-
وينك يا بانياس

(بالذبح جيناكم يا نُصيرية.. يا كفااار.. يا رافضة)؛ صراخ وأصوات الرصاص وسط استغاثات الضحايا. هجمت فصائل من «العمشات» و«الحمزات»، التابعة للجيش السوري، حي «القصور» في بلدة بانياس السورية، بعد انسحاب قوات الهيئة. ما هي إلا بضع لحظاتٍ حتى سقط أربعة مواطنين من الطائفة العلوية، وهم الإخوة: علاء وياسر وماهر الحامد وجارهم وإحسان أحمد، كما أوضحت شاهدة تحفّظت عن ذكر هويتها؛ خوفاً على حياتها، خاصة أنها تعرضت لتهديدات القتل. هجومٌ شوّه هدوء المدينة، وثقبَ بسواده تاريخ الثامن من آذار.
اختلط بكاء وتوسلات الضحايا بضحكات العناصر واستهزائهم، متلذذين بقلّة حيلة الضحايا. يصرخ ذويهم متوسلين (خدوا كل شي ذهب ومصاري بس اتركوهم، ولادنا رح يتيتموا) لكنهم أمروا الضحايا بالاصطفاف جنباً إلى جنب، ووجّهوا فوهات أسلحتهم صوبهم. ماهي إلا ثوانٍ حتى استقرّ الرصاص في صدورهم العارية؛ أردوهم قتلى بعد أن نهبوا هواتفهم وسياراتهم، ورحلوا مسرعين وهم يهدّدون ذوي الضحايا بالقتل (ممنوع التصوير أو تشيلو الجثث...فهمتو! خنازير وماتوا). تسرد الشاهدة ما حصل وشهقات البكاء تقطع حديثها، مرميةً بقيت الجثث، لمدة يومين، حتى قدوم الهلال الأحمر السوري وقوات الهيئة، بعد انتشار صور الضحايا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نُقلت إلى مدفنٍ جماعي في مقبرة الشيخ هلال.
تردف الشاهدة (بالزور سمحت الفصائل للهلال الأحمر يشيلو الجثامين المرمية بالشوراع... وحتى التشييع ممنوع. يا ويلي عليكم يا ولاد بلدي، نحن بحلم، وينك يا بانياس، عم تسمعيني؟!)
ووفقاً لكلام الشاهدة فإن عناصر الفصائل كانوا من الجنسيات الأوزبكية والشيشانية والباكستانية وغيرهم (يحكو بلغة غريبة، أعداء غرباء عبّروا عن حقدهم بقتلنا، لا نعرفهم ولا يعرفونا). وكان يوما السابع والثامن من هذا الشهر الأسوأ في تاريخ بانياس؛ جثثٌ مرمية، قتلٌ على الهُوّية، بمجرد الانتماء إلى الطائفة العلوية. الهوية ميم الموت، والطائفة بوصلة الهلاك (الاختلاف مش أنك تكون علوي او سني أو درزي أو كردي، لا أبداً، الاختلاف بأشكال الأسلحة والمجرمين يلي يقتلونا).
الزمن ثقيل، اللحظات مليئة بالرعب من فاجعة ما قد يحصل في أية لحظة آتية. عناصر الحمزات والعمشات يقتلون وينهبون ويستبيحون حيثما حلّوا. الوقت حالة طارئة بثوانيها، في كل لحظة يُسمع عويلٌ وصراخٌ ورصاصٌ وموتى بحجة أننا فلول جيش النظام السوري الراحل. تراقب الشاهدة ما يحدث من فتحات الشبابيك وشقوق الأبواب المغلقة، شقوقٌ صغيرةٌ تُظهر عالماً واسعاً بآلامٍ لامتناهيةٍ. تتكلم بجسدٍ مرتعشٍ وكأنها تعود لتوّها من حدث الجريمة، (العمشات يحكو عن الثارات مع الطائفة، ثاراتهم مع قتلهم لصدقنا دكتور يعالج؟ ولا مع معلم ولا مع مهندس يبني أو يمد شريط كهرباء، يا الله على هيك ثارات مالها معنى، رح يجي يوم والتاريخ رح يضحك)
من جهةٍ أخرى تتحدث الشاهدة عن حرق غابة فيها مزار «المولى حسن» وهي غابة مشتركة بين الطائفة العلوية والإسماعيلية، لقتل الأهالي المحتمية، بدءاً من قرية بارمايا باتجاه سقبيلي، وهدم البيوت وحرقها مع الأحراش المحيطة بها، وقتل أكثر من ٢٠٠ مدني، من نساء وأطفال وشيوخ، في ١٦ آذار ٢٠٢٥. وفي اليوم التالي توجهوا إلى قرية الفنيتق على طريق القدموس وخطفوا معظم شباب القرية وجلدوهم بساحة القرية على مرأى الأهالي، وتوجهوا إلى مدينة حماه دون أن يعرف أحد مصيرهم إلى هذه اللحظة.
(نحن مش فلول جيش بشار الأسد، نحن ضحايا اسم طائفة كانت ضحية عنف دكتاتورية بشار، يعني متل دومينو ضحية لضحايا قبلنا).
شيرين صالح - ليفانت
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!