الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • توظيف المرأة في الإعلام.. "نورهان" في جمهورية كأن (نموذجاً)

توظيف المرأة في الإعلام..
علاء الأسواني، في روايته جمهورية كأنّ، (دار الآداب- بيروت)

يصوّر الكاتب المصري، علاء الأسواني، في روايته جمهورية كأنّ، (دار الآداب- بيروت) مصر خلال ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، أدقّ تصوير، وتبدو الرواية التي مُنعت في مصر لوحة فريدة في اتساقها وتناغمها وتسلسها، استهلّها الراوي باللواء علواني شخصية السلطة النمطية التي تختبئ وراء الدين وتحاكي بسلوكها كلّ المنتفعين من الأنظمة القمعية، غيرَ أن تأويلات البداية الحقيقية للرواية كثيرة، إذا يترك الأسواني الباب مفتوحاً للقارئ ليختار بنفسه الشخصية الأقرب له والتي أسهمت بدورها في تقهقر الثورة المصرية وانحسارها، وتمثّل كل واحدة منها شريحة من المجتمع.


وإذ يُخضع الأسواني شخصيات الرواية للمدّ والجزر، ويعرّضهم لأحداث قاهرة، منها مقتل (خالد مدني) طالب الطب، الشاب الثائر وعضو "الجمعية الوطنية للتغيير"، وهو حبيب دانية ابنة اللواء علواني على يد أحد ضباط الجيش، وما حلّ بابنته بعد هذا الحدث من انهيار نفسي وعملي، وغيرها من الأحداث المؤثرة كانضمام (أشرف ويصا) الممثل القبطي الثري لصفوف الثورة، غيرَ أن توصيفه الدقيق والساخر لسلوكيات (نورهان)، الامرأة المصلحية، التي تتوارى خلف الدين لتحقّق مآربها يعدّ بحد ذاته ثورة على مستوى كشف المستور بالنسبة لنساء لا شكّ أنهن ساهمن في إخفاق ثورة مصر، ومثلهن كثيرات في العالم العربي يتحملن وزر هشاشة المواقف وضيق الطموح والأفق.


(نورهان) التي جسّدت في الرواية الإعلام ومدى قوته وتأثيره في الرأي العام، اختزلت واقعاً عربياً هزيلاً، وموقفاً مذبذباً للشعوب المُستَّبَدة، لا يمكن القضاء عليه إلا عبر إعادة بناء وعي الجماهير وجعلها منيعة في وجه الخطابات الإعلامية المسمومة وخطورتها لا تقل عن خطورة الخطابات السياسية والدينية. تصل (نورهان) المنصات الإعلامية من خلال تقرّبها من رجال أعمال فاسدين وأشخاص لهم مكانتهم ونفوذهم لدى أجهزة النظام، ومن ثمّ تغريهم وتوقعهم بشباكها فتطلب منهم الزواج بها لأنها لا تقبل أن يمسسها رجل بالحرام، ويرضخون لها كونهم مأتمرين للجهة ذاتها، حتى وإن كانوا بقرارة أنفسهم بعيدين جداً عن الدين، ومثال ذلك (عصام شعلان) مدير المصنع الرجل المفرط بيساريته والمخذول سابقاً من الشعب المصري والثورات، والذي يشرب الويسكي بكثرة.


وصول نورهان إلى المنابر الإعلامية بقوة المال والسلطة، واستخدامها الدين كأداة محرّكة لوعي الشعب المصري، كان له فائق التأثير على جماهير بسيطة مقموعة، يؤكد الراوي أن الثورة اندلعت في الأساس لصون حقوقهم والدفاع عنها. يحدث في إحدى فصول الرواية عندما استقلّت أسماء زناتي وهي من أبطال الرواية (مدرّسة لغة إنكليزية، شابة عصامية شاركت في الثورة منذ اندلاعها)، استقلّت سيارة تاكسي عائدة من إحدى الاعتصامات وإذا بسائق التاكسي يلعن الثورة وشبابها الذين يريدون تخريب البلد. تقول أسماء في أحد رسائلها: "لقد ردّد جملاً بالنص من برنامج مع نورهان والبرامج الأخرى. إنه مقتنع تماماً بأننا عملاء تمّ تدريبنا في إسرائيل. تركته يشتم الثورة كما يشاء. لم أكن مستعدة نفسياً لمناقشته. قلت لنفسي: حتى لو اقنعتُ هذا الرجل، فماذا عن ملايين المصريين الذين صدّقوا الإعلام وأصبحوا يتحدثون مثله؟ تصوّر أن من يلعن الثورة ليس مليونيراً ولا لواءً في الشرطة، وإنما هو شائق تاكسي، أي أنه رجل بسيط قامت الثورة للدفاع عن حقوقه أساساً".


من هي نورهان؟ في الحقيقة هذه السيدة هي نتاج القمع والفساد والكبت، شخصية موجودة بكثرة في بلاد الديكتاتوريات، امرأة لعوب تدسّ سمها الأنثوي في وعاء الرغبات الذكورية المكبوتة، وتستخدم الدين لتخدير ضميرها، تركيبتها سهّلت استغلالها كأنثى جميلة ومغرية من قبل رجالات السلطة لإيصال الرسالة بأكثر الطرق إثارة وتأثيراً، فها هي تعتلي المنابر بعد تأسيس (محمد شنواني)، أحد رجال الأعمال الفاسدين، محطة تلفزيونية خاصة لدحض حقيقة الثورة بالتعاون مع أجهزة المخابرات، وتسلّمت فيما بعد إدارتها، لكن الأبرز هو وضعها الحجاب كونها مُنعت سابقاً في المحطات التلفزيونية التابعة للدولة من التقديم وهي مرتدية الحجاب.


يروي الكاتب: "عندما ظهرت نورهان على الشاشة بالحجاب ازدادت شعبيتها. ملايين المشاهدات المحجبات أحسسن بنوع من الاعتزاز عندما رأينها بالحجاب، كأنهن انتصرن في معركة مهمة. بالإضافة إلى هذا النصر الرمزي للإسلام، فقد أعطت نورهان مثلاً في أناقة المرأة المسلمة. ثيابها محتشمة لكنها تحمل توقيع أكبر بيوت الأزياء العالمية. قال لها الشيخ شامل ذات مرة: أدعو الله، عز وجل، أن يبارك بقدر تأثيرك الطيب". والشيخ شامل هو من أوائل الشخصيات التي رسم ملامحها الأسواني رجل دين يفتي لصالح النظام، فيحلّل ما يصب في مصلحته ويحرّم عكس ذلك. يصف الكاتب، الشيخ شامل، في إحدى فصول الرواية على لسان دانية بقولة: "عندما طلب اللواء علواني من ابنته دانية احترام الشيخ شامل وتعليماته لأنه رجل دين، فردت عليه: إنه رجل أعمال وليس رجل دين".


وبالعودة إلى (نورهان) العنصر النسائي الإعلامي المعمول أساساً لقمع الثورة وإسكاتها، والذي جمع كل مقومات التأثير بالنسبة للشعب المصري، فإن هذا العنصر ما زال ماثلاً في معظم منابر دول الربيع العربي، وإيقاف المدّ الناتج عنه من مسؤولية المرأة أيضاً التي أدركت أنها أداة لخدمة السلطة لا أكثر "كل ليلة، يشاهد المصريون نورهان وهي تستضيف أساتذة في الجامعة ومفكرين وخبراء استراتيجيين يؤكدون جميعاً، بالأدلة العلمية، أن الثورة في مصر لم تكن إلا مؤامرة موّلتها وخططت لها المخابرات الأميركية بالاشتراك مع المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وفي كل مرة يظهر على وجه نورهان التأثر وتنهي الحلقة بدعاء تردده بصوت خاشع، والكاميرا في وضع (كلوز) على وجهها، تقول: يا رب اجعل مصر بلداً آمناً ونجّها من الأشرار والخونة".


وفي سرد تهكمي يتساءل الكاتب مداعباً مرارة الواقع: "هل حاولت نورهان غواية الحاج شنواني؟ الإجابة نفي قاطع. نورهان سيدة مسلمة متزوجة تراعي ربها وتحفظ عرض زوجها في حضوره أو غيابه. كما أنها في لقائها شنواني، التزمت بالشرع الحنيف واحتشمت في حديثها، بل إنها لم تصافحه بيدها عملاً برأي جمهور أهل السنّة والجماعة".


كاتبة وصحفية سورية

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!