الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الاستفتاء.. حصاد شعب في كردستان
صبحي ساله يي


قبل الاستفتاء الذي جرى في 25/ أيلول/2017، أقفلت بغداد أبوابها بوجه الكوردستانيين، ورفضت قبولهم كشركاء في الوطن الذي رسموا حدوده في عشرينيات القرن المنصرم، حينما صوتوا لصالح ضم ولاية الموصل إلى العراق، وتناست دورهم ويدهم الطولى في بناء العملية السياسية والعراق بعد إسقاط صدام.


بغداد خرقت الكثير من المواد الدستورية، وافتعلت الإشكالات والأزمات النابعة من عدم وضع النقاط على الحروف والتفسير الخاطئ للدستور، وتعاملت بانتقائية مع الاستحقاقات الدستورية، ولم تتسلّح بالصراحة والموضوعية، وحاولت التستّر على ما كان يجري في الأروقة السياسية التي فسحت المجال أمام من يريد أن يجيرها، وفقاً لأفكاره وتصوراته.


بغداد قيدت العملية السياسية في العراق، ووضعتها في حالة إرباك قاتلة، وساهمت في تحوّل طموحات الأكثرية الشيعية إلى أطماع تسلطيّة واحتكارية والتلويح بالسلاح وخيار القوة وفرض الأمر الواقع، إما بالإستناد إلى نظريات المؤامرة، أو تضليل الحقائق.


بغداد نفذت الصفحة الثانية من الأنفال، التي تمثّلت بقطع الرواتب والمستحقات المالية الدستورية للكوردستانيين، وبخوضها للمزايات السياسية ولجوئها إلى التعنّت والعناد والاستعلاء، وبمحاولتها فرض السطوة والبغض والكراهية والخلافات القومية والمذهبية، غيرت الأوضاع لصالح انعدام الحلول.


بغداد تسببت في تصاعد دخان الأزمات في كل مكان، وجعلت الكوردستانيين يعيشون في حيرة بين ماضي حكمته الديكتاتورية، وحاضر يلعنونه ولا يستطيعون التعايش فيه، ودفعتهم إلى مراجعة الحسابات والمواقف ودراسة عمق المستجدات والأحداث للعبور نحو المستقبل بشجاعة.


وبما أنّ الرئيس مسعود بارزاني، كان وما يزال هو المعني بتصويب الأمور، والبحث عن الحلول المناسبة لكافة المشكلات والقضايا المصيرية واتخاذ القرارات المناسبة، سواء في تعويض الخسائر السابقة التي لحقت بنا، أو في الرغبة بعدم إلحاقنا المزيد من الخسائر، أعاد سيادته النظر في الأحداث، باحثاً عن فرص وخيوط النجاة، معتبراً أنّ كوردستان سفينة على متنها كل المكونات والقوميات، إذا ما غرقت، فالجميع يغرق، وإذا عبرت إلى برّ الأمان فالجميع ينجو.


واعتماداً على الحقائق، حذّر الرئيس بارزاني وأنذر، ولكن كان ذلك دون جدوى، وفي الختام، وجد في فضّ الشراكة بين أربيل وبغداد بطريقة دستورية عبر الحوار والتفاهم سبيلاً ناجعاً وأميناً لحل المشكلات والأزمات، وإحقاقاً للحقوق المهدورة بسلام وأمان، ومنعاً لعودة الخيبة والخسارة، وتجنباً للويلات وتكرار المآسي. فالتفّ حوله غالبية قادة الأحزاب الكوردية والتركمانية والمسيحية والشخصيات والرموز الوطنية والقومية والدينية، وقرروا إجراء الاستفتاء على الاستقلال، في الخامس والعشرين من شهر أيلول 2017.


مرحلة ما قبل الاستفتاء، شهدت تحولات وتفاهمات كثيرة على أساس العودة إلى اللحمة والانسجام وتسامي الفرقاء فوق صراعاتهم، والتركيز على تصفير المشكلات، عبر سبل الاعتدال في السياسة والفكر وقبول الآخر، واعتبرت مرحلة مثالية لاختبار المواقف والهواجس والنوايا عموماً، ونتج عنها صياغة رؤية مبدئية نضالية وطنية جديدة مستندة على أرضية الاستقلال والاستقرار، وعقد فيها الكوردستانيون العزم على التوجّه بفرح غامر نحو صناديق الاقتراع في يوم الاستفتاء لقول (نعم) للاستقلال، دون الالتفات إلى المخاطر والمصاعب أو تهديدات الآخرين.


في المقابل، على الرغم من تسريع اللقاءات الصريحة والواضحة والمراجعات العميقة لطبيعة التطورات السريعة في المنطقة، طالب البعض، في كوردستان والعراق ودول الجوار والعالم، بالمحال وتشبّثوا بالأماني الجوفاء التي تتعارض مع العدالة والواقعية، وتحدّث بعضهم بلغة الخيانة والتعصّب والتطرّف والتهديد والوعيد.


أما بعد الاستفتاء، وفي خضم دفاعنا السلمي والقانوني والدستوري عن قضيتنا العادلة، مارس الحاكم في بغداد الكذب والتضليل في الإعلام والسياسة والبرلمان على عامة الناس لكي يمنع رؤية الأشياء كما هي، وأغلب المؤيدين له كانوا غير منصفين معنا، وكيف يكونون منصفين معنا، وهم في الأساس غير منصفين مع أنفسهم وذويهم وأبناء مذهبهم وقوميتهم؟.


ليفانت – صبحي ساله يي








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!