فكانت من أهم الحملات التي أباحت قتل الايزيديين:


حملة هولاكو سنة 1259، حملة المغوليين سنة 1330، حملة تيمور خان سنة 1394، حملة القزلباشي الصفويين سنة 1516، حملة السلطان سليمان خان القانوني سنة 1570، حملة مراد باشا سنة 1607، حملة أمير طي فارس بن محمد سنة 1793، حملة علي باشا سنة 1802 وحملة محمد شريف باشا 1844-1845، حملة محمد باشا كريدلي أوغلو سنة 1846، حملة طيار باشا سنة 1847، حملة أيوب بك سنة 1891، حملة الفريق عمر وهبي باشا سنة 1892، حملة بكر باشا سنة 1894، حملة بدرخان بك سنة 1844، حملة الأتراك الفتيان إبان مذابح الأرمن سنة 1915، حملة إبراهيم باشا سنة 1918، حملة الجيش العراق الملكي سنة 1935، وكانت آخر تلك الحملات قد تزامنت مع الانفلات الأمني الذي ساد العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين وتغلغل القوى السلفية الجهادية في المناطق السنية من العراق، وقيامها بحملات إرهابية دموية استهدفت أبناء الديانات الأخرى.


حيث دفع الإيزيديون فاتورة ثقيلة من الاستهداف المتواصل لهم من قبل هذه الجماعات إثر سقوط الموصل في حزيران سنة 2014، بيد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، حيث تعرّضت المدن الإيزيدية، وعلى رأسها مدينة سنجار، لهجوم من قبل عناصر التنظيم، الذين سرعان ما سيطروا عليها، حيث قتل المسلحون عدداً كبيراً من الأشخاص وأسروا آخرين بعد فرار الآلاف إلى جبل سنجار الحصين للنجاة من أيدي التنظيم، واعتبرت الأمم المتحدة أنّ أفعال التنظيم يمكن اعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأنّ الإيزيديين قد تعرضوا لمحاولة إبادة جماعية، إذ تسببت الحملة بمقتل 3 آلاف إيزيدي و5 آلاف مختطف و400 ألف مشرد ومهجر، في دهوك وأربيل وزاخو والمناطق الكوردية في سورية، فضلاً عن وجود 1500 امرأة تعرّضت للاغتصاب الجماعي، 1000 منهنّ تم بيعهنّ بالسوق “كسبايا”.


يطلق الإيزيديون اسم “فرمان” كمرادف لعبارة “حملات الإبادة الجماعية”، والفرمان كلمة تركية معناها “القرار”، إشارةً إلى القرار الذي كان يصدره السلاطين العثمانيون في إسطنبول، تمهيداً لانطلاق حملة جديدة من الإبادة، وكان الشعب الإيزيدي في الغالب عاجزاً عن مواجهة تلك الحملات العسكرية المهددة له، لضخامتها ولقلة أعداد الإيزيديين، فكانوا يضطرون للاختباء في الجبال وظلمات الكهوف، وأدّى هذا مع مرور الزمن إلى انتشار الأمية والتخلف بينهم، وإنهاك الشعب بحروب وكوارث أثرت على بنية الإنسان الإيزيدي وآدميته ودوره الحضاري والثقافي، بالرغم من أنّ الكورد الإيزيديين شعب مسالم، وبالرغم من أنّ رسالة ديانتهم هي السلام والتعايش السلمي بين جميع الأديان، إلا أنّهم تعرّضوا لشتّى صنوف التعذيب والقتل، على أمل أن ينال هذا الشعب حقوقه القومية، ويتم الاعتراف بديانته ضمن دساتير الدول التي تحكمهم، وأن يعيشوا بسلامة وأمان مع باقي شعوب المنطقة بعيداً عن ثقافة الإنكار والإبادة والتهجير والقتل.


ليفانت – آلان عبد القادر


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!