الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
قناة الجزيرة وأركان النظام القطري
خالد الزعتر

قناة الجزيرة منذ بداية فكرة تأسيسها كان يتم التعويل عليها للعب أدوار أكبر من أن تجعلها مجرد وسيلة إعلامية، فهي بحسب المخطط الإستراتيجي للنظام القطري، منذ انقلاب حمد بن خليفه على والده عام 1995، يراد منها أن تلعب دوراً أكبر من دور الوسيلة الإعلامية، وهو بالتالي ما يفسر حالة الاهتمام من قبل النظام القطري تجاه قناة الجزيرة منذ بداية تأسيسها، ومصادر تمويلها، ورسم الخط التحريري لهذه القناة التي تمّت صياغتة لها وفق ما يتناسب ويتطابق مع التوجهات السياسيّة للنظام القطري، على الصعيد الداخلي والخارجي.



وما يعكس حالة الاهتمام من قبل حمد بن خليفة تجاه قناة الجزيرة ومحاولة تضخيمها، هو حجم التمويل لهذه القناة، حيث خصصت الحكومة القطرية دعماً مالياً سخياً لها، بلغ حوالي خمسمائة مليون ريال قطري، أي ما يعادل حينها مائة وأربعين مليون دولار أمريكي، وذلك كتمويل للقناة على مدار خمس سنوات، شريطة أن تحقق بعد السنوات الخمس استقلالها المالي من الإعلانات التي تقوم ببثّها، حيث كان الأمير حمد بن خليفه يأمل أن تستطيع القناة أن تستقل مالياً، إلا أنّ محاولات القناة المتواصلة فشلت في خلق مصادر دخل أخرى تستطيع منها تغطية نفقاتها، ومع ذلك ما تزال الحكومة القطرية تواصل تقديم الدعم المالي لقناة الجزيرة، وهذا ما يؤكد مدى أهمية القناة بالنسبة للنظام القطري، وذلك كأحد أهم أسلحته لتنفيذ سياساته وتوجهاته.


عاشت قناة الجزيرة منذ بداية تأسيسها الكثير من التحولات، ففي البداية كانت جزءاً من عملية تثبيت أركان النظام القطري، حيث نظر حمد بن خليفه إلى الدور الإعلامي بأنّه الأساس الرئيس لخلق قبول لنظامه الجديد، بخاصة وأنّ انقلاب حمد بن خليفه على والده واجه معارضة داخلية واسعة، قوبلت بانتهاج النظام القطري الجديد لإستراتيجية (سحب الجنسية)، وراح ضحية هذه الإستراتيجية مايقارب 6 آلاف شخص من قبيلة الغفران، وتم الزج بالكثير في المعتقلات، بعضهم أفراد من الأسرة الحاكمة، وبالتالي كان حمد بن خليفة يعوّل كثيراً على قناة الجزيرة لكي تكون صوته، وتعكس وجهة نظره، وتساهم في التسويق لسياساته وفق مايخدم تثيبت أركان حكمه، فعملت هذه القناة على الصعيد الداخلي إلى التضخيم من صورة حمد بن خليفه ومحاولة خلق قبول شعبي مزيف له، وذلك في محاولة لامتصاص حالة الغضب الشعبي تجاه الخطوة التي أقدم عليها حمد بن خليفه تجاه حكم والده.


أما على الصعيد الخارجي، فسعت قناة الجزيرة إلى نقل صورة مغايرة عن الحالة السائدة في الداخل القطري، وذلك في محاولة لإيجاد قبول شعبي لحكم حمد بن خليفة، وذلك لتهدئة الرأي العام الإقليمي والدولي، وضمان عدم وجود تحرّك سياسي دولي تجاه النظام الجديد في قطر، وإستراتيجية الإبادة التي انتهجها تجاه المعارضين لحكمه، من سحب الجنسية ومن حالة الاعتقالات بالجملة، ولم تكتفِ قناة الجزيرة بهذه الخطوة، بل ذهبت إلى محاولة دغدغة المشاعر الغربية عبر “البوابة الإسرائيلية”، ووضعت للشأن الإسرائيلي مكانة مهمة في برامجها ونشراتها الإخبارية، وخاصة على صعيد الجزيرة الإنجليزية، التي كانت تحاول بشتّى الطرق أن تعمل على صياغة وجهة نظر تكون مقاربة لوجهة النظر الإسرائيلية ومغايرة للنسخة العربية، وذلك لضمان كسب رضا السياسات الإسرائيلية، ومن بعده السياسات الغربية، والتي ستنعكس تأثيراتها على رفع رصيد القبول للنظام القطري في السياسات الإسرائيلية والغربية.


في الختام، ظلّت قناة الجزيرة في بداية تأسيسها، وأيضاً حتى الآن، في ظل الأزمات التي تعيشها قطر، عاملاً مساعداً في تثبيت أركان النظام القطري، وربما عدم قدرة القناة على خلق مصادر تمويل بديلة عن تمويل النظام القطري، يعود بالدرجة الأولى إلى أنّ النظام القطري يفضل أن تبقى مصادر تمويل القناة بعيداً عن تدخلات “المعلنين”، إذ قد يرغبون في تغيير حقيقي في الخط السياسي للقناة، وهو بلا شك سوف يؤثر على توظيف القناة من قبل النظام القطري كأحد أهم أدوات تثبيت أركانه.


ليفانت – خالد الزعتر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!