-
أنقرة تفشل في تقمّص دور الضحيّة.. وتستذئب مجدّداً بالمتوسط
لا يدرك المتابع، بأيّ عين تُحاول تركيا من جديد السعي إلى الاتحاد الأوروبي، بعد سنوات طويلة من الابتزاز في قضية اللاجئين، وتهديد بروكسل على الدوام بفتح بوابات الحدود أمامهم، بجانب السعي للتدخل في مجموعة من الدول الأوروبية عبر تنظيمات الإسلام السياسي، وتمويل الجمعيات ذات النفس الديني-الطوراني، إضافة إلى ملفات التدخل التركي بالعواصم الغربية عبر شبكات استخبارية، تسعى لترصد معارضي النظام التركي، وحتى تنفيذ عمليات اغتيال بحقهم في الدول التي يلجؤون إليها، أو حتى باتوا من مواطنيها وحاملين لجنسياتها، وفق ما كشفت تقارير غربية سابقاً.
مُحاولات لطيّ صفحة الخلاف
فمع بداية العام 2021، حاولت أنقرة أن تظهر بصورة مباينة لما عرفت عنه خلال الأعوام السابقة، من عدوانية وهجوم على دول كفرنسا واليونان وقبرص، خاصة عقب الاجتماع الأوروبي في ديسمبر العام الماضي، والذي منح الأتراك فرصة حتى مارس 2021، لتصويب الأخطاء أو الاستعداد لاستقبال العقوبات الأوروبية.
فرصةٌ يبدو أنّ الأتراك تلقفوا ممن يؤيدهم ضمن الاتحاد كألمانيا، بأنّها قد تكون الأخيرة قبل سنّ عقوبات فعلية على أنقرة، مع وصول الأوروبيين إلى حالة من اليقين بخصوص العدائية التركية، عقب أشهر من الانقسام حول فرض العقوبات من عدمها، بالذات أنّ برلين كانت تصرّ دائماً على الطريق الدبلوماسي للحلّ، وهو ما يبدو أنّ وقته قد طال، وأحرج بالتالي العجوز الألمانية ومن لف لفيفها، في التغطية على السياسات التركية، ليس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فحسب، بل في قلب القارة الأوروبية.
اقرأ أيضاً: عودة ميمونة لبطل قومي.. نافالني يصيب عصافير عدة بحجر واحد
ليعود معها نائب وزير الخارجية التركي، فاروق قايماقجي، في السادس من يناير، للحديث عن أنّ هدف بلاده هو العضوية الكاملة ضمن الاتحاد الأوروبي، معدّاّ أنّ ذلك الأمر سيخدم الطرفين، قائلاً: "هدفنا هو العضوية الكاملة، لأنّنا نعتقد أنّ مصلحة تركيا تكمن فيها، كما أنّ العضوية الكاملة ستخدم العلاقات بينها وبين الاتحاد الأوروبي"، مردفاً: "لدينا قمة من المقرّر عقدها في مارس المقبل، الاتحاد الأوروبي استخدم مع الأسف الوسائل المتاحة بشكل خاطئ وخاطب تركيا بلغة العقوبات ولم يولِ مصالحه العامة اهتماماً".
اليونان تمدّ يدها للسلام
في حين بدت أثينا التي عانت ما عانته من أنقرة، وكادت أن تصل الأمور للحرب بينهما في المتوسط، ساعية للسلام رغم العدائية التركية، ومنه، ذكر رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في الحادي عشر من يناير، بأنّ بلاده تهدف لإقامة علاقات مثمرة مع أنقرة، وستحضر المحادثات الاستكشافية بخصوص قضية المناطق البحرية المتنازع عليها عند تحديد موعدها، ثم أعلنت وزارة الخارجية اليونانية أنّ الجولة الـ61 من المباحثات الاستكشافية بين اليونان وتركيا ستعقد يوم 25 يناير في إسطنبول.
اقرأ أيضاً: الانقلاب الأبيض يفضح ترامب.. وأمريكا تنتصر على عدوّها الداخلي
فيما صرّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأنّ بلاده جاهزة لإعادة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي "إلى مسارها" وفق رؤية طويلة الأمد، زعماً أنّ تركيا قوة إقليمية لا تخضع للآخرين، مدعياً في الثاني عشر من يناير، أنّه بمقدور أنقرة تحويل 2021، لعام النجاحات في العلاقات التركية الأوروبية، مطالباً السفراء الأوربيين لدى بلاده لدعم فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية الأوروبية، وتابع بالقول: "كما أنّ الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان خياراً استراتيجياً بالنسبة لبلادنا منذ 60 عاماً، فإنّ الموافقة على هذا الانضمام سيكون خياراً وجودياً بالنسبة لمستقبل الاتحاد".
شكوك متبادلة بين أنقرة وبروكسل
لكن لغة الدبلوماسية الرومانسية تلك من أنقرة، لم تأكل حلاوة بعقل بروكسل، فدعا الاتحاد الأوروبي، في منتصف يناير، أنقرة إلى تحويل "نواياها الحسنة" تجاهه، والمعلن عنها من قبل القادة الأتراك إلى أفعال، عبر تنفيذ إجراءات واضحة تساهم في خفض التصعيد في البحر الأبيض المتوسط وخلق أجواء إيجابية، فقال بيتر ستانو، الناطق باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل: "الاتحاد، رغم ترحيبه بالتصريحات المذكورة، ما زال ينتظر رؤية أفعال ووقائع محددة من أهمها خفض التصعيد في المتوسط وخلق أجواء إيجابية تسمح بحلّ الخلافات وتطوير العلاقات ليس فقط مع بروكسل بل ومع كافة عواصم الدول الأعضاء".
اقرأ أيضاً: كُلّ مَن يُعارض أردوغان (إرهابي).. مُثقفاً أكان أم أمياً
وأردف: "نؤكد على موقف أوروبا الواضح من العلاقات مع تركيا.. إنّ إقامة علاقات جيدة بين الأتراك والأوروبيين تصبح في مصلحة شعوب الطرفين"، حيث نظر الأوروبيون بإيجابية إلى الإعلان عن إطلاق حوار بين أنقرة وأثينا، مشددين على أنّهم "يولون أهمية قصوى لطريقة تصرف تركيا في سعيها لحلّ المشاكل الثنائية مع بعض العواصم الأوروبية".
أزمة الثقة
وأتت الخطابات التركية الرنانة وفق مراقبين، لزيادة الشرخ في الصف الأوروبي ومنعه بالتالي من التوحد في مارس، بوجه الغطرسة التركية بالمتوسط، لكن أنقرة لم تستمر طويلاً، قبل أن تعود للتكشير عن أنيابها، فقد وجهت وسائل إعلام يونانية في الخامس من فبراير الجاري، اتهامات لـ أنقرة باختراقها المجال الجوي لبلادهم، لـ31 مرة، عبر طائرات تجسسية، أثناء مناورات "سكايروس 2021" العسكرية اليونانية الفرنسية.
اقرأ أيضاً: إيران وبايدن.. ومُعضلة مَن يتنازل أولاً
وفي العاشر من فبراير، توجّه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بانتقادات شديدة إلى رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، مبدياً تأييده الثابت لفكرة إقامة دولة مستقلة في شمال قبرص، وهو ما يتعارض مع الرؤية اليونانية والأممية، الساعية إلى إعادة دمج الجزيرة في نظام فدرالي تقترحه أثينا، فيما يبدو جلياً أنّ الإصرار التركي على حلّ الدولتين، قادم من رغبة تركيا في استغلال المياه الإقليمية لما تسمى بـ"جمهورية شمال قبرص"، إذ سيتيح انفصال الأخيرة، لأنقرة التحرك في مياهها المزعومة دون اعتراض من أحد.
منتدى فيليا يكشف المضمور التركي
وصعّدت أنقرة من خطاباتها المعادية مجدداً، في الثاني عشر من فبراير، عندما قالت وزارة الخارجية التركية يأنّها ترفض "الاتهامات والافتراءات الموجهة لبلدنا من قبل وزير خارجية اليونان في البيان الصحفي الصادر في ختام منتدى فيليا المنعقد في أثينا"، حيث عقب الناطق باسم الوزارة، حامي أقصوي، على استفسار متعلق بمنتدى الصداقة المنعقد في أثينا يوم 11 فبراير، بمشاركة وزراء خارجية اليونان ومصر وفرنسا والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين وقبرص، بالقول: "لا يمكن لأي منتدى لا توجد فيه تركيا المحورية في المنطقة والقبارصة الأتراك، أن يشكل آلية صداقة وتعاون ناجح وفعال من ناحية الاختبارات التي تواجهها المنطقة".
اقرأ أيضاً: مُستصعبةً مُقاطعة ماضيها.. قطر تتهرّب من استحقاقات بيان العلا
وبالتوازي مع خطاب أقصوي، نشرت قناة TRT1 الحكومية التركية، خريطة لمناطق النفوذ التركي المُرجحة عند حلول عام 2050، تضمنت كلاً من سوريا والعراق والأردن ومصر وليبيا وشبه الجزيرة العربية بأسرها واليونان، بجانب منطقة ما وراء القوقاز وبعض الأقاليم بجنوب روسيا والقرم وشرق أوكرانيا وأجزاء من كازاخستان وتركمانستان تطلّ على بحر قزوين، وهي خريطة بالرغم من رمزيتها، فإنّ مجرد عرضها على الإعلام الرسمي هو بمثابة التبني لها، ومُخاطبة للعقل الباطن التركي، بغية زرع تلك الأحلام في مخيلته، وعليه أثبتت أنقرة من جديد، فشلها في تقمص دور الضحية في الشرق الأوسط، لتعود من جديد لحالة الاستذئاب، التي تنكل من خلالها بكل ما يحيط بها.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!