الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
هذه الأحداث حقيقية وليست من نسج الخيال
ريما فليحان

لم يكن يخطر على بال أيّ منّا أن نعيش عصر الوباء الذي شلّ العالم كله دون أيّ تمييز، و لا أدّعي أنّها المرة الأولى التي تشهد بها البشريّة انتشار وباء كارثي وتواجه ظهور أمراض جديدة تهدّد الحياة، ولكنها المرّة الاولى في عمرنا ومنذ قرون، يجتاح العالم فيها شبح الموت إثر وباء قاتل سريع الانتشار.  هذه الأحداث حقيقية 


وتشلّ بالكامل، كنتيجة، حركة الطائرات وتهتزّ أكبر الأسواق المالية ونشاهد الناس وهم يتساقطون في كل مكان بالعالم من الإعياء ويصاب به الفقراء والأغنياء، الزعماء والمواطنون على حدّ سواء،  دون أن يميّز هذا المرض الوقح بين الغني والفقير والشرق والغرب والعالم الأول والعالم الثالث، بحيث نتشارك كلنا سكان كوكب الأرض القلق والخوف ولحظات الأمل حين نسمع أي خبر عن لقاح أو دواء من أي بقعة من العالم.


لأوّل مرة يكون التصفيق من القلب ومن الجميع لمن يستحق التصفيق، لأبطال الحياة الذين يضحّون بأنفسهم لينقذوا حياة البقية سواء الطواقم الطبية والعاملين لتأمين احتياجات الناس، لأول مرّة يتعرّى ضعفنا كبشر أمام الطبيعة وكأنها تقول لنا موبّخة، أما آن لكم أن تستيقظوا، وأن تدركوا عواقب استهتاركم بالبيئة والحياة البريّة وتقديمكم للتجارة والسلاح والنفط والأسواق على تطوير القطاع الصحي والبحث العلمي والتعاون الدولي والحفاظ على البيئة والحياة؟. 


 لعلّها المرة الأولى التي ندرك فيها أنّ للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي فوائد حقيقة إضافية يمكن استغلالها من أجل الحفاظ على دوران عجلة الحياة واستمرار أعمالنا من منازلنا من خلال الإنترنت ولكن بظرف مختلف عن السابق يضمن قضاء وقت أطول مع الأسرة لنتعرف على بعضنا وأنفسنا بشكل أكثر عمقاً،  لأول مرة تعني الأرقام على شريط الأخبار العاجل كل العالم سواء كانت هذه الأرقام لعدد المصابين أو المتعافين أو من فارقوا الحياة بغض النظر عن جنسيتهم، لأول مرة يعني موت وصحة كل إنسان في العالم الجميع، فقد وحدّنا الخوف والمصير المشترك بغض النظر عن الجنسية والعرق واللون والدين، ومن يدري لربما ستغير تلك التجربة طريقة حياتنا الى الأبد. 


وربما تلفت نظر العالم إلى أننا نواجه نفس الأخطار ونتصرف بنفس الطريقة في حالات الطوارئ التي يمكن أن تصيب أي بقعة من العالم، حينها يظهر في البشر أحسن وأسوء ما فيهم من خصال فيظهر الأبطال ويظهر المستغلون بذات اللحظة وفي كل بقعة من العالم أو على الأقل قد تدعوهم المرحلة لمراجعة الذات والسياسات والعلاقات الإنسانية والدولية وتطرح سؤالاً أساسياً وهو كيف يمكن لنا بعد هذه التجربة أن تقيّم النظام العالمي وآليات إدارة الأزمة ومواجهة التهديدات التي تواجه البشريّة على مستوى محلي وعالمي. هذه الأحداث حقيقية 


نحن شهود اليوم، شهود على مرحلة قد تكون مفصلية بعمر البشرية، وعلى حدث تاريخي سيحدّث الناجون منا أحفادهم عنه وكيف واجهت البشرية هذا المرض وهل تعلمت من التجربة أم لم تتعلم منها. من كان على صواب ومن أخطأ وكيف ارتقت إنسانيتنا على كل الفوارق التي صنعناها بيننا في لحظة الخوف والتفكير بالمصير المشترك، وهل استمرّت أم لا بعد أن نتجاوز هذه المحنة. لأنني أدرك أن البشرية ستنتصر بإذن الله على هذا المرض بالعلم والتطور والعمل المشترك وبتغليب قيمة الإنسان على قيمة العملة وبالتفكير بالعالم كجسد واحد يجب أن يحافظ على كل أعضائه كي يستمر بالحياة.


لربما نسي العالم في المرحلة السابقة أهمية العلم والعلماء والبحوث العلمية والدراسات البيئية والطبية التي يجب أن تكون أساساً تبنى عليه سياسات واستراتيجيات الدول دون استهتار وتجاهل من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية أكبر، نسي العالم أن التكنولوجيا والإنترنت، جعلت العالم بيتاً واحد فلم يعد بإمكان الأنظمة الديكتاتورية أن تخفي ما يحصل لديها كما فعلت بعض الدول عند بداية الأزمة فسقطت مرة أخرى مجدداً بالامتحان، وأن الاعلام يمكن أن يؤدي دوراً توعوياً للحفاظ على البشرية بدلاً من بثّ التحريض والأكاذيب.


أدركت المؤسسات الدينية أيضاً أن العلم والدين يمكن أن يعملا سويّاً للحفاظ على الروح البشرية حين تلتزم تلك المؤسسات بالأسس العلمية للوقاية وتضع حياة الانسان قبل الطقوس والتقاليد في مرحلة حرجة من عمر البشرية، فالحفاظ على أرواح البشر وحياتهم هي أولوية في روح الأديان وبالتالي كل المؤسسات التي توقفت عن التجمعات في هذه المرحلة تصرفت بوعي ومسؤولية لا تتناقض مع روح الأديان والعكس صحيح أيضاً.


أمام هذه التجربة سقطت كل الخزعبلات والأكاذيب التي يقوم بها أفراد أو جهات غير مسؤولة وباتت موضع سخرية، من معظم الناس وازدادت نسبة الوعي والعقلانية في المجال الصحي لدى كثير من العموم وهذا جيد.


هذه الأحداث التي نشاهدها في هذه الزمن أحداث حقيقة حصلت وتحصل وليست من نسج الخيال فدعونا نتعلّم ونعتبر ونحافظ على أنفسنا.


ليفانت - ريما فليحان 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!