-
إخوان الإمبريالية
لذلك يبدو للشعوب المغلوبة على أمرها والعاجزة عن السيطرة على مصيرها أن كل شيء يحدث لها، تتحمل الدول الإمبريالية المسؤولية عنه، فهي على الأقل قادرة على التأثير فيه، وعندما لا تفعل بالشكل الذي تتمناه الشعوب فسوف تستنتج تلقائياً أنها ضحية عدوان وتآمر إمبريالي غربي، وبذلك تفقد أي قدرة على إدراك عناصر أزماتها، وكذلك التعامل معها فتستسلم للحقد والكراهية واليأس، وتكتفي بالعتب واللوم أو في أحسن الأحوال استجداء رحمة الدول القادرة التي هي كدول مصممة لكي تخدم مصالحها، وليس لخدمة القيم والأخلاق وحل مشاكل العالم هنا وهناك.
فقط عندما تطورت دول جديدة في العالم الثالث، برغم هذه الظروف، وصارت تقارع الغرب وتهزمه، بدأت ملامح فكر جديد تظهر للسطح تضع يدها على عناصر الفعل والتأثير التي غفلت عنها، وترسم طرق التحول الذاتي من التخلف والصراعات، للاستقرار والازدهار، وبذلك بدأت الأرضية التي يقف عليها ذلك الفكر بالزوال.
هذا بالضبط حال الفكر الإخواني الذي قام في مرحلة الصراع مع النفوذ الغربي وبنى عليه كامل منظومته السياسية والعقائدية، فهو فكر يلعب دور الضحية للعدوان الخارجي الذي يهدف لتقويض الإسلام والعالم الإسلامي، ويتبنّى كافة أشكال العنف ضد الغرب والمجتمع الذي يتعاون معه، ويعادي كامل منظومة الحرية والديموقراطية التي تعتبر تلقائياً كفراً بالمقارنة مع النظام الإسلامي.
لكن حتى ظاهرة الإخوان هذه سرعان ما وجد الغرب وسيلة لاحتوائها وتوظيفها في عملية إدارته لصراعات المنطقة، وهندس ذلك الصراع الطويل بين عدويه: (الفكر القومي الاشتراكي، والفكر الديني الرأسمالي)، والذي حكم تاريخ البلدان العربية لمدة قرن من الزمن وما يزال، وهو ما يسمح للغرب في فرض مصالحه في منطقة ضعيفة مهشمة محطمة بصراعاتها الداخلية وتناحرها، وذلك من خلال علاقاته مع طرفي الصراع، الذين يستعينان بالغرب على عدوهم الداخلي ويقدمون له كل ما يرضيه مقابل عدم السماح بهزيمتهم داخلياً، وهكذا يستمر الغرب في تحقيق مكاسبه بينما تخسر شعوب ودول المنطقة، وتبدو أنّها عاجزة فعلاً عن الخروج من دوامة الحرب والصراعات والتخلّف والفقر... حتى وصل بنا الحال لما وصلنا إليه.
هذا ينطبق أيضاً على الصراع الدائر في المنطقة بين إيران والدول العربية المجاورة، وإلى حدّ ما تركيا التي بدأت أيضاً تتورّط في هكذا صراعات. وكل طرف في أي صراع يتهم الآخر بالعمالة للغرب وخيانته لشعبه، وبذات الوقت يتهم الغرب بدعم العملاء والخونة، وتقويض مشاريع بناء الأمة، عندما لا يستطيع هزيمة عدوّه المتشابه معه لدرجة التطابق.
لذلك نقول إنّ كافة عناصر الصراع في المنطقة هي وجوه لعملة واحدة، طالما لم نستطع أن ننتقل للديموقراطية والسلم الاجتماعي، فالغرب يتعيش على الصراعات، وتقليص نفوذ الغرب يتطلب، كما قال أحمد داوود أوغلو، سياسة صفر مشاكل، والنهوض بالدول التي حطمتها الصراعات لن يتم بالأيديولوجيات العدائية والجهادية الانتحارية بل بصيغ متطورة لعقود السلم الاجتماعي، وحكم القانون وتداول السلطة السلمي والاحتكام للديموقراطية، فأساس نهضة المنطقة هو المشروع السياسي الديموقراطي، وليس أي مشروع أو أيديولوجيا أخرى، تبدأ بالآخر وليس بالذات، وتمر عبر ضرورة هزيمة طرف وإلغائه من الوجود لكي تبنى الذات.
لقد حان الوقت لوضع نهاية لذلك الفكر وتعابيره السياسية بكافة وجوهه، مع وصول المنطقة للحضيض، ومع انسحاب الإمبريالية من المنطقة وأفول شمسها، وهو ما نلاحظه من تحولات في بلدان الربيع العربي التي تخبطت بين الفكر القومي والفكر الديني لتكتشف أخيراً النظام الديموقراطي الذي يحتاج فعلاً لبناء ثقافة تعززه، ومبادرات لإعادة تأسيس الأوطان على منظومات عقلية جديدة، دون انتظار أو اتهام الغرب.
ليفانت نيوز_ كمال اللبواني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!