-
هل فعلها “أردوغان” وأخرج “الأسد” من حماية “بوتين”؟ -الجزء الأول-
خاص ليفانت
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد يبدو غريباً ما بات يصدر في الأسبوعين الأخيرين من الجانب الروسي حول النظام السوري، الذي لطالما كان يتباهى بالعلاقة الاستراتجية مع موسكو، حيث لم يغب عن لسان محللي النظام وأنصاره، بأنّه لا يمكن أن تتفوّق المصالح الروسية التركية على الأهمية التاريخيّة للعلاقة بين دمشق وموسكو، لكن يبدو أنّ ما بات يتكشف أخيراً، معاكس لتلك التحليلات أو ربما تأملات هؤلاء.
فالنظام السوري المُغتر بإعادة غالبية الجغرافية السورية إلى سطوته، ركبه التكبر ولم يعد بمقدوره إلا الاستمرار بعنجهيته ورفضه للحلول السياسية رغم الدعوات التي تلقّاها من منصّات سياسية غير تلك المرتهنة لتركيا كتنظيم الإخوان المسلمين، والتي كان الأفضل له استغلالها من خلال دعوة حقيقية لحوار يفضي إلى تشكيل جبهة سورية جديدة عمادها رفض التدخل التركي وإعادة الأراضي التي استحوذت عليها أنقرة في شمال البلاد، لا تكون مملوكة لطائفة أو أثنية واحدة، أو مقصيّة للباقين بلغة الترهيب، فهي لم تثمر بعد أربعين عاماً إلا 9 سنين عجاف من الصراع المرير، بين أقطاب سورية راهن غالبها على قوى أقليمية أو دولية.
لكن ولأنّ الأمل مفقود من سلطة لا تتقن سوى لغة الحديد والنار، يبدو أنّ موسكو قد بدأت أخيراً في تغيير طريقة تفكيرها حول دمشق، التي استخدمت لأجلها الكثير من المرّات حق النقض في مجلس الأمن الدولي، فتطرّقت في التاسع عشر من أبريل، وسائل إعلام ومراكز أبحاث روسية، إلى استيلاء وتململ من أداء “بشار الأسد”، عبر الحديث عن “تدهور شعبيته”، و”فقدان الثقة” به لدى السوريين، رغم الشكوك حول تمتعه بهما على مدى سنوات حكمه العشرين.
حيث جاءت في استطلاع مؤسسة تابعة للدولة إشارات لافتة، إذ رأى 37 في المائة تقريباً أنّ الوضع في البلاد غداً خلال العام الأخير أسوأ من السابق، والأوضح من ذلك كان الردّ على سؤال عن استعداد المواطنين لمنح ثقتهم مجدداً للأسد في 2021؛ إذ رفض نحو 54 في المائة ذلك بشكل حاسم، كما أنّ 23 في المائة فقط وافقوا على ترشيح الأسد مجدداً.
هل أقنع الأتراك موسكو بالتخلّي عن بشار الأسد؟
منذ بداية العام 2020، شنّت قوّات النظام السوري هجمات منسقة مع الجانب الروسي بغية استرداد محافظة إدلب من براثن الجماعات المتطرفة التي تتلقى الدعم المطلق من أنقرة، وقد تمكّنت قوّات النظام من استرداد الطريق M5 الواصل بين حلب ودمشق، واستمرّ التصعيد العسكري من قبل النظام الذي يشد أزره بالطيران الروسي على المسلحين الإسلاميين المدعومين من أنقرة، حتى يوم السابع والعشرين من فبراير، حيث قتل في قصف روسي تم غطاؤه بقوات النظام على نقطة عسكرية في إدلب، أودت بحياة ما لا يقلّ عن 36 جندي تركي، ما وجّه صفعة حقيقة للوجود التركي الذي كان يقاتل كتفاً إلى كتف مع جبهة النصرة في تلك المعارك.
لكن تلك الضربة القوية من روسيا لتركيا، دفعت الجانبين إلى فرملة عملياتهما المسلحة والبحث حول نقاط تلاقٍ، قد تحفظ للأتراك ماء وجههم، وتمكّن الأتراك من الحفاظ على مصالحهم الاقتصادية التي ساهمت الأزمة السورية في وضع أسس للاتفاق عليها، ومنها خطوط الغاز الروسية التي تمر من تركيا بإتجاه أوروبا، ورغم رهان النظام على أهميته لدى روسيا، يبدو أنّ مؤشرات متلاحقة قد أوحت بعقد موسكو وأنقرة صفقة مصالح مشتركة على حساب رأس النظام السوري، حيث ذكر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في العشرين من فبراير، أنّ هناك تقارباً مع موسكو في النقاشات حول الوضع بسوريا، لكن ليس على المستوى المطلوب، منوّهاً بأنّه سيتم تكثيف هذه المحادثات بشأن إدلب. أردوغان
فيما قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لتلفزيون “سي.إن.إن ترك”، إنّ تركيا وروسيا تجريان مناقشات بشأن استخدام المجال الجوي السوري بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، مشيراً إلى أنه يمكن التغلّب على المشكلة إذا “تنحت” روسيا جانباً، وأضاف أن المسؤولين الروس والأتراك بإدلب أجروا حواراً جيداً، وأوضح وزير الدفاع أن بلاده لا تنوي الاشتباك مع القوات الروسية في إدلب، وأن الهدف الوحيد هو قوات الحكومة السورية.
أردوغان يدرك أن البيع والشراء فقط مع روسيا
فيما كان الكرملين حذراً في تفائله، فحذر من أنّ أي مواجهة بين القوّات التركية والسورية ستكون “أسوأ سيناريو”، وأنّ روسيا ستواصل العمل على منع تفاقم الوضع.
ولكن، يدرك القاصي والداني بأنّ المقدرات العسكرية للنظام السوري لا يمكن أن تصمد أمام الترسانة العسكرية التركية، وعليه كان يدرك أردوغان أنّ البيع والشراء يمكن مع روسيا، وأنّ رأي دمشق تحصيل حاصل بالنسبة إليه، فقال في السابع والعشرين من فبراير: “إنه لولا دعم روسيا وإيران لما استطاع النظام السوري الصمود حتى الآن”، وأردف: “إنّ سير الأحداث في إدلب السورية بدأ يتغير لصالحنا”، بالتزامن مع مقتل 36 جندي تركي.
وقال: “قلبنا مسار الأحداث في ليبيا، حيث كان في السابق لصالح (قائد الجيش الليبي خليفة) حفتر، وكذلك فعلنا في إدلب”، مشيراً إلى أن “اللقاءات مع الروس مستمرة” بشأن إدلب، زاعماً أنّ تركيا موجودة في إدلب وفقاً لاتفاقية أضنة.
ويبدو أنّ التحضير لصفقة من جانب أنقرة مع موسكو، يتم عبرها ضمان تخلي موسكو عن رأس النظام تحديداً باعتباره “أس المشكلة”، وبالتالي فإن إزاحته ستحقق لتركيا نصراً معنوياً من خلال المزاودة بتمكنها من الإطاحة به، لو تحقق لها ذلك، وهو ما يبدو أن أردوغان قد كان يفكر به ويعمل عليه، فأجرى في الثامن والعشرين من فبراير، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس فلاديمير بوتين، بمبادرة من الجانب التركي، وجاء الحديث الهاتفي بين الرئيسين التركي والروسي بعد يوم من مقتل الجنود الأتراك الـ36 في محافظة إدلب.
يتبع…
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!