-
متاهة الحل التركي في الشمال السوري
لا يعرف على وجه الدقة واليقين مدى وحجم الاتفاقات التي أبرمها الترك مع الروس في معرض انعطافهم الاستراتيجية من حليف فعال ومقرب من الولايات المتحدة وعضوية أصيلة في الناتو وبوابة شرقية لأوروبا وحارساً لها من موجات الهجرة والعناصر والمنظمات المتشددة، وثغراً مفترضاً في التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط وجنوب روسيا ومنطقة البحر الأسود، إلى شريك مشاكس يغرد منفرداً في مقاربة أردوغانية مستحدثة لدور تركيا الذي يجب أن تصل إليه في الإقليم والعالم، وهو الذي يقدم نفسه كخليفة متأخر مفترض للحقبة العثمانية بلباس علماني تحرري، ويحاول أن يستقطب الإيديولوجيات المتناقضة على طرفي الدفة في الشرق الأوسط من خلال الإسلام الصوفي والعلمانية المتصالحة مع الدين.
كان التدخل التركي في القضية السورية منذ بدايته يقوم على المؤازرة الإنسانية الصرفة المدفوعة الأجر من الاتحاد الأوروبي بحكم التهديد التركي المستمر بفتح أبواب الهجرة مع بعض العتاد العسكري البالي في الحد الذي يضمن دوراً تركياً مستداماً، وفي القدر الذي تسمح به الدول الكبيرة وأجهزتها الأمنية ورؤاها الاستراتيجية، وكان جلياً التماهي الواضح مع روسيا ومنذ بداية تدخلها المباشر في الملف السوري أواخر عام 2015 والعمل للوصول لرؤية تشاركية معها تقوم على تبادل المصالح والمكتسبات على الأرض ورسم حدود ونفوذ كل منهما خاصة في شمال البلاد، وكل بأدواته الخاصة والتي للأسف تنتمي لذات الأرض التي يتم تقاسمها.
كما أن تركيا عولت دائماً على مفاوضات منفصلة مع الأمريكان منطلقة من مظلومية مفترضة تخلت بها أمريكا عن شريكها في إدارات أمريكية سابقة وعن صفقات تسلح تمليها الشراكة في حلف مشترك وتبتزهم من خلالها بحاجتهم الاستراتيجية لها بحكم عضويتها في الناتو وثغر متقدم لهم في الشرق وعلى تخوم روسيا والكثير من المصالح التي تضمنها تركيا للولايات المتحدة بتأمين قواعدها فيها والمنطقة والحفاظ على مراكزها الاستطلاعية والعسكرية التي تحمي المصالح الأمريكية في الشرق الاوسط والخليج العربي.
قد يكون موضوع التأثير الروسي في منطقة شرق الفرات ملتبساً لدى الكثيرين بحكم خضوع تلك المنطقة للنفوذ الأمريكي عبر ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، ويبدو الدور الروسي ضعيفاً إن لن يكن معدوماً، ولكن عدم ثبات الموقف الأمريكي والحديث عن انسحاب وشيك من المنطقة رغم معارضة الحلفاء والأكراد وتوجس القوى الثورية من وقوع المنطقة في يد النظام وحلفائه في حال الانسحاب الأمريكي من خلال توقع أن يرتمي الكرد في الحضن الروسي لمجابهة الجموح التركي للتدخل هناك.
وتركيا تعي أنه من غير الممكن التدخل في شرق الفرات دون رضا روسي، بسبب ما يملكه النظام وروسيا من نفوذ في شرق الفرات من خلال العلاقات مع المنتفعين وبعض العشائر ووجود اتفاق مع الكرد على بقاء المظاهر السيادية للنظام في الحسكة والقامشلي ومنبج وهي لا تريد أي تقارب كردي روسي على حساب أمنها القومي، وتبدو لها اللحظة مناسبة جداً لإعطاء روسيا ما تحتاجه من سيطرة على ادلب وأرياف حماة بحكم نفوذها هناك والحصول في المقابل على موافقة روسية لإنشاء منطقتها الآمنة، والتي ستشكل إن حدثت خرقاً كبيراً لصالح الأمن القومي التركي المتوجس من الكرد وأحزابهم الإيديولوجية، وبطاقة عبور افتراضية لأردوغان والعدالة والتنمية لما بعد عام 2023.
وليس تجنياً توقع صفقة كهذه في ظل مؤشرات الميدان وارتباك الوضع الميداني من قبل أستانة إلى ما بعدها، وتوقف الدعم على ما يبدو الذي حرصت تركيا على تقديمه قبل اجتماع أستانة بانتظار نضح الاتفاقات المتعلقة بشرق الفرات وربما بغربه، حيث أن جلّ الموقف التركي ينبع من حقيقة مفادها استحالة المناورة بإدلب وشرق الفرات معاً واستحالة استعداء أمريكا وروسيا معاً.
وفي متاهة هذه المصالح بين الدول على الأراضي السورية يبدو صعباً على الكثير من السوريين الذين خرجوا بثورة حالمة قبل أكثر من ثمان سنوات أن يستوعبوا دناءة وظلم ما يجري وخاصة من الأتراك، مع أن التجربة برهنت لهم على الدوام أن الأصدقاء لم يكونوا دائماً أقل خطراً من الأعداء، وأنهم عقدوا الصفقات على حسابهم وعلى حساب أرضهم في كثير من الأحيان وتم استخدامهم لتحقيق الأجندة لهذه الدولة أو تلك بعلم او جهل أو سذاجة.
متاهة الحل التركي في الشمال السوري
متاهة الحل التركي في الشمال السوري
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!