الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
مصر وليبيا معاً على طريق المستقبل الصعب
داليا زيادة

في ١٨ فبراير، زار رئيس وزراء السلطة التنفيذية المنتخبة حديثاً في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة. وعبّر الدبيبة خلال اللقاء عن تقديره للجهود المخلصة والفعالة التي بذلتها مصر لحل الأزمة الليبية، في الفترة الماضية، كما شكر الرئيس السيسي على دعمه لمؤسسات الدولة الليبية في مكافحة الإرهاب ومحاربة المتطرفين، واتفق السيسي والدبيبة على إقامة شراكة شاملة بين البلدين الشقيقين لمساعدة ليبيا على نقل التجربة المصرية الناجحة لإعادة السلام والاستقرار، وتحقيق تنمية اقتصادية، في الحقبة المعتمة التي أعقبت ثورات الربيع العربي.


ليبيا هي، ربما، أهم دولة بالنسبة لاستقرار مصر وأمنها، حيث تشترك مصر مع ليبيا في أطول حدودها الأرضية البالغة ١١١٥ كم. إذا نظرت إلى الخريطة، يمكنك بسهولة طمس الخط الفاصل بين ليبيا ومصر لتراهما كقطعة أرض واحدة، تتوسطها صحراء شاسعة، ويعلوها بحر عريض. في السبعينيات، قدم الرئيس الليبي القذافي عرضًا للرئيس المصري السادات لتوحيد أراضي ليبيا ومصر في دولة فيدرالية واحدة، ولكن رفض السادات عرض القذافي، وترتب على ذلك توترات دبلوماسية بين البلدين انتهت بفترة قصيرة من الصراع المسلح، والتي سُجلت تاريخياً باسم حرب الأيام الأربعة (بين ٢١-٢٤ يوليو ١٩٧٧)، ولكن سرعان ما هدأ التوتر وعاد السلام بعد أن أدرك البلدان الملتصقان أنّ مصيرهما مترابطان، وعليهما العمل معاً.


بالرغم من ذلك التاريخ الطويل، مرت العلاقة بين ليبيا ومصر بمسار صعب، في السنوات التي أعقبت ثورات الربيع العربي، التي أسقطت كل من نظام القذافي في ليبيا ومبارك في مصر. في تلك الأثناء، تحديداً بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٦، وجدت الميليشيات الإسلامية والتنظيمات الإرهابية ملاذًا آمناً لها في دول الربيع العربي التي وقعت في فخ الحروب الأهلية، مثل سوريا وليبيا. وفي نفس الوقت كان الإخوان المسلمون قد تولوا أعلى درجات الحكم في مصر، عام ٢٠١٢، وعلى الفور أطلقوا سراح الإرهابيين الإسلاميين في السجون المصرية، بمن فيهم قتلة الرئيس السادات، وسمحوا لآلاف المتطرفين المصريين الذين قاتلوا مع تنظيم القاعدة في أفغانستان، في التسعينيات، بالعودة إلى مصر.


وعندما نجحت مصر في الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين من السلطة، في عام ٢٠١٣، وشنّت الدولة المصرية حملة شاملة للقضاء على الإرهاب الذي انتشر كالجراد على الأراضي المصرية، فرّ العديد من الإرهابيين في مصر إلى ليبيا، حيث تنتشر الميليشيات الإسلامية المتطرّفة وتعمل بحرية في ظل الحرب الأهلية الدائرة هناك، ثم من داخل ليبيا، بدأ هؤلاء الإرهابيون في تخطيط وتنفيذ عدة هجمات على رجال الشرطة والجيش المصري، خاصة في المناطق الحدودية الغربية لمصر. لذلك، لم تجد مصر حل سوى التعاون مع دولة الإمارات الشقيقة في إعادة جمع شتات وتقوية الجيش الليبي لمحاربة الميليشيات الإسلامية التي أصبحت تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، ومن ثم، تم تشكيل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، في منتصف عام ٢٠١٤.


لكن في ديسمبر ٢٠١٥، تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني المؤقتة بمبادرة من الأمم المتحدة، وكان من بين قياداتها أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين الليبية، والذين بطبيعة الحال كان لديهم غضب شديد تجاه مصر والرئيس السيسي الذي حارب الجماعة في مصر، ويقود حرب ضد صعود الإسلام السياسي في المنطقة كلها. كما تعاملت حكومة الوفاق الوطني مع الجيش الوطني الليبي على أنّه ميليشيا غير شرعية ورفضت التعاون أو على الأقل التفاوض على التعايش السلمي معه. ومع اشتداد الاشتباكات بين حكومة الوفاق والجيش الوطني، ظلّت مصر والإمارات إلى جانب الجيش الوطني، في حين طلبت حكومة الوفاق المساعدة من تركيا، التي رحب رئيسها الإسلامي أردوغان بهذه الفرصة الذهبية التي أتاحت له استغلال ليبيا لتنفيذ مخططاته التوسعية في البحر المتوسط وشمال أفريقيا.


وفي ديسمبر ٢٠١٩، أرسلت تركيا قوات عسكرية، ومرتزقة تابعين لها إلى طرابلس لدعم حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني. رأت مصر في هذه الخطوة تهديداً مباشراً لأمنها القومي، نظراً للعداء المتصاعد بين القاهرة وأنقرة، منذ الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين الموالي لأردوغان من السلطة في مصر، في عام ٢٠١٣. وحددت مصر مدينتي سرت والجفرة، في شمال وسط ليبيا، كخط أحمر لا يسمح للقوات التركية بتخطيه، وكان هدف مصر من ذلك هو حماية المناطق الشرقية التي يسيطر عليها الجيش الوطني، والتي تعتبرها مصر مناطق العمق الاستراتيجي الغربي للأمن القومي المصري، وقد احترمت تركيا هذا الخط الأحمر لتجنب تصادم غير مجدي مع مصر.


إلا أنّ استمرار الوجود العسكري التركي في ليبيا ظل يؤرق المسؤولين في الدولة المصرية، حتى قررت المخابرات المصرية في ديسمبر الماضي، اتخاذ خطوة لتحقيق التوازن في علاقات مصر مع اللاعبين الرئيسين داخل ليبيا، وبدأت بالتواصل والتقارب مع حكومة الوفاق، دون أن يخلّ ذلك بعلاقات مصر القوية والمستمرة مع الجيش الوطني، وكان الهدف الرئيس لمصر من هذه الخطوة هو التخفيف من تأثير نفوذ تركيا على صناع القرار في حكومة الوفاق، خاصة بعد تبادل التهديدات النارية بين قائد الجيش الوطني حفتر، ووزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بعد إعلان تركيا تمديد وجودها العسكري في طرابلس لثمانية عشر شهراً قادمة.


من الواضح أنّ الحكومة المنتخبة حديثاً في ليبيا لديها رؤية مختلفة تماماً عن رؤية حكومة الوفاق. فبينما عزّزت حكومة الوفاق الوطني الانقسامات بين الليبيين وفتحت الباب أمام تدخل عسكري تركي انتهك سيادة الدولة الليبية؛ فإنّ الحكومة الليبية الجديدة عازمة على إنهاء الانقسامات وجمع كل الليبيين تحت مظلة دولة واحدة آمنة ومستقرة. وهذا هدف مصر، ومستعدة لدعمه بكل الوسائل، لأنّه بالنسبة لمصر، ليبيا تمثل ما هو أكثر من كونها دولة عربية شقيقة. ليبيا بالنسبة لمصر تمثل بُعداً مهماً وجزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.



داليا زيادة


ليقانت - داليا زيادة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!