-
زوبعة المفتي والوضعيّة السورية
نحن أمام فهم طائفي عقيم. هذا التلاقي الذي ظهر بعد هذه الزوبعة الأسدية، لم يلتفت له أحد. كان جلّ الاهتمام على أنها خطوة لمصلحة إيران. خطوة لإنهاء مرجعية الأكثرية السنية في سوريا على مستوى الدولة، مما يشير بالنسبة لهم إلى تغيير هوية سوريا، باتجاه طائفي إيراني معاً.
في تاريخ سوريا الأسد الإفتائي مر مفتيان فقط، خلال 51 عاماً. الأول أحمد كفتارو، توفي عام 2004، وكان في منصبه منذ أن عينته سلطة الانقلاب البعثي كمفتٍ عام لسوريا عام 1964. بقي في هذا الموقع حتى وفاته، ثم أتى بعده المفتي المقال أحمد بدر حسون. كفتارو ساند الأسد التصحيحي الانقلابي 1970 حتى وفاته. الثاني كان أكثر شراهة للتماهي مع السلطة الأسدية، بل يمكننا أن نطلق عليه بجدارة لقب "أحمد حسون مفتي البراميل"، أو المفتي البراميلي. حيث كان يساند تلك البراميل المتفجرة التي كانت تلقيها طائرات الأسد على السوريين. تركت له سلطة الأسد الابن الحرية في التفنن الديني لدعمها في الشارع السني الموالي. بقي يتحرك في هذه المساحة خلال ستة عشر عاماً من توليه هذا الموقع.
سؤالي الآن لجماعة المجلس الإسلامي السوري، إذا كان موقع المفتي مرجعكم ومرجع ما ترونه أكثرية طائفية في سوريا، فعلام وجودكم حتى تقوموا بكل هذه الزوبعة غير المدروسة أو المدروسة بتوجيه الأنظار نحو إيران؟ هل تحتاج إيران لإلغاء موقع المفتي كي تتمدد داخل سوريا؟ أم أن القرار جزء من آلية عمل الأسدية في إنتاج وإعادة إنتاج سلطته الطائفية؟ من جهة أخرى، أليس المفتي هذا تعينه سلطة سياسية مخابراتية؟ إذاً هو أيضاً في حالتنا السورية منصب سياسي مثله كمثل وزير الأوقاف. هل هنالك منصب سياسي أو غير سياسي في سوريا، لا ينظر إليه النظام الأسدي إلا بوصفه خادماً له وليس للشعب السوري؟ ماذا استفادت "طائفتكم السنية" من هذا الموقع منذ إحداثه وحتى إلغائه الآن؟
إن إثارة هذه الزوبعة تعبر عن فهم طائفي للدولة والمجتمع، بوعي أم بدونه. المفتي في دولة مثل سوريا يجب ألا يكون في واجهة الحدث السياسي من جهة، ولا يعينه الأسد من جهة أخرى. إضافة إلى أن ذلك لا يعني إلغاء ظاهرة الفتوى. الأسد لا يعينه بوصفه رجل دين وبحر علوم، بل يعينه بوصفه خادماً لسلطته، كحال أي مسؤول في هذه الدولة. كان الأجدى بكم أن تبعدوا الدين عن السياسة كلياً في ردكم على خطوة الأسد هذه، لا أن تعتبروا حسون ممثلاً لهوية سوريا، من جهة أخرى، إذا كان قتل مليون وتشريد 12 مليون سوري جلّهم من السنة، لم يفتح عيونكم حول حقيقة ما يجري، ليس لأنهم سنة، بل لأنّهم جزء من ثورة السوريين لأجل الحرية والكرامة فاقتلعهم من ديارهم بعدما دمرها وبإشراف دولي. لو كانت الطائفية والأديان ليست في صميم عمل الأسدية، لما أثار هذا القرار هذه الزوبعة. إضافة إلى محاولة إيهام الناس أن الأسد لم يعد صاحب قرار، بل القرار لإيران، لأن إيران تحكمها شيعية سياسية تماماً، كالسنية السياسية التي تحاولون تمثيلها، على أساس أن الأسدية كانت مختلفة قبل دخول إيران لسوريا، أو حتى قبل مجيء الخمينية نفسها، التي ألمح المفكر السوري الراحل إلياس مرقص حين مجيئها عام 1979 إلى أن تاريخاً من الدم بدأ في المنطقة.
هكذا الطائفية والدينية هي جزء جوهري في عمل نظام الأسد منذ عام 1967. يجب إبعاد هذا الدين وكل الأديان عن السياسة حفاظاً عليها بالدرجة الأولى. السنة والجماعة يحتاجون دولة قانون ومؤسسات وحقوق إنسان تحميهم. عندما تحولونهم إلى طائفة، من الضروري أن تتساوى الطوائف في تقرير مصير البلد، سواء كانت أكثرية أم أقلية.
بعد كل ما مرت به البلد لم يتغير في تفكيركم ما يدعو لعمل سياسي حقوقي ما فوق ديني وما فوق طائفي.
من جهة أخرى، لماذا الإصرار على أنكم تحملون تمثيل السنة في سوريا؟ من المفترض، حتى لو كنتم مجلساً إسلامياً كونكم تحسبون أنفسكم على المعارضة، بالضرورة يجب أن تكونوا جزءاً من تمثيل كل السوريين بمعزل عن دينهم وطائفتهم وقوميتهم.
يجب أن تحسموا أموركم بإبعاد الإسلام كلياً عن السياسة، غير ذلك أنتم تخدمون الأسد. هل يوجد رجل دين من كل الأديان والطوائف لا يعينه الأسد؟ كلهم خدم لسلطته. والمفتي أي مفتٍ ليس استثناء.
ليفانت - غسان المفلح
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!