-
لبنان، العهد القوي على الأصول
أسامة احمد ضناوي – كاتب لبناني
يعيش لبنان مرحلة دقيقة تشبه بتفاصيلها مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث تسعى بعض القوى في السلطة وضع قواعد جديدة للعبة السياسية عبر تطويق قوى سياسية أخرى وتهشيمها اعلامياً وشعبياً كمقدمة للانقضاض عليها.
المفارقة بأن ذات الأدوات التي استعملها النظام السوري لكشف القوى السياسية التي بدأت تطالب بانسحابه عام 2004، تستعمل اليوم لكشف زعامات وطنية تختلف وحزب الله وحلفائه الإقليميين والمحليين.
وبالعودة إلى العام 2001 حيث عقدت المصالحة الوطنية الكبرى في جبل لبنان والتي أرسى قواعدها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والبطريرك الماروني الراحل مار نصر الله بطرس صفير، يعود اليوم وزير الخارجية اللبناني وفريقه النيابي بخطابات تعيد للأذهان مرحلة الحرب الأهلية وتفاصيلها، الأمر الذي وتّر الجو السياسي الهش في البلاد خصوصاً وأنه تزامن مع محاولات لم تتوقف لعزل جنبلاط، إن من ناحية تفصيل قانون انتخابي يقلّص حضور حزبه في البرلمان، أو من خلال تقوية زعامات أخرى صغيرة في البيئة الدرزية عبر اغداق الخدمات والمناصب عليها.
الحادث الأمني الذي وقع في بلدة البساتين قبل أسابيع قليلة يقع ضمن هذا الإطار، والغريب بأن السلطة السياسية التي تدعم العهد وفريق وزير الخارجية استبق التحقيقات وعمل على اشاعة أجواء في البلاد هدفها تشتيت الرأي العام وتوجيهه للتحريض على وليد جنبلاط وكشفه شعبياً وربما أمنياً.
الأمر نفسه حصل قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري بأسابيع وهو ما استدعى حملة تضامن واسعة مع جنبلاط وحزبه، ضد المحاولات المتكررة لتلبيسه ملفات أمنية شبيهة بتلك التي حصلت مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مطلع التسعينات عبر ما يعرف بحادثة تفجير كنيسة سيدة النجاة التي كانت المقدمة لحل حزبه حينها وسجنه.
ما يزيد الوضع تعقيداً ما يحكى عن التدخلات السياسية في عمل القضاء اللبناني وتوجيهه، والسعي الى اصدار أحكام تخدم السلطة وحزب الله. هذه الإشكالية التي تحضر بقوة في الأحاديث السياسية والإعلامية اللبنانية، وتطرح علامات استفهام حول صورة لبنان والحريات في البلاد لدى الرأي العام العالمي خصوصاً، وأنها تتزامن مع حملة استدعاءات لم تتوقف بحق ناشطين وصحافيين بسبب آراء سياسية طرحوها عبر مقالات وتعليقات على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
والخطاب السياسي في البلاد ساهم بشكل ملحوظ في رفع منسوب التعصب الطائفي والمذهبي، الأمر الذي بدا جلياً في جملة أحداث رافقت قرارات وزير العمل اللبناني فيما خص العمالة السورية والفلسطينية في البلاد ومسألة اللاجئين وغيرها.
التاريخ يعيد نفسه، ولكن الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان حالياً لا يشبه التسعينات ولا حتى مرحلة انسحاب القوات السورية ومخابراتها من لبنان. فالبلاد ترزح تحت ضغط اقتصادي هو الأقسى والحكومة وضعت موازنة حدت فيها من المصاريف والتوظيف والعلاوات.
وعلى صعيد آخر، تبدو العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميريكية على مسؤولين من حزب الله واحدة من الملفات التي تعرقل العمل الحكومي في لبنان، في الوقت التي يراهن رئيس الحكومة سعد الحريري المحكوم بتسوية أوصلت ميشال عون لرئاسة الجمهوية، على وصول مساعدات مالية إلى البلاد لا تبدو قريبة، الأمر الذي قد يدفعه الى اتخاذ قرار بالإستقالة.
مرحلة صعبة قد ترسم معالم جديدة في لبنان، والأمل بتشكيل جبهة سياسية موحدة تواجه تسلط حزب الله وادواته، قد يكون الوحيد لتقليص تداعياتها، لأن المجتمع الدولي يراقب عن كثب ما يحصل وهو لن يسمح بأن تكون مساعداته سبباً في تقوية الحزب مالياً وسلطوياً في عصر العقوبات المالية عليه.
لبنان، العهد القوي على الأصول
لبنان، العهد القوي على الأصول
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!