-
جولات أستانا وتداعياتها الكارثيّة على الشعب السوري
وللتذكير، اعتمد القرار بيان جنيف وبيانات فيينا الخاصة بالانتقال السياسي السلمي في سوريا، وتضمّنت تشكيل هيئة حكم انتقالية وصياغة دستور جديد برعاية الأمم المتحدة، في غضون ستة أشهر، تليها إجراء انتخابات بعد إقرار الدستور ووقف إطلاق النار والهجمات ضد المدنيين بشكل فوري في كل أنحاء سوريا.
ثمّة تنصّل واتهام متبادلان بين الروس والأتراك، وما أدلَّ على ذلك سوى مفردات خطاب إعلام الطرفين في المواقع الرسمية بتذييل آراء المحللين المقربين من مراكز القرار، بأنَّ (الآراء الواردة ليست بالضرورة تعبر عن الموقف الرسمي للموقع)، وهناك الكثير من الشكوك في أصل العلاقة التي لا تلبث أن تستدعي عناصر الخلاف التاريخية، فاستيلاء الروس على شبه جزيرة القرم التترية منذ 2014 تعتبر التفاتة نحو الخلف، حيث إرث الملكة كاثرين العظيمة والروم الأرثوذوكس، وما الخلاف الأوكراني سوى على ملكية شائعة من تبعات الاتحاد السوفيتي السابق، لهذا فإنّ بحث الرئيس التركي أردوغان عن إرث السلطنة العثمانية المفقود قد تخطاه الزمن باسترداد روسيا للوديعة بالقوة من أوكرانيا، ولم تكن اجتماعات منتجع سوتشي بين بوتين وأردوغان سوى مجرد حنين لكل طرف إلى ذاك الزمان، أحدهم يستمتع بالأجواء مبصراً، والآخر بالنظر متخيلاً.
وأخيراً وليس آخراً، حيث توصف رسومات الصحافة اليونانية طائرات درون التركية المسيَّرة بمدافع محمد الفاتح، فإن تحذيرات اليقظة هذه، ربت أوروبا على كتفها وأفاقتها من غفوتها وهي تثير غباراً من سنابك خيل الفاتحين للقسطنطينية من البر الأوروبي لتشمل اليابسة والبحر، وأنَّ انضمام تركيا بحلّتها الحالية للاتحاد الأوربي، ليس غزواً ثقافياً مختلفاً فحسب، بل يعتبرونها اقتحاماً لمعاقل المسيحية في عقر دارها.
بالعودة إلى بيانات أستانا للأطراف الثلاثة (روسيا وإيران وتركيا) والتي تمحورت معظمها حول الحفاظ على وحدة أراضي (الجمهورية العربية السورية) وسيادتها وعلى وحدة الشعب السوري والوقوف في وجه الجهات التي تهدف إلى تقسيم سوريا، بينما الحقيقة وما آلت إليه الأوضاع وواقع الحال على الأرض إلى ما هو عليه الآن وفقاً لمناطق النفوذ، تكشف مدى تآمر تركيا على القضية السورية نتيجة مقايضاتها مع روسيا ولحساب نظام الأسد والوجود الإيراني، حيث غلبت على تلك التعاملات أسلوب المافيا المحترفة وثبت بالأمر القاطع أن الدول الثلاث ساهمت في تجسيد العمل العصاباتي في الداخل السوري وخارجه، روسيا من خلال عصابات (فاغنر) وتجنيد مرتزقة محليين للقتال في ليبيا، وكذلك إيران من خلال التدخل الأمني (الحرس الثوري وحزب الله اللبناني) منذ الأيام الأولى للثورة السورية وتدعيم مشروعه الطائفي بالميليشيات من مختلف الجنسيات، أما تركيا فدخلت بشكل مباشر واحتلت مناطق غرب حلب في البداية من بوابة جرابلس وإعزاز، إضافة إلى محافظة إدلب، وفيما بعد احتلال مناطق كوردستان الغربية في عفرين وسري كانيه وكرى سبي، وتهديد بقية المناطق بالاجتياح من خلال عمليات القصف اليومية لمناطق التماس مع قوات سوريا الديمقراطية، وجعلت من المعارضة المسلحة مرتزقة مأجورين يتقدمون جيشها لاحتلال بلدهم والتعدي على حرمات سكانه، وتجنيدهم في كل من ليبيا وأذربيجان، كما عولَّت على تمدد داعش، وكان رأس البغدادي هو آخر مساوماتها خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق ترامب.
فائض الإرهاب الذي ما زالت تمارسه الدول الثلاث، المقاولون لجولات أستانا لغاية تاريخ نسختها الـ/16/ يأتي في أولوية جملة مؤكدات متعددة، جازمة، على دفع الأزمة السورية بما تحمله من تبعات التآمر نحو مراحل تصفيات ما قبل النهائي وفقاً لمتغيرات أوجه الصراع المباشر على الأرض، حسب الدور المنوط بالوكلاء المحليين، بدءاً من النظام والجيش الوطني العائد للائتلاف والميليشيات الإيرانية على اختلاف تسمياتها، ويأتي التمسك بالمآلات على الأرض التي تفتح باب الذرائع لكل منها، وفقاً لمصطلح مناطق خفض التصعيد، حيث ساهمت تلك الدول مجتمعةً على تقسيم سوريا وانتهاك سيادتها المستباحة أصلاً بفعل سياسات نظام الأسد الإجرامية.
الاحتيال السياسي بات بوضوح بين أطراف أستانا بسبب اختلاف المصالح الحيوية وتعدد مشاريع وخطط واستراتيجيات كل منهم عن الآخر، وهي تتزاحم وفقاً لحجم كل دولة في محيطها الإقليمي والدولي، تكاد تطفو خارج جغرافية سوريا، يأتي هذا كله ليتراكم ويزيد من جردة حساب تضحيات الشعب السوري خلال أكثر من عقد من الزمن، إنها بحق ضريبة الدم الكبرى. التي لم يزل يدفعها ثمناً لحريته وكرامته.
ليفانت - قهرمان مرعان آغا
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!