الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
النسوية.. إناث ضد ذكور
غسان المفلح


مرّ تاريخ نضال المرأة لتحررها بأربع حقب: الأولى، تعود إلى أربعينيات القرن التاسع عشر في أمريكا وبريطانيا مجتمعة، حول منح المرأة حق الاقتراع. لنلاحظ هنا أنّ هذا النضال الحقوقي السياسي شارك فيه المرأة والرجل بشكل لا تمييزي.


الثانية، تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، حيث سعت للمساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، من حيث الحقوق والواجبات في العمل والأسرة والبيت والجنس.


الثالثة، ظهرت في التسعينيات من القرن العشرين، التي حاولت البناء على رفض ثنائية “نحن وهم”، واعتبار النضال النسوي يخصّ كل النساء والرجال، من كافة الأعراق.


الرابعة، وإذا كانت الثالثة تنبّهت لأهمية استخدام وسائل الإعلام في التسويق للحركة النسوية، فإنّ الموجة الرابعة، التي ما زالت الأدبيات حولها قليلة، لأنّها لم تتبلور بعد، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمواقع التواصل الاجتماعي، وتربط كثير من الناشطات بداية ظهور الموجة الرابعة بحملة «#أنا_أيضاً» أو «#MeToo» التى تتبنى قضية التحرش، وتلجأ إلى منصّات التواصل الاجتماعي كوسيط أساسي للتعبير.


كل حقبة من هذه الحقب “التحررية النسائية” انبنت على نقد ما قبلها، ما يهمني هنا هو محاولة قراءة أوليّة في الموجة الرابعة سوريا.


هنالك تعريفات جامعة مانعة للنسوية الحالية، تجمع كلها على تصنيف البشر إلى نساء ورجال، هكذا بشكل مطلق، مما يقذف بالطرفين خارج النسبي بوصفه إنساناً.


عداء مستحكم بين مطلقين


المجتمعات الغربية بوصفها النموذج في كل شيء، على الأقل للنسوية هذه، كان هنالك فارق واضح بين حركة تحرير المرأة وبين النسوية، التي أتت لاحقاً. تحرير المرأة الذي أتى نتيجة تضافر عدة عوامل مجتمعية كبرى، إضافة إلى نضالات النخب الحزبية والثقافية الليبرالية واليسارية، حاجة المجتمعات الغربية للمرأة في سوق العمل، بعد الثورات البرجوازية التي اختلفت تفاصيلها من بلد لآخر، نزول المرأة إلى سوق العمل لم يكن نتاج نضالات الحركة النسوية، بل نتاج القوى الفاعلة في المجتمعات الغربية، بالمعنى الطبقي للعبارة.


النسوية المعاصرة كظاهرة تأسست في تلك الدول بعد أن تأسست الحريات ودولة القانون، ليس قبل ذلك، أي أنّ الفيمينست ظاهرة جدّ معاصرة، أجدادها عصر التنوير، رجال ونساء، وما رافقه من ثورات على العصر الإقطاعي، أو ما قبل برجوازي.


النسوية في تلك البلدان تأسست في أجواء الحرية ودولة القانون، لإزالة آثار التمييز “الجندري” في تلك المجتمعات كما تراها النخبة المؤسسة، الجندرية أو النوع. يعود مفهوم «النوع الاجتماعي» إلى واحد من النصوص الأساسية للحركة النسوية، وهو كتاب «سيمون دو بوفوار» عن «الجنس الثاني»، مع أنّها لم تستخدمه بشكل مباشر، لكنه انبنى على مقولتها الشهيرة إنّ «المرأة لا تولد امرأة، وإنما تصير كذلك».


حيث لم يعد الأمر مرتبط بنضال مجتمعي عام تجاه أهداف مجتمعية عامة أيضاً، فبقي النضال ضد الرجل المتحكم، علماً أنّ القانون لا يميز بين رجل وامرأة في تلك البلدان، نوع ضد نوع، إخراج كل التناقضات المجتمعية وحركية هذه المجتمعات خارج هذه الثنائية الضدية “نساء ضد رجل”، كنضال قطاعي، أي أنّه يتناول قطاعاً من المجتمع، حقوق المرأة، لكن النضالات القطاعية الأخرى هي قطاعية، شكلاً ومضموناً، مثل الحقوق النقابية، حقوق المثليين. أما النسوية فهي كلية، لأنّنا بتنا أمام صراع بين مطلق امرأة بمواجهة مطلق رجل، لا مكان للصراع الطبقي ولا مكان لصراع المصالح ومراكز القوى وتفاصيل السياسة وحقولها، المكان لمطلق امرأة ومطلق رجل، علماً يمكن أن يكون الرجل مع النسوية والمرأة ضدها، نقل هذه التجربة إلى مجتمعنا السوري بكل مفرداتها وخطابها يعتبر تسرعاً أو تقليداً لا يمكن تبيئته في مجتمع تعرّض للتوّ إلى إبادة، أكثر من 1500 مخيم في ظروف سيئة.


ومن خارج كل هذا الوضع الكارثي، أتت النسوية لتنشغل بنساء اللاجئين في أوروبا والمهجر، علماً أنّني أشك أنّ هنالك امرأة سورية الآن في أوروبا وهذا المهجر لا تعرف حقوقها. ليست الحوادث التي يتم نشرها سوى تعبيراً عن هذه المعرفة، والتي لا فضل للنسوية المؤسسة خلال السنوات الأخيرة يذكر، منذ أن أسسها ديمستورا، المبعوث الاممي الخاص لسورية، أو كان ديمستورا عندما أسس الهيئة النسوية الاستشارية من نساء محسوبات على المعارضة ونساء محسوبات على الأسدية، الغاية حرف مجرى الصراع الأساسي في سورية، ردّاً على ذلك حذت المعارضة الائتلافية حذوه، بأن شكلت مجلساً استشارياً نسوياً للمعارضة، من هذين المجلسين نستطيع القول بقليل من الحذر، انفتح الباب على ظاهرة النسوية هذه، في الأول لم يعد الأسد ونظامه عدواً بل الرجل، وفي الثانية بدأ النشاط لتمثيل المرأة في مؤسسات المعارضة، ولنصل إلى النسوية المطلقة الحالية، حيث بات من الطبيعي ان تجد التآلف بين نسويات يدعمن الأسد ونسويات يدعمن المعارضة، لأنّ العدو هو مطلق ذكر، لم يعد هنالك نظام سياسي يدوس الرجل والمرأة معاً في سورية.


بدون تسيس النسوية السورية ضمن حقل النضال السياسي الديمقراطي في سورية، بمواجهة السلطة الأسدية بوصفها سلطة سياسية ديكتاتورية حامية ومنتجة لكل مايضطهد السوري، سواء كان رجلاً أو امرأة، خاصة عبر التجييش على خلفيّة العداء لما يسمى “العقل الذكوري”، هكذا بالجملة لن توصلنا إلى أي مكان.


النقطة الأخرى، ماتسمونه “مجتمعاً ذكورياً” هو جزء من المجتمع الضحية، وليس تنميطاً بعدائية يريحنا أو يخبئ بعض انحيازاتنا السياسية، حيث وصلنا لنعتبره مقدمة أغنية نرددها “عطال على بطال”. ولأنّنا نعرف جميعاً أنّ من يحكم سورية ليس سلطة الذكر بل سلطة الأسد، وهي السبب الأساسي والرئيس في غياب دولة القانون وحقوق الإنسان عن كل المجتمع.


الرجل المعنِّف -بكسر النون- يمكن أن يكون موالياً أو معارضاً، يمكن أن يكون مسلماً او مسيحياً، ويمكن أن يكون سنياً أو علوياً، يمكن أن يكون ماركسياً أو ليبرالياً أو إسلامياً، يمكن أن يكون متعصباً، ويمكن أن يكون منفتحاً، ما يهمني هو دولة قانون وحقوق إنسان وحريات في سورية، تضمن للمرأة حقوقها بوصفها إنساناً، كما تضمن حقوق الرجل والطفل، وتضمن الحماية من العنف بكل أشكاله وتمييزاته. هل الرجل مضمونة حقوقه في سلطة الأسد؟ هل الظلم المضاعف على المرأة السورية، يكون الحل بنسوية معادية للرجل؟ أم أنّ الشغل على الرجل يجب أن يكون أكثر رحابة وأقل عدائية بكثير مما نشاهده؟ رجل يرتكب جريمة تعنيف يصير كل الرجال أوغاد.. الخطأ فردي والعقوبة جماعية.


هنالك تفاصيل كثيرة يمكننا الحديث عنها في فهم النسوية السورية المعاصرة، ربما نتعرض لها في مواد لاحقة.


أعتقد في سوريا أنّ النسوية يجب أن تتوجّه للرجل بخطاب لا عدائي وعمل دؤوب، ونشر ثقافة حقوق المرأة التي هي جزء عضوي من حقوق المجتمع ككل، في الحرية ودولة القانون التي يسعى إليها الرجل والمرأة كهدف مجتمعي عام، ندوات للرجال والنساء في المخيمات والأماكن التي يمكن الوصول إليها.


الصراع النسوي يغفل العوامل الاقتصادية والسياسية والمصالح في فهم التحولات التي جرت على قضية المرأة في الغرب، لهذا تجده في هجومه على الذكورة بمطلق يتعامى عن هذه الحقائق في سورية.


إنّ تحرّر المرأة وتمكينها لا يمكن أن يتم بمعزل عن دور الرجل ودور المجتمع وحركيته، وعدم اعتماد “نحن وهم”، بل العمل على “هم” أكثر من “نحن”، في سورية كما ذكرت.


من الملاحظ أنّ حركة تحرير المرأة بدأت ضد التسلط السياسي وقوانينه، حتى وصلنا للمرحلة الحالية التي تحوّلت فيها النسوية بفضل هذه الواو الفاعلة، والتي تدل على فاعل واضح وموصوف بأنّه حركة إرادية من مجموعات نسوية تنتسب إلى نحن وليس إلى الكل الاجتماعي بقصد أم بدونه.


وهنا نحتاج إلى وقفة مع هذا الفاعل النسوي في إدارته لمعركته هذه، ربما الحوار والنقاش يجعلنا نصل إلى “نسوية سورية” كجزء من نضال سياسي مجتمعي ضد السلطة الكلية المانعة لقيام دولة القانون والحريات.


أختم بهذا السؤال الطريف: هل سمعتم عن ديكتاتور عربي يضرب زوجته؟ هل الديكتاتور العربي مع حرية المرأة مثلاً؟ أليست “أسماء الأخرس الأسد” حاصلة على كامل حقوقها كامرأة وكزوجة ديكتاتور؟ ومثلها مثايل كما يقال على الصعيد العربي وغير العربي من ملكات وأميرات وزوجات رؤساء، داخل مجتمعات مهووسة بهذه الديكتاتوريات.


ليفانت – غسان المفلح








 




كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!