الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
من الزمن الجميل.. عندما جمع الفنّ الجنّ مع الملائكة
عندما جمع الفنّ الجنّ مع الملائكة

على غير المتوقّع، سأعود بكم أعزائي القرّاء للزمن الجميل من آخره. وعلى طريقة الفلاش باك السينمائية سأبدأ حكاياتي عن الزمن العربي الجميل، الذي بدأ وانتهى في مصر من نهاياته الحزينة، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عندما بدأت الغثاثة الفنية تغزو الساحة العربية إثر وفاة عمالقة الغناء العربي، بدءاً بالسيدة أم كلثوم، مروراً بفريد الأطرش، ثم عبد الحليم حافظ. الملائكة


وبدأ عصر الانحدار والرداءة بأغنية الفنان أحمد عدوية "السح الدح امبو" -مع المحبة والاحترام لهذا الفنان الشعبي المصري الطيب البسيط وصاحب الصوت الجميل والبحّة الطربية والذي يعشق السوريين، وكانت لي معه لقاءات عديدة عبر الإذاعة العربية في بروكسل، والتي عبّر فيها عن محبته للشعوب العربية عامة، والشعب السوري خاصة- لتنتهي بسفاسف وإسفاف "بوس الواوا" التي أوصلت الأغنية العربية، التي تألقت في الزمن العربي الجميل ببديع كلماتها ورونق ألحانها وجمال أصوات مغنّيها، إلى حضيض التفاهة والسفاهة.


وفي ذلك الوقت بالتحديد، كان الملحن المبدع الرقيق "بليغ حمدي" يكتشف ويقدم للفنّ العربي المغنية الراقية الأنيقة "عفاف راضي"، لتشدو من ألحانه بأروع الأغاني العربية الخالدة، مثل "وهوا يا هوا"، و"جرحتني عيونه السودة"، و"النبي دا حرام"، مختتماً بها وبالفنانة وردة الجزائرية، وأغانيها الرائعة التي لحّنها لها، الزمن العربي الجميل.


وليبدأ الزمن العربي الرديء، سياسياً وفكرياً وإبداعياً وفنياً، بعد أن سيطر الفكر الظلامي، الذي خرج مع خروج المعتقلين الإسلاميين من سجون ومعتقلات زمن عبد الناصر، ليحتضنهم ويدعمهم أمن ومخابرات عصر السادات، صادماً به المجتمع بذريعة محاصرة الزمن الناصري ورجالاته الذين كانوا ينازعون السادات في السيطرة على الشارع والمجتمع.


كان العبقري "بليغ حمدي"، المتتلمذ على يد الموسيقي قارئ القرآن ودارس الشريعة في الأزهر الشريف، "درويش الحريري"، العاشق للموسيقا والفن العربي الأصيل الذي أخذه عن سادته وسدنته الحلبيين الذين هربوا بفنهم إلى مصر، في التاسعة والعشرين من عمره، عندما قدّمه الفنان الرقيق الأنيق الملحن والمطرب "محمد فوزي"، صاحب شركة صوت مصر للتسجيلات، والذي كان ضحية عصر عبد الناصر ومخابراته، الذين قتلوه حسرة وكمداً، لأنّه لم يكن مجرد طرطور عن مخابرات عبد الناصر ورجال مخابراته الظالمين، وسأفرد عنه حلقة خاصة من حكايات الزمن الجميل لأنّه أحد رموزه البهية المضيئة ونجومه المتألقة للسيدة أم كلثوم، والتي ركعت على ركبتيها إلى جانبه وهو يغني لها ما لحنه من كلمات الشاعر المبدع عبد الوهاب محمد "حبّ إيه اللّي انت جاي تقول عليه"، ثم بعد عام واحد قدم لها "أنساك"، والتي كتبها الشاعر مأمون الشناوي، وكانت أم كلثوم قد عهدت بها للجميل الرقيق "محمد فوزي" لتلحينها فزاره بليغ فجأة فذهب ليعدّ شيئاً يقدّمه ضيافة له فوقعت عينا العبقري على كلمات الأغنية وأمسك العود ودندن بالكلمات، وعندما عاد فوزي إلى الجلسة واستمع لدندنة بليغ للحن الأغنية، اتصل، كما يفعل الكبار المتواضعون، بسيدة الغناء العربي أم كلثوم، وقال لها: "اللحن أصبح جاهزاً وقد لحّنه بليغ أفضل من لحني".



ثقافة وفن


ثم قدم لها من ألحانه عجائب الغناء العربي "سيرة الحب، فات الميعاد، ألف ليلة وليلة، وحكم علينا الهوى"، التي كانت آخر ما غنته أم كلثوم. الملائكة


ولحّن لنجوم الغناء العربي، فقدم لعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وشادية أجمل أغانيهم. حتى أتى يوم كان حاضراً حفلة خاصة في بيت الرئيس السادات للاحتفال بخطوبة ابنته وكان حاضراً معه جمع من الفنانين، ومن بينهم أمير الابتهالات والأناشيد الدينية بصوته العذب وصوفيته العريقة "الشيخ سيّد النقشبندي، فقال السادات لبليغ: أريد منك أن تلحن ابتهالاً دينياً للشيخ النقشبندي يا بليغ.


فوقع في يد الشيخ النقشبندي، وقال مخاطباً مدير الإذاعة الذي سمع توجيهات الرئيس، وعمل فوراً على تنفيذها: تريدني أن أنشد ابتهالاً لله من ألحان بليغ حمدي يا أستاذ؟ وهل يجتمع الجنّ مع الملائكة؟


ولكن الشيخ الصوفي الجميل عندما استمع للحن أنشودة "مولاي إني ببابك قد بسطت يدي" بألحان بليغ، هرع إليه ليحتضنه ويقبله وهو يبكي: لقد شفيت قلبي أيها الجنيّ.


وما يزال الكثير من المسلمين يفطرون في رمضان على إيقاع وكلمات الأنشودة الخالدة بصوت الشيخ النقشبندي، ويتذكرون باحترام وخشوع أيام الزمن الجميل. الملائكة


ليفانت - ربيع شعار

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!