-
الاقتصاد والانتخابات.. رافعة "العدالة والتنمية" قد تسقطه
يشكل الاقتصاد جوهراً ثميناً لأي حزب سياسي قد يقدمه لعموم الشعب، مما يشجعهم على الإدلاء له، وهي العوامل استغلها "حزب العدالة والتنمية" في العام 2002، بغية اقناع الناس بالتصويت له، والوصول بالتالي إلى سدة الحكم بتركيا.
وبالفعل استطاع "العدالة والتنمية" خلال السنوات الأولى من حكمه، تحقيق بعض الوعود التي قطعها، لكن سرعان ما ذهبت إنجازاته أدراج الرياح، وخسرت تركيا تدريجياً، المستثمرين الأجانب، نتيجة تدخلاتها الإقليمية وأوضاعها الداخلية، مما ساهم بشكل جلي في انهيار العملة التركية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، في تهديد مباشر لعرش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، القائد الحالي للحزب.
تضخم عالي وزيادة رسوم
فسجّل التضخم في مدينة إسطنبول في ديسمبر الماضي، أعلى معدل في نحو عشرة أعوام، في حين رفعت الحكومة التركية أسعار الكهرباء والطاقة في البلاد مع بداية العام الجديد، إذ زادت أسعار الوقود والتأمين على السيارات ورسوم المرور في بعض الجسور، ما أضاف مزيداً من الضغوط على اقتصاد، الذي يواجه زيادة تضخم وأزمة عملة، جاءت بسبب الخفض المتكرر لأسعار الفائدة.
وبحسب "رويترز"، قالت هيئة تنظيم سوق الطاقة "إنه جرى رفع أسعار الكهرباء بما يصل إلى 125 في المئة"، مشيرة إلى تضخم أسعار الطاقة العالمية، للمستهلكين التجاريين من أصحاب الطلب المرتفع وبنحو 50 في المئة للمنازل الأقل طلباً في 2022"، وذكرت شركة بوتاش الحكومية للطاقة، أن أسعار الغاز الطبيعي سترتفع 25%، للاستخدام المنزلي و50%، للاستخدام الصناعي في يناير.
اقرأ أيضاً: انتهاكات حقوق الإنسان تفاقمت في تركيا عام 2021
بينما قالت غرفة إسطنبول للتجارة، أن أسعار التجزئة في المدينة، أكبر مدن تركيا، قفزت 9.65% على أساس شهري في ديسمبر، مسجلة زيادة سنوية 34.18%، كما ارتفعت أسعار الأدوات المنزلية في المدينة التي يقطنها نحو خمس سكان البلاد، بأكثر من 20%، في حين زادت أسعار الأغذية بنحو 15%، بجانب زيادة أسعار بيع الجملة 11.96% في ديسمبر، على أساس شهري و47.10% على أساس سنوي، وهو ما دفع متابعين اقتصاديين، إلى توقع زيادة معدل التضخم السنوي في تركيا الذي تجاوز 21% في نوفمبر، إلى تجاوز 30% في اللاحق.
أردوغان يطالب دعم الأتراك بدل دعمهم
وعلى عكس ما يحدث في الدول التي تضم قوى سياسية متنافسة على الحكم، وبدلاً من أن يحاول "حزب العدالة والتنمية" التخفيف عن الشعب التركي في أزمته الاقتصادية، زعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بداية يناير، أن أسعار الفائدة هي سبب التضخم، مطالباً الأتراك بالاحتفاظ بمدخراتهم بالعملة المحلية، وصرح أردوغان: "أريد أن يحتفظ جميع المواطنين بمدخراتهم بالليرة التركية، وأن يديروا جميع أعمالهم بها"، زاعماً أن تقلب سعر الصرف تحت السيطرة إلى حد كبير، عقب الضعف الحاد في الليرة.
وفي الثالث من يناير، ذكرت السلطات النقدية إن أنقرة ستطلب من المصدرين تحويل ربع عائداتهم إلى الليرات، في خطوة لتمكين احتياطات الحكومة ودعم العملة المحلية، منوهةً إلى إن البنك المركزي سيقوم بشراء 25% من إجمالي الدخل من صادرات السلع، طالما أن المصدرين يتلقون مدفوعات بالدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني، وهو ما يعني إجبار الشركات على الاحتفاظ ببعض إيراداتها من المبيعات في الخارج بالعملة المحلية، وذلك عقب عام من الخسائر الفادحة في الليرة التركية، التي خسرت ما يصل إلى نصف قيمتها مقابل الدولار العام الماضي.
اقرأ أيضاً: تركيا تتوجه لمعاقبة البنوك التي يحفظ عملاؤها مدخراتهم بالعملات الأجنبية
فيما كشفت معطيات البنك "المركزي التركي"، نهاية ديسمبر العام الماضي، بأن صافي الاحتياطيات الدولية لدى البنك تقلصت إلى أدنى مستوى منذ 2002، مؤكدةً أنه قد بلغ صافي الاحتياطيات الدولية لدى البنك 8.63 مليار دولار في 24 ديسمبر/كانون الأول، مقابل قرابة 12.16 مليار دولار قبل ذلك بأسبوع، وهو ما عكس تدخل البنك في سوق الصرف الأجنبي بذات الفترة، حيث تدخل البنك المركزي بشكل المباشر 5 مرات في السوق خلال ديسمبر الماضي، لوقف انهيار العملة، وذلك وفق رويترز.
المعارضة ترسم للانتخابات
كل المعطيات السلبية للاقتصاد في تركيا، تبرز الوضع الحرج الذي وصل إليه حزب العدالة والتنمية، حيث تبرهن الإخفاق الكبير في العملية الاقتصادية، وهو أمر لن يصب في صالح الحزب، بالأخص مع توجيه المعارضة أنظارها إلى الانتخابات المزمعة في العام 2023، إذ لا تصب المؤشرات في مصلحة "حزب العدالة والتنمية"، وهو ما أكده محمد علي قولات، رئيس مجلس إدارة شركة "MAK Consulting" للأبحاث، في الرابع من يناير.
حيث أشار إلى إن حزب "الشعب الجمهوري" التركي قد يكون الأكثر شعبية في البلاد بحلول شهر مارس المقبل، موضحاً أن أصوات حزب العدالة والتنمية، انخفضت إلى أقل من 30%، بسبب الزيادات المتتالية في الأسعار، حيث سجل التضخم النقدي في تركيا خلال ديسمبر الماضي 36%، وأردف قولات أنه بسبب تلك الزيادات، وتراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، سيصبح "الشعب الجمهوري" المعارض الحزب الأول في تركيا في مارس القادم.
منوهاً إلى أن حزب الخير هو أكثر الأحزاب التركية استقراراً، حيث ارتفع اتجاهه التصاعدي لكل شهر تقريباً في العاميين الماضيين، مؤكداً أن الذين يفضلون الانفصال عن حزب العدالة والتنمية، يذهبون مباشرة إلى حزب الخير بقيادة ميرال أكشنار.. وأكشنار نفسها، قالت بالتوازي، إن "أحزاب المعارضة ستدمر معاً النظام "الحرام" الذي أسسه الرئيس، رجب طيب أردوغان".
اقرأ أيضاً: مسلسل انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا 2021.. محاصرة الديمقراطية
مبينةً ذلك بالقول: "سنصل إلى السلطة بإذن الله.. سيكون الرئيس الثالث عشر لتركيا مرشح تحالف الأمة" المعارض، معتبرةً أن "حكومة الرئيس أردوغان سرقت خبز وحياة الشعب، وسرقوا حياة الأطفال الصغار، وأن أكبر مشكلة في بقاء تركيا هي أردوغان نفسه"، ونوهت إلى أن "الحكومة شكلت أغنياء وفقراء هذا البلد، فحزب "العدالة والتنمية" هم الأغنياء، والفقراء هي كل الأحزاب الأخرى"، مردفةً: "سندمر النظام الحرام.. أدعو إلى إجراء انتخابات فورية لتدمير هذا النظام الحرام".
التضعضع الداخلي
ولعل ما يبين تراجع شعبية حزب أردوغان بشكل كبير، ما شهدته ولاية ريزا شمال تركيا، مسقط رأس الرئيس رجب طيب أردوغان، منتصف يناير الجاري، من احتجاجات ضد ارتفاع الأسعار في السلع والخدمات، حيث قادت أمانة حزب الشعب الجمهوري (المعارض) احتجاجات منددة بارتفاع الأسعار، كما شهدت منطقة جونايسو حيث نشأ أردوغان في ريزا، تظاهرات شارك فيها مواطنون وممثلون عن المنظمات غير الحكومية.
وقال سالتوك دينيز رئيس شعبة حزب الشعب الجمهوري في ريزا، إن الجميع ضحية زيادة الأسعار وأن الزيادات لا يمكن منعها، مشيراً إلى أن "كل شيء قد زاد، الخبز أصبح بثلاث ليرات، وتأتي الزيادة وراء الزيادة في أسعار الغاز الطبيعي والوقود والدقيق والورق والفواكه والخضروات وكل شيء آخر تقريباً"، منتقداً زيادة الكهرباء، قائلا: "لقد أصبح استخدام الكهرباء في المنزل شجاعة كبيرة، بهذا المعدل، سنستخدم المصابيح التي تعمل بالغاز والشموع قريباً في المنازل، نتيجة لارتفاع الأسعار، أصبح مواطنونا غير قادرين على تدفئة أنفسهم وإضاءة منازلهم"، مضيفاً: "تركيا تراجعت إلى عام 2002".
اقرأ أيضاً: تركيا تلاحق اللاجئين السوريين على منصّات التواصل وترحل 19 لاجئاً
وفي الصدد، أفادت صحيفة "زمان" التركية، في السادس عشر من يناير، أن 872 عضواً من حزب "العدالة والتنمية"، في ولاية آيدن، استقالوا بشكل جماعي، مشيرةً إلى أن الأعضاء أعلنوا استقالتهم، بمن فيهم رئيسة فرع النساء في الولاية إميل أوز أكمازلار، على خلفية "رفضهم طريقة إدارة الحزب وتعرضهم للمضايقات"، ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها إن "هناك اضطرابات خطيرة داخل الحزب في مدينة آيدن بأكملها"، مشيرة إلى أن "الاستقالات ستزداد في الأيام المقبلة".
احتجاجات في عقر دار أردوغان، واستقالات بالجملة من حزبه، هي بالتأكيد ليست أحداث روتينية بالنسبة لـ "العدالة والتنمية"، الذي يشير رفضه لتنظيم انتخابات مبكرة تدعو لها المعارضة، إلى إدراكه حجم الكارثة التي تعيشها تركيا اليوم بظله، وعليه، ترتفع المؤشرات على أفول عهد "العدالة والتنمية"، ربما لبداية تكون أقل ضرراً بمحيطها الإقليمي.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!