الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
لماذا أعجب السوريون بفكرة المجلس العسكري؟
إياد إبراهيم

حين تخيّر الشعوب بين الفوضى العارمة والاستبداد السياسي فإنّها تختار الاستبداد في غالب الأحوال وتعتبره أخف الضررين وخير الشرين، لكن الاحتماء من الفوضى بالاستبداد خيار قصير النظر، لأنّه علاج للعرض وإبقاء على المرض، فالاستبداد هو الجذر الذي يرجع إليه أصل المعضلة السياسية.


أحيانا تكون الفوضى المصاحبة لبعض الثورات فوضى طبيعية ليست مفتعلة، وإنما هي ثمرة من ثمار ضعف الوعي السياسي لدى الثوار، أو طغيان الأنانية السياسية على تفكيرهم، مما يمنعهم من بناء إرادة مشتركة ويجعل جهودهم متضاربة، فتضيع الكتلة الحرجة التي انطلقت بها الثورة، وتتحوّل أشتاتاً من الجماعات والفصائل التي لا يجمع بينها سوى العداوة للنظام الاستبدادي، دون اتفاق على رؤية أخلاقية للبديل، ولا خطة عملية للتغيير.


لقد أثبتت التجربة أنّ الحركة المسلحة لا يمكن أن تحقق إنجازات حقيقية في مواجهة نظام مستبد من دون قيادة موحدة واستراتيجية تلتزم بها، كما تبين أنّ تعدّد الفصائل المسلحة الناجم عن انطلاقتها العفوية وبيئاتها الاجتماعية المختلفة أو صراعها الأيديولوجي أو عن هذه العوامل مجتمعة، لا يلبث أن يحوّل الصراعات بينها على النفوذ إلى التناقض الرئيس. وغالباً ما لا تنجح هذه الحركات في التوحد من تلقاء نفسها بسبب غياب الثقة المتبادلة وحضور الخوف المتبادل، وارتفاع منسوب النرجسية ووهم القوة الذي يخلقه حمل السلاح من دون تدريب أو انضباط حزبي. لذلك، فإنّه إما أن يوحدها تنظيم واحد بالقوة ويسيطر عليها، أو يحصل ذلك بتدخل خارجي.


هذا في مرحلة الكفاح المسلح، أما في مرحلة بناء الدولة، فلا يمكن إطلاقاً المضي في بناء مؤسسات الدولة من دون دمج الفصائل المسلحة في جيش واحد أو حلّها؛ سواء بالإقناع أم بالقوة. ويفضل أن يكون ذلك بالإقناع أو الطرق السلمية. ولكن هذا يتطلب حلولاً وسطى وتسويات وتوافقات.


هناك طرفة قديمة تقول "ما الجمل سوى حصان سباق صممته لجنة". والنقطة الجادة خلف هذه الطرفة هي أنّ الجماعات –نتيجة لتشتت السلطة فيها، أو توزع القوة بين أعضائها– تضطر إلى إجراء تسويات بغرض الوصول إلى موقف يجمع عليه الجميع. من هنا تبدأ القصة؛ فإما فوضى لا متناهية، وإما توافقات وتسويات تنتج حلولاً مشوهة.


يميز بعض الباحثين بين مراحل متعددة من الثورة. تتميز أولى المراحل بالآمال الطوباوية، وفيها يلتف الثوريون خلف الشعارات والآمال العريضة، ورغم وجود أقلية ما زالت ترفض مغادرة هذه المرحلة، إلا أنّ الأغلبية بعد أن بحّت حناجرها وهي تنادي الفصائل بالتوحد، بدأت تكتشف أنّ الواقع يختلف عن الأحلام، وأصبح بإمكان الناظر أن يكتشف أنّ غياب الوعي السياسي الذي تجلّى عند انطلاقة الثورة في مراحلها الأولى أصبح جزءاً من الماضي لدى أغلب السوريين، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال النقاشات التي تدور والأفكار التي تطرح والأنشطة التي يقوم بها السوريون في بلدان المهجر، ففي الآونة الأخيرة أصبحت قوى الثورة تنافس النظام صاحب الخبرة وتتفوّق عليه في معظم أنشطة الدبلوماسية والدبلوماسية الموازية، ولعل هذا أحد إيجابيات امتداد الثورة الزمني، حيث تراكمت لدى أغلب السوريين الكثير من المعارف السياسية نتيجة الممارسة والتجربة.


يعلم الجميع أنّ المؤسسة العسكرية هي أكثر مؤسسات الدولة تنظيماً وانضباطاً، وأنّها المؤسسة الوحيدة التي تمتلك القوة القادرة على فرض الأمن وضبط فوضى السلاح وفوضى وتشتت السلطة. لذلك، فمن الطبيعي أن يكون للمؤسسة العسكرية الدور الأبرز في المرحلة الانتقالية.


من هنا، لا يستغرب أنّ الذين يؤيدون فكرة المجلس العسكري يزدادون يوماً بعد يوم، فهذه المؤسسة إن لم يكن في قيادتها مجموعة من الضباط القادرين على توجيه أنشطتها لصالح الثورة لربما تعود بالبلاد إلى ما كانت عليه قبل الثورة وإن كانت برأس آخر، والمجلس العسكري الذي أصبح السوريون يتبادلون الحديث عنه ويبنون عليه آمالهم، هو تجمع لضباط انشقوا عن النظام وانحازوا لمطالب الجماهير بالحرية والكرامة. لذلك، من الطبيعي أن يكونوا داخل الجيش التيار الثوري المواجه للتيار الآخر المحافظ.


ليس التأييد لفكرة المجلس العسكري في الشارع الثوري موقفاً اعتباطياً، إنما هو خيار ناتج عن وعي سياسي تراكم خلال الثورة وهو آخذ بالازدياد.


إياد إبراهيم


ليفانت - إياد إبراهيم

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!