-
لا حلّ في سوريا إلا عبر توافق أمريكي روسي
عشر سنوات مرت منذ اندلاع الانتفاضة السورية التي قام بها شباب سوريون يبحثون عن الحرية، وأحداث كثيره مرّت وتعاقبت شهدتها هذه الانتفاضة، ومراحل متعاقبة مرت بها انتفاضة هذا الشعب التي حولتها من أيقونة ورمز للمطالبة بالحرية إلى مأساة وكارثة ألمّت بالشعب السوري بفعل التأثيرات الخارجيه والداخلية والطريقة التدميرية البشعة التي تعاملت بها سلطة الاستبداد مع مطالب الشعب السوري الذي يبحث عن الكرامة والحرية.
ومنذ إطلاق النظام لقطعان التطرّف والإرهاب، الذين كان يحتجزهم في سجونه، إلى تحول المشهد السوري من مسألة نضال شعب ضد نظام وسلطة مستبدة إلى صراع بين قوى إقليمية ودولية على الأراضي السورية، بعد ارتهان السلطة السورية واستنجادها بأذرع إيران الإرهابيّة لإخماد ثورة الشعب السوري والجرائم الكبيرة الذي نتجت عن هذا التدخل وتدمير البنى التحتية والاقتصادية والمجتمعيه السورية، الأمر الذي انعكس بصورة مأساوية على حياة الشعب والمواطن السوري.
ومما زاد الطين بلة، تحول المجتمع الدولي والقوى الدولية خلال السنين الماضية عن واجبه ومسؤولياته لإنهاء هذه المأساة إلى إدارة هذه النزاع، مما أطال في أمد هذه الكارثة. كل ذلك بفعل تناقض المصالح الإقليمية والدولية على الأرض السورية وارتهان القرار الوطني والسيادي لطرفي الصراع في سوريا لدى قوى إقليمية ودولية، وتماهي الطرفان مع هذه المصالح على حساب مصالح الشعب السوري.. هذا الارتهان جعل من سوريا ومن الشعب السوري وترابه ساحة لتصفية الحسابات بين مختلف القوى، مما جعل السوريون جميعهم تواقين للخلاص من هذه المأساة.
وفي ظل المعاناة الكبيرة التي يعيشها الشعب السوري، فإنّه يتطلع لأي بارقة أمل في إنهاء هذا النزاع، ويرى أي جهد يبذل في هذا الإطار خطوة جيدة لإنهاء مأساته، وحتى لو كانت هذه الخطوات غير فعالة اتجاه إنهاء الأزمة السورية. ويعلم الكثير من الساسة والمراقبين بتمعن للوضع السوري أنّ حلّ هذه المسألة يتم عبر توافق دولي، يرعاه في الدرجة الأولى القرار الأمريكي وتوجهات السياسة الأمريكية الجديدة، وأنّ أي حل فعال وتوجه فعال لإنهاء هذه المأساة لا بد أن يكون مصحوباً بتوجّه فعال للسياسة الأمريكيه وإدارتها الجديدة بالتوافق مع الدور الروسي، الذي بات وجوده في سوريا أمراً واقعياً وتأثيره في الوضع السوري واضح للعيان.
وما شهدناه مؤخراً حول المبادرة الثلاثية، الروسية التركية القطرية، لا تعدو كونها لفت انتباه من جانب قوى دولية وإقليمية لتوجيه اهتمام السياسة الأمريكية للبحث وإيجاد مخرج حقيقي للأزمة السورية، فأيّ جهد أو مبادرة أو توجّه لإنهاء هذه المأساة سيكون قاصراً وضعيفاً بدون وجود المشاركة الفعالة للسياسة الأمريكية، والسنوات الماضية في عمر هذه المأساة تؤكد هذا التوجه، وتؤكد أنّ جميع المبادرات والمسارات لحلّ الأزمة، من أستانا وسوتشي وغيرها، كانت قاصرة وضعيفة، بسبب عدم رضا أو مشاركة أو دعم السياسة الأمريكية لها.
وبالتأكيد هناك مصالح دولية في سوريا ستسعى القوى الدولية لتحقيقها من خلال أي جهد لإنهاء هذه الكارثة، وهذا لا يمكن توفره إلا بتوافق أمريكي روسي على حلّ الأزمة السورية، بغضّ النظر عن مصالح الأطراف الإقليمية الأخرى، كون تلك المصالح مرتبطة إلى حدّ ما بالقرار الأمريكي أو القرار الروسي، وبالتأكيد إنّ أي توافق بين الأمريكي والروسي سينال الدعم المباشر والموافقة من قبل الدول الإقليمية الأخرى.
إنّ التداخلات والمبادرات الإقليمية السابقة أضعفت كثيراً مسارات الحل في المسألة السورية، وتسببت في إطالة أمد آلام السوريين، وعمقت الكثير من جراح الشعب السوري، وابتعدت كثيراً عن مسار الحلّ الأساسي، وهو مسار جنيف، وحاولت قوى إقليمية، بالتعاون مع الروس، لإضعاف مسار جنيف والالتفاف حول القرار ٢٢٥٤، ولكن في النهاية فشلت كل هذه المسارات فشلاً ذريعاً في وضع حدّ لهذا النزاع الذي أرهق الجميع، ووصل الجميع لقناعة أنّه لايمكن تحقيق الاستقرار في سوريا إلا من خلال قرار جنيف ٢٢٥٤، ومن خلال الدور الأمريكي الفعال المدعوم بتفاهم من الروس حول تطبيق هذا القرار وآلياته، وبات من الواضح أنّ الجانب الروسي الذي قدم الدعم الكثير لسلطة الاستبداد في سوريا لن يستطيع الحفاظ على مصالحه وماحققه خلال السنوات الماضية من مكاسب اقتصادية وجيوسياسية في سوريا إلا بتوافق مع السياسة الأمريكية من جهة، ومن خلال التخلي عن العبء الثقيل الذي أصبح يشكله النظام السوري ورأس النظام على السياسة والمصالح الروسية من جهة أخرى.
إنّ التكاليف الباهظة التي يتطلبها دعم نظام تخلّى عنه الجميع وفقد شرعيته، الداخلية والخارجية، وأصبح عاجزاً عن ممارسة دور قيادة الدولة السورية وتحقيق إعادة الاستقرار في سوريا بفعل تفاقم الأزمة الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية في سوريا، جعلت من أوليات السياسة الروسية المضي قدماً لإيجاد مخرج لإنهاء هذه الأزمة والتخلص من هذا العبء، وإنّ امتناع القوى الدولية عن تقديم أي مساعدات أو ضمانات لتقديمها في ظلّ وجود هذا النظام، حتى ولو كان رمزياً، وإصرار جميع القوى الإقليمية والدولية، صاحبة اليد الطولى، اقتصادياً ومالياً، الانخراط في ملف إعادة الإعمار بوجود هذا النظام جعل توجه السياسة الروسية تتجه لمسار أكثر جدية للتوافق مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لحلحلة الوضع والانسداد السياسي في المسألة السورية.
وفي هذا الخضم جميعه، وبانتظار هذا التوافق يتطلع السوريون للتفاعل مع أي جهد أو أي بارقة أمل تنقذهم من هذه الكارثة التي طال أمدها، والتي يتحمّل جزءاً كبيراً منها النظام السوري، وأصبحت تشكل مصدر قلق لدول الجوار والخوف من انزلاق الأمور لمستويات أكثر خطورة، ويتحمل الجزء الآخر المعارضة العقيمة التي أصبحت عاجزة ولم تقدّم نموذجاً يقبل به المجتمع الدولي، على مر السنوات الماضية.
بالتأكيد هناك بوادر أمل تلوح بالأفق ونشاطات سياسية قد تشهدها الساحة الدولية قريباً، على صعيد وضع حدّ للمأساة السورية التي آلمت كل ضمير حي في هذا العالم.
ليفانت - عبد العزيز مطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!