-
سوريا من الاستبداد إلى الفوضى
لم تتخذ الدول المعنيّة بالشأن السوري معاناة السوريين الكبيرة والطويلة إلى الآن على محمل الجد، كملف ساخن يتطلب تهدئته، وكأنّ هذه التراجيديا باتت خارج التوصيفات الدولية والإقليمية، فكانت نتيجة هذا الصراع كارثيّة بكل أبعادها على الشعوب السورية، حيث مئات الآلاف من الشهداء وأضعافهم من الجرحى ومعوقي الحرب وملايين المهجرين من ديارهم إلى الخارج والداخل ودمار مدن وقرى حديثة وتاريخية عريقة.
وانتشار قساوة الفقر والعوز على أوضاع كافة أبناء وبنات الشعوب، واستغلال "المقاتلين" الذين كان من المفروض أن يدافعوا بقوة وقناعة عن مطالب أهلهم وشعوبهم التوّاقين إلى الحرية، تم تحويلهم إلى فصائل من المرتزقة يقمعون شعوبهم بلغة الحديد والنار في الداخل، والشعوب الأخرى في البقاع الأخرى من العالم، فيما ظلّ النظام السوري الذي يمارس استبداده وكان السبب الأهم في تأجيج الكارثة.
حيث بعد عشر سنوات من الصراع الساخن والدموي لم يتغير أي شيء في الذهنية والممارسة، إذ ما زال النظام يحلم بالعودة إلى سابق عهده. ضمن هذه المقتلة السورية، ظهرت معارضات وفق مقاس البازارات التي تدفع أكثر، أغلبها اعتمدت على القوى المغرضة بدلاً من طاقات الشعب، مثلما استغلّت القوى الإقليمية هذه الفرصة فتظاهر بعضها باحتضان المعارضة السورية بهدف تمرير أطماعها التاريخية، وبعضها الآخر ساند النظام للغاية ذاتها، لتبقى سوريا كحزمة واحدة، ساحة مفتوحة للتحديات والصراعات غير المنتهية.
في جانب آخر، التزم الكرد، كشعب منظم سياسياً وعسكرياً، بالحفاظ على وجوده ومن معه في أرضه وتحت سمائه للحيلولة دون الوقوع في فخ تلك المقتلة، بل وناضل بقوة من أجل تجاوز تلك الحالة الكارثية الداخلية، كجزء من الوصول إلى إنهاء هذه الأزمة، وبادر الكرد ذاتهم إلى وضع خريطة طريق لحلّ الأزمة التي دفعت الشعوب السورية ثمنها من دمه وروحه. ولكن روسيا وتركيا، من جانبهما، بدأتا بالتوجّه، بعد عقد من الأزمة، نحو جذب الدول العربية وتسخير المال العربي السياسي، لإقناع الدول العربية بإعادة النظام السوري إلى المحيط العربي وإشغال مقعده في الجامعة العربية، دون تقديم أدنى بنود الحل، كدولتين ضامنتين في المسألة السورية، وهذا ما يعقّد المواقف أكثر، ويثير العداوات الداخليّة أيضاً، لأنّهما وفق هذه الجهود السلبية، وعبر البوابة السورية، تريدان إقامة علاقات أوسع وأقوى مع العالم العربي، في إحياء رغبة أنقرة في ترميم علاقاتها مع الدول العربية على حساب الشعب السوري، والتمدّد أكثر في المنطقة، في ظلّ صمت دولي مخيف.
بالقياس مع هذه المعمعة، على جميع الأطراف إعادة النظر في جميع الآليات التي اتبعت حتى الآن في المحادثات والحوارات التي لم تثمر عن أيّة نتيجة لاستحواذ الملف السوري من قبل الأجندات الخارجية، وأيضاً انقسام القرار الدولي والإقليمي حول ذلك، وهنا لا بد للدول العربية أيضاً القيام بدور أكثر فاعلية في الجهود الدولية لحلّ الأزمة السورية.
إنّ مصير المنطقة برمتها مرهون بالفوضى الموجودة في سوريا، وأيضاً تهدئة المنطقة يتطلب تهدئة الوضع القائم في سوريا. تظلّ الدعوة مفتوحة دائماً للحوار والحل المأمول، وذلك بدعوة تلك الدول المعنية بالمسألة السورية إلى مراجعة مواقفها السابقة والمتخبطة واستنباط الدروس من الكارثة الموجودة والمستفحلة، وما آل إليه الشعب السوري والوطن معاً من دمار وبؤس، والدخول بمسؤولية في حوارات جادة مسؤولة بعيداً عن كافة الإملاءات السلطوية ومصالح القوى الخارجية، والإصرار على ضرورة تقديم كافة أشكال الدعم لتنفيذ القرار الدولي 2254، الذي بات المخرج الوحيد، ربما، للتخلّص من الأزمة والبدء بترتيب البيت السوري.
ليفانت - فتح الله حسيني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!