الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
لأنني ابنة دوما
لأنني ابنة دوما

في ظلّ الثورة السورية كانت النساء أكثر من تعرضن للانتهاك والفقد وأكثر من دفعن ثمن الحياة في زمن الحرب، ليس ذلك فحسب بل كان اعتقالهنّ على الهوية حسب المنطقة التي ينحدرن منها دون أي اعتبارٍ لكبر أو صغر أعمارهنّ.

في لقاءٍ خاص معها تُحدّثُنا هيام عن تفاصيل اعتقالها على إحدى الحواجز في الشهر الأول من العام 2016 حيث تقول:


"بدأت القصة بمرضي المزمن وحاجتي لعملية قلب مفتوح، أنا من سكان الغوطة الشرقية، لم يكُ يوجد آنذاك إمكانيات طبية لإجراء العملية في الغوطة، حيث قام أحد تجار الدم (الذي اتضح لاحقا إنّه من كتب بي التقرير وكان سبب اعتقالي) بإخراجي من الغوطة إلى منطقة برزة من نفق يصل بين المنطقتين وبعدها اتجهت إلى منطقة دير مقرن في وادي بردى عند أقاربي لتَلقي العلاج وإجراء العملية وعند خروجنا باتجاه دمشق الى المستشفى تمّ اعتقالي على حاجز الرمال في منطقة الصبورة التابع للحرس الجمهوري وبقيت ثلاثة أيام في ذلك الفرع، وبسبب وضعي الصحي السيء لم أتعرض للضرب بل اكتفوا بالإهانات والشتم بأقبح الألفاظ وبعدها تمّ نقلي الى الفرع 215 الملقب بفرع الموت وعند دخولي الفرع قام أحد العناصر وهو مدير السجن (حسب ما علمت لاحقاً) بتفتيشي عارية بطريقة مُهينة لا أخلاقية كنوعٍ من التحرش الجنسي.


بدايةً لم أكن أعرف اسم الفرع لكنّ المعتقلات اللواتي كنّ محتجزات في الغرفة هنّ مَن أعلمنني أنّي في الفرع 215 التابع للأمن العسكري والذي بقيت فيه 35 يوماً, كان التحقيق معي بخصوص أبنائي وأخوتي واتهامي بمساعدتهم بالأعمال الإرهابية والوقوف ضد الدولة.


تتابع هيام حديثها: "أثناء التحقيق كان يتمّ تعذيبي نفسياً من خلال ضرب وتعذيب معتقلين ذكور أمام عيني بأقسى وسائل التعذيب، لم أتعرض للضرب بشكل مباشر بسبب وضعي الصحي السيء حيث إنّي نُقلت الى المستشفى العسكري عدة مرات بحالات إسعاف بسبب نوباتٍ قلبية أذكر إنها تجاوزت العشرَ مرات وفي كل مرة أصل فيها كُنت أُربط بسرير المستشفى وأتلقى الشتائم والإهانة من الممرضين والممرضات والعاملين فيه لأنني من مدينة دوما (حسب ما كان مُسجلاً في هويتي) ونعتي دائماً بالإرهابية.


في أحد الأيام داخل الفرع وعند تعذيب العناصر لأحد المعتقلين الشباب في الممر أمام زنزانتنا لم أستطع تمالك نفسي من شدة ضربهم له وسماع صوت صراخه المؤلم والذي مازال صداه في آذاني حتى اليوم حين انهرت من شدة البكاء حتى علا صوتي فأخرجوني من غرفة الاحتجاز واقتادوني إلى المسؤول عن السجن الذي قام بشتمي ونعتي بالعاهرة والإرهابية أنا وأبنائي وعائلتي، كنت أُحاول أن أُفهمه وأُبرر له إنّ أبنائي لم يحملوا السلاح قط لكنّنا لم نقبل الخروج من منزلنا في دوما مهما اشتدت علينا الظروف. ولأنني ابنة مدينة دوما والتي تُعرف بمعارضتها للنظام السوري حتى قبل اندلاع الثورة كان الضابط يزيد علي بالكلام المُذّل والمّهين ويحاول ضربي ودفعي بيديه, كان كلامه أقسى وأشدّ وقعاً من الضرب.


بعدها تمّ تحويلي إلى الفرع 227 الملقب بفرع المنطقة ومكثتُ فيه 25 يوماً أيضاً كما هو الأمر في فرع الأمن العسكري لم أتعرض للضرب، فقط كانت الإهانة بالسبّ والشتائم بالشرف وتعذيب المعتقلين أمامي وتهديدي بأن يفعلوا معي كما يفعلون معهم وكانت التهمة جاهزة في كلّ مرة، دعم وتمويل الإرهاب. أما بالنسبة للغرفة التي كنّا محتجزاتٍ داخلها فكانت بطول حوالي 3 أمتار وعرض مترين يوجد فيها حمام، وتراوح عدد المعتقلات في الغرفة بين 20 و30 معتقلة كان الحمام بشكل يومي وإجباري بماء باردة جداً وهذا ما كان يؤثر سلباً على تفاقم وضعي الصحي".


وتستكمل السيدة رواية رحلة اعتقالها: "تمّ إرسالي وبعض المعتقلات إلى فرع الخطيب الذي بقيت فيه 27 يوماً ولم يتغير شيء بالنسبة للمعاملة من فرع إلى آخر على عكس وضعي الصحي الذي كان يزداد سوءاً حيث كان يتمّ نقلي إلى المستشفى بحالة إسعاف كلّ ثلاثة أيامٍ تقريباً حيث أبقى يوم أتلقى فيه القليل من العلاج مع الكثير من الإهانة والسبّ والشتم.


نُقلت بعد ذلك الى فرعٍ لم أستطع معرفة اسمه لأنني احتجزت داخله مدّة ثلاثة أيام في زنزانةٍ لوحدي قبل أن يتمّ ترحيلي إلى سجن عدرا الذي كان يغصّ بالمعتقلات حيث قضيت بين جدرانه سنة وأربعة أشهر.


عند مثولي أمام قاضي محكمة قضايا الإرهاب التاسع للمرة الأولى شتمني عندما قرأت في بياناتي أنني من مدينة دوما وقال لي حرفياً: ((لو يسمح لي الرئيس بشار الأسد لاعتقلتُ جميع أهل دوما وقمتُ بإعدامهم))، وقام بتوقيفي لمتابعة جلسات المحاكمة دون مراعاةٍ لكِبر سنّي أو لوضعي الصحي الحرج وكانت التهمة دعم وتمويل الإرهاب وكتم جناية".


وتختم هيام حكايتها: "خرجت من السجن منتصف العام 2017 وسافرت مباشرةً نحو ريف حلب المحرر والذي لا زلت أقطن فيه إلى اليوم لأجري عملية القلب المفتوح الذي أعاقني الاعتقال عنها، نجح العمل الجراحي وشفيت تماماً من مرضي لكنني لم أشفى أبداً من ألمي النفسي الذي عانيته في معتقلات النظام السوري المجرم ولا تزال آلاف المعتقلات في السجون تعانين آلاماً مشابهة لتجربتي ومعاناتي وأتمنى أن ينلْن حريتهن قريباً".


ليفانت - ياسمينة بنشي  ليفانت


 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!