-
سيناريو المفاوضات وبقاء النظام الإيراني في الحكم
-
المفاوضات الأمريكية مع النظام الإيراني خطوة نحو بقاء هذا النظام وتحديد فرصه ومساحة نفوذه بالمنطقة..

سيناريوهات الصراع والمفاوضات والمد والجزر بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني أمرٌ اعتدنا عليه في الشرق الأوسط؛ لكن الجديد في الأمر هو انسياب نظام الملالي كالحرير تحت سياط التهديد الاستعراضية الأمريكية، ودعوة ملالي إيران الإدارة الأمريكية إلى استثمار تريليوني دولار في قطاعات النفط والطاقة والنقل والتكنولوجيا في إيران، بمعنى أنه لا مانع لدى الملالي من إعادة إيران والسوق الإيرانية إلى الهيمنة الأمريكية، وهذا يعني إتاحة الفرصة للولايات المتحدة الأمريكية كي تستعيد هيمنتها التامة بالمنطقة؛ ومن هنا يتراجع الدور الصيني وتعود هي صاحبة المكانة الأولى بالمنطقة كما كانت من قبل، وعلى هذا النحو لن يكون التفاوض وفقا لمظاهر التصعيد الحالية وإنما وفقاً لخطة إعادة التموضع بالمنطقة الذي سيمكن إدارة الرئيس ترامب من مكافأة أصدقائه وحلفائه التجار..
بداية يجب أن نُقِر بأن المفاوضات الحالية ليست سوى مسعى أمريكي لاستعادة مناطق النفوذ المفقودة في منطقة الشرق الأوسط الرخوة القابلة للإملاءات، وترى في الجانب الأمريكي أنه صاحب الحل والعقد الذي لا غنى عنه في ظل الأزمات الهشة التي تعصف بالمنطقة سواء قضية احتلال فلسطين منذ أكثر من مئة عام أو هيمنة وتمدد نظام الملالي الإيراني وأدواته وجنوده في المنطقة، ولا تستغرب عزيزي القارئ قولي (الأزمات الهشة) فهي فعلا هشة إن توافرت الإرادة بوجهها، وعاتية في ظل الوهن والهزال الكارثي القائم، وكما يُقال "مصائب قوم عند قوم فوائد" فهذه المصائب في
ظل هذا الهوان تجعل من المنطقة العربية منطقة رخوة مرحبة بكافة أنواع الإملاءات على عكس مناطق أخرى من العالم، وبالتالي فإن الجانب الأمريكي الذي يتفاوض اليوم مع طرف عدواني مارقٍ لا يتفاوض معه لردعه وإنهاء مشروعه النووي الذي يضر أمريكا ولا أيٍ من حلفائها وإنما بالعرب فقط، وتتفاوض إدارة الرئيس ترامب مع نظام الملالي لإعادة ترويضه وبرمجته وإبقائه في الحكم ليستمر بدور شرطي المنطقة كما كان سلفه الشاه، وفي الوقت ذاته يقول الملالي الرئيس ترامب تاجر وسنجد طريقا للتفاوض معه، ويقصدون بذلك أن التاجر لا وطن له ولا دين له وثوابت التجارة في الربح والخسارة هي من ستقود المفاوضات إلى حيث يريد الملالي خاصة بعد عروض الاستثمار المغرية التي قدموها للجانب الأمريكي.
الحشود والتعبئة العسكرية الأمريكية الكبيرة في المنطقة ليست بالضرورة لتوجيه ضربات عسكرية ضد النظام بل هي لضبط مسار التفاوض برفع سقف المطالب في ظل المعطيات الحالية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والمُعلن منها (8 طن يورانيوم مخصب، وقرابة 300 كيلوغرام يورانيوم عالي التخصيب، وتقنية وبنية تحتية نووية متطورة لا يمكن القضاء عليها بسهولة)، ولم يكن البرنامج النووي الإيراني بهذه المعطيات عندما انسحب ترامب نفسه من المفاوضات، وقد وفر هذا الانسحاب الفرصة والوقت لنظام الملالي لتطوير المشروع النووي والوصول به إلى هذا المستوى الذين يمكنهم من صنع 7 قنابل نووية في الحال، وصناعة قنبلة نووية شهرية بكل بساطة، وعلى كل حالٍ فإن كلا الطرفين
منضبطين في مساحة متفقٌ عليها ولن تصل الأحداث إلى المستوى الذي قد ينجم عن التصعيد الحالي "الحرب"، ولن يتخطى هذا التصعيد حالة الضغط والاستعراض، فالحرب لن تقوم دون الرجوع إلى دول الخليج التي تحرص على عدم قيام أية أعمال عسكرية موسعة بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني نظراً لخطورة ذلك عليهم، كما أن الغرب يدرك تمام الإدراك أن صواريخ الملالي اللطيفة التي أُطلِقت على الأراضي الفلسطينية المحتلة لن تكون لطيفة في حال تعرض الملالي إلى ضربات عسكرية موجعة.
لا تهدف مساعي وضغوط الولايات المتحدة وحلفائها إلى حل أزمة منطقة الشرق الأوسط وتفكيك البرنامج النووي الإيراني، ووضع حد لحملات الإعدامات وانتهاكات حقوق الإنسان وإنهاء معاناة الشعب الإيراني من خلال إسقاط نظام الملالي الدكتاتوري الحاكم في إيران منذ سنة 1979، ولو كان ذلك هدفها كان الأجدر بها دعم المقاومة الإيرانية التي فضحت البرنامج النووي السري للملالي الذي غفل عنه المجتمع الدولي وتطالب بإقامة جمهورية ديمقراطية غير نووية
تحترم حقوق الإنسان في إيران، وعلى العكس لم نرى أي دعم لنضال الشعب الإيراني أو حتى الاعتراف بحقه في الدفاع عن نفسه بوجه الممارسات الإجرامية لميليشيا الحرس ومؤسسات النظام القمعية الأخرى، والأكثر من هذا فقد تغافل هذا النظام العالمي تكتيكياً عن البرنامج النووي الإيراني حتى تعاظمت قوته لا لشيء سوى الاستمرار في ترويض المنطقة العربية، وهنا فإن الهدف الأساسي من هذه الضغوط والمفاوضات هو وضع هذا النظام في إطار سيناريو منضبط يضبط تحركاته في مساحةٍ ومساراتٍ بعينها مع ضمان بقائه ومصالحه.
لم أرى نهايةً غير موفقة لأي مفاوضاتٍ رعتها سلطنة عُمان خاصة ما يتعلق بنظام الملالي، وفي النهاية ستنتهي المفاوضات بـ (بوس عمك.. بوس خالك) وكلا الطرفين عمك وخالك يدوران في فلك سياسة "رابح.. رابح" لطالما هناك من يدفع وسيدفع ثمن هذه الصراعات الاستعراضية..؛ كذلك لم أرى أن فينا من يتعظ من الدروس أبداً، وستبدأ بعد ذلك مرحلة إعادة ترويض المنطقة باتجاه ملالي إيران لفرض واقع سياسي يُديم الأزمة ويُحقق المرجو من دوامها ولتسقط الإنسانية وتسقط الشعوب طالما خالك وعمك بخير.. ولطالما تصنع هذه الشعوب أزماتها بأيديها وتستطيب الأنين على أنغام الأزمات.، وكل أزمة وأنتم مبدعين في الشكوى والأنين.
د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!