-
القوة والعنف.. أزمنة لا أمن ولا أمان
بمبدأ صار شعاراً، وجعل العالم مكاناً شديد الخطورة، لا يجلب الأمان لأحد، فأصبح "لا أمن ولا أمان" مع كثرة الانفلات المُتزايد للغرائز البدائية لدى الأثرياء والسياسيين الطماعين من أصحاب النفوذ، والقرار والانكشاف الكبير للقوة العارية والهدم المُنظم للقوانين والأعراف الدولية، وليس إلا العنفُ شيئاً آخر سوى استعمال القوّة في صورها، الماديّة أساسها، للإخضاع وفرض الإرادة على مَن يقع عليه فعل القوّة، (عنف مشروع وعنف غير مشروع)، كالشرق الأوسط، ذلك الميدان الكبير الذي تُمارس فيه القوة السلطوية منطقها بأوضح صورة وأكثرها فجاجة.
ولا ينحصر فعْلُ تلك القوة في المجال الخاصّ (الأسرة والمجتمع مثلاً)، ولا تترجم نفسها في إطار تلك العلاقة وممارستها السّلطة، أو في علاقة السيّد بالعبد، وإنّما يمتدّ فعلها إلى مجال العلاقات العامّة، خاصة مجالي السّياسة والاقتصاد، وبلا استثناء في مُختلف المناطق، من آسيا إلى الأميركيتين وأوروبا وأفريقيا، لا يعدم الإنسان رؤية أمثلة ونماذج عليها. وقد كشفت دراسة بريطانية تدخل الحرس الثوري الإيراني، خلال العقود الثلاثة الماضية، في شؤون 14 دولة بالمنطقة، ونشر الإرهاب والصراعات الطائفية، في بلدان الشرق الأوسط؛ من أجل بسط نفوذها، لولا الحائط العربي وقوته (السعودي المصري الإماراتي).
لذلك ظلّت القوّة وظلّ العنف أُلعوبة السّياسة وصارت من مقتضياتها في أزمنة التاريخ كافّة، فيقول كلاوزفيتس، بمعناها الحديث: "إنّ القوة صارت ما هي إلاّ محاولة لتهذيب معنى السّياسة وأَنْسَنته".. وما قرار إدارة الرئيس ترامب فيما يخصّ الجولان السوري أو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وغيرهما، سوى إحدى تجليات هذا المنطق الذي تتبعه دول عديدة في الإقليم بحق جيرانها الأضعف أو الذين تستضعفهم، بل نراها وقد عمّ هذا النوع من التوحش الحكومات العربية بصورة أفقية داخل المجتمع، مما يتعين علينا جميعاً أن نُدركه من حولنا، أنّهُ لا يجلب الأمان لأحد.. حتى يصير ثفافة عامة كلوبيات.. ثقافة الإلغاء Cancel Culture للمعارضين كصورة لثقافة التوحش هذه والتصرف على أساسها.
لقد وصل العالم بعد حربين كونيتين مُدمرتين إلى ضرورة وضع شرائع ومواثيق متفق عليها (يتلاعب بها) لتنظيم العلاقات بين الدول وداخل الدولة الواحدة، وبصورة تكفل احترام حق الإنسان (وفق رؤيتهم ومصالحهم هُم) لحل مُعضلة النزاعات بين الدول بصورة سلمية أو على الأقل التقليل من العنف الناجم عنها وتحجيم أدوات القوّة في ممارسة السياسة والسلطة، واقترانه بالقانون (عنفٌ قانونيّ)؛ في رأي عالم الاجتماع الألماني، ماكس ڤيبر، أنّ "كلّ عنفٍ غيره –أي لا يعود إلى الدّولة– غير مشروع"، يُقابله رأي روسو أنّ "أيّ انتهاكٍ له يؤدّي إلى الإخلال بالسِّلم المدنيّ".. لذا وُضِعت للحروب معاهدات تحمي المدنيّين، وأخرى تحظر استخدام أسلحة الدّمار الشّامل، وأطُرٍ قانونيّة للّجوء إلى التّفاوُض والحلول السّلميّة، كإشكالية سدّ النهضة وطُرف مصر الودية في الإطار الدولي، وأُخرى لإحداث آليات دوليّة لمراقبة الهدْنات ووقف الأعمال القتاليّة، كمناطق الشرق الأوسط وأفريقيا.. وكأنّها عادتِ (القوّة ومنطق القوّة) للانتقام لنفسيْهما ممّا حاول ضبْطَهما من الانفلات من عِقال إرادة السّيطرة على القوّة.
وقفة: ما يأمله الإنسان الآن، أن يخرج من جُعبة تلك الهيمنة، التي تُعيدُنا للجاهلية وظُلُماتها، وألا يكون هذا هو الاتجاه الذي نسير إليه، تجنباً لفعل الأشياء التي سوف نندم عليها لاحقاً، وعدم الرضوخ لنزواتنا البشرية التي تتراءى لدول ما، لا بد من تحجيمها وإلا صارت الدُنيا "غابة افتراس" وجنون إرهابي، كالذي يتملكه الحرس الثوري وميليشياته بالوكالة بمناطق العالم. باتت أفعالها ضرورة ملُحة تُوجبُ تطبيق شامل لقرار مجلس الأمن 2231، والقاضي بوقف أنشطة تطوير أنظمة الصواريخ، وتهريب الأسلحة إلى الدول المجاورة، وطرد ميليشياتها، وتوقفها عن العُنصرية والفتن الطائفية، حيث خرجت القرارات الدولية في أكثر من 63 قراراً (بلا فائدة)؛ ولم يعزل طهران، بل زاد تبجحها باتفاقية صينية لبيع نفطها لرُبع قرن، وتحالًفها مع روسيا وكوريا الشمالية، وقد شاهد ولمس وعايش العالم سياساتها الخاطئة، وجرائمها الإرهابية، وتدخلاتها السافرة في المنطقة العربية.
نقطة: إنّ المتشدّدين يصنعون إلهاً على شاكلتهم، وإذا لم يحصل اجتثاث لأفكارهم وحاضناتهم الإرهابية باتجاه تصاعدي، والتي تتخذ من طهران منصّة؛ ومن الإخوان المسلمين درعاً لتصدير الفتنة باسم القوة، فإنّ الحرب الحقيقية على الإرهاب لا يمكن أن تؤتي أكلها في عالم لا أمن ولا الأمان.
ليفانت - إبراهيم جلال فضلون
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!