-
تركيا تُفرمل مخططاتها بعد الاستعراض المصري للقوة.. وتوجّه نيرانها لأوروبا
تلجأ أنقرة بين الحين والآخر إلى طرق أبواب أوروبا، وتبتزّها في ملف اللاجئين، وبشكل خاص السوريين منهم، على اعتبار أنّهم الأكثر توجّهاً من الشرق الأوسط إلى اليونان، ومنها إلى بلدان الاتحاد الرئيسة، كألمانيا وفرنسا، إضافة إلى بريطانيا.
ويتصاعد الابتزاز التركي للأوروبيين بشكل خاص، كلما ضاق على الرئيس التركي أردوغان طوق الخلاص من السياسات التوسعيّة التي دشّنها عبر الأموال المقدمة من قطر والمسلحين المستأجرين كـ”قتلة” من المليشيات السورية المعروفة بـ”الجيش الوطني السوري”، بغية ضرب الجيش الوطني الليبي، وهو ما يمكن استشفاؤه من الابتزاز الجديد القديم من أردوغان للأوروبيين، والذي جاء عقب أن أضاقت القاهرة الحبل حول عنق المشروع التوسعي التركي في ليبيا، بالاستعراض المهيب الذي حصل خلال اليومين الماضيين على الحدود المصرية مع ليبيا، بحضور كبار المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ويبدو أنّ الجانب التركي قد فهم أنّ المخطط الخطير الذي يحاول تمريره، بتحويل “الاحتلال” إلى أمر واقع في ليبيا، مستغلاً الضوء البرتقالي الأمريكي، قد يتحوّل إلى معركة حقيقية مع الجيش الأول عربياً وأفريقياً، والتاسع عالمياً، وهو ما دعا الجانب التركي، فيما يبدو، إلى فرملة أحلامه عبر تصريحات إعلاميّة ادّعى عبره تفهم القلق المصري، فاتحاً في الوقت عينه نيراناً على دولة الإمارات العربية المتحدة، عبر جملة من التلفيقات والاتهامات الجوفاء، متناسياً أنّ ليبيا تبقى بلداً عربياً، بالتالي هم الأدرى بحلّ قضيته من “مستعمر” يسعى لإحياء إرث دموي لأجداده عبر عثمانية جديدة.
رفض أوروبي للابتزاز التركي
وعليه، وعقب الاستعراض المصري للقوة، وتأكيد الرئيس السيسي على جاهزية الجيش المصري للدفاع عن الأمني القومي العربي في مواجهة المخططات الاستعمارية الجديدة، بدأت أنقرة بالبحث عن وجهة جديدة لتوجيه الأنظار إليها، ويبدو أنّ الرئيس التركي قد وجد ضالته في أوروبا، فوجّه إليها سهامه من جديد، متّهماً إياها بعدم الوفاء بالتزاماتها في ملف اللاجئين، حيث وجّه أردوغان انتقادات شديدة لسياسة الهجرة الأوروبية وتعامل أوروبا مع اللاجئين، متّهماً الاتحاد الأوروبي بأنّه لم يلتزم بوعوده وترك بلاده تتحمل أعباء اللجوء بمفردها.
وصرّح أردوغان، أمس الأحد، أنّ 25 ألف شخص معظمهم أطفال ونساء، توفوا غرقاً في مياه المتوسط خلال السنوات الـ 8 الماضية، أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، لافتاً إلى أنّ مصير 10 آلاف طفل سوري لجؤوا إلى أوروبا، مايزال غير معروف، وأردف، أنّ “المشاهد غير الإنسانيّة التي شهدتها الحدود التركية اليونانية، العام الماضي، تعكس نظرة بعض الدول الغربية تجاه اللاجئين”، وزعم أنّ اللاجئين القادمين إلى أوروبا وقعوا ضحايا “للعنصرية والتمييز وسياسات العداء”، وادّعى أنّ بلاده استقبلت جميع من لجأ إليها دون تمييز، في حين أنّ دولاً تتمتّع بإمكانات أكثر منها، استقبلت العشرات فقط.
ولم يتأخر الردّ الأوروبي كثيراً، إذ شدّد المستشار النمساوي، سيباستيان كورتز، أنّه لا يجب أن يتعرّض الاتحاد الأوروبي “للابتزاز” من الجانب التركي، لافتاً إلى أهمية وقف الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد، وغرّد كورتز على “تويتر”، أمس الأحد، وقال مؤكداً في تصريح لصحيفة “كاثيميريني” اليونانية على “أننا يجب ألا نتعرّض للابتزاز من قبل تركيا، وعلينا وقف الهجرة غير الشرعية عند حدودنا الخارجية، مثل الحدود اليونانية”، مضيفاً بالقول: “هذه هي مسؤوليتنا كأوروبيين”.
كيف تعاملت تركيا مع اللاجئين السوريين؟
ورغم ما يدّعيه الرئيس التركي من مكارم تركيّة على اللاجئين السوريين، يبدو الواقع ليس الادعاء حقاً، فحول التعامل القاسي مع اللاجئين الذي يدّعيه أردوغان تجاه اليونان، قال مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، إنّه قد قتل 3 لاجئين سوريين وأصيب 12 آخرين بجروح على يد الجندرمة وقوات جيش الاحتلال التركي، خلال شهر آذار/مارس الماضي وحده.
فيما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان نشره، في الثامن عشر من يونيو الجاري، أنّ عدد المدنيين السوريين الذين قتلوا برصاص قوات حرس الحدود التركي «الجندرما» منذ انطلاق الحراك الشعبي السوري في العام 2011، بلغ 450 مدنياً، بينهم 79 طفلاً دون سن الـ18، و44 سيدة فوق سن الـ18 عاماً.
كما أوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان، في السابع عشر من أبريل الماضي، تزايد عمليات تهريب عائلات المقاتلين التركستان والأجانب من سوريا إلى تركيا، في حين تشهد المناطق الحدودية تشديداً أمنياً من قبل الشرطة التركية على طول الشريط الحدودي مع لواء إسكندرون، خشية عمليات تهريب النازحين السوريين إليها، فيما تغضّ الطرف على عدّة أماكن لتمرير المقاتلين الأجانب وعائلاتهم.
وفي التاسع من مايو الماضي، سلطّ تحقيق مطول، لصحيفة “ذا غارديان” The Guardian الضوء على تلاعب الرئيس التركي بمأساة اللاجئين، وطلب منهم اختراق الحدود اليونانية، كوسيلة ضغط على أوروبا غير عابئ بأنين النساء وصرخات الأطفال، حيث جاءت الخطوة كردّ فعل على مقتل 36 جندياً تركياً، في محافظة إدلب، في 28 فبراير/شباط الماضي، في خطوة كان الهدف منها الضغط على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لدعم عمليته العسكرية في شمال سوريا.
أما في الداخل التركي، فلا يبدو أنّ حال اللاجئين السوريين بأفضل منه من أولئك الذين قرروا التوجّه إلى أوروبا، ففي العشرين من مايو الماضي، قالت شبكة سي بي إس نيوز، إنّ اللاجئين السوريين اليائسين في تركيا يبيعون أعضاءهم في السوق السوداء لمجرد تلبية احتياجاتهم.
وضمن الفيلم الوثائقي “بيع الأعضاء للبقاء على قيد الحياة”، استعملت شبكة سي بي إس كاميرات خفية للتحقيق في منشورات فيسبوك التي كانت تقدّم أموالاً للاجئين من أجل كليتهم وجزء من كبدهم، ورؤوا أنّ اللاجئين الضعفاء يتعرّضون للخداع من الأموال الضئيلة التي عرضت عليهم بعد الانتهاء من الإجراءات.
أردوغان يحتاج لما هو أكثر من المال
وكان قد قال تقرير ألماني، في السابع من يونيو، إنّ الاتحاد الأوروبي يستعدّ لإرسال مساعدات إلى تركيا من أجل دعمها في مواجه أزمة وباء فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، تتضمن الموافقة على مشروعين مركزيين للمهاجرين السوريين في تركيا، بالإضافة إلى الموافقة على دعم بقيمة 485 مليون يورو، في مقابل وقف عبور المهاجرين إلى الأراضي اليونانية، مع الإشارة بأنّ ذلك الدعم النقدي ليس ضمن الدعم السابق المتفق عليه بقيمة 6 مليارات يورو.
وعليه، يتوضّح أنّ ما يحتاجه أردوغان من أوروبا يتعدّى الموضوع المالي رغم أهميّته بالنسبة إلى أنقرة، التي اعتادت على التسوّل باسم اللاجئين، فما يحتاجه أردوغان هو صك موافقة غربيّة على توسيع حدوده لتشمل شمال سوريا وأجزاء من العراق وليبيا، والتنقيب في المتوسط، وهي أحلام تراود أردوغان، لكنها ترتد عليه شيئاً فشيئاً بأضرار جمّة، مع إدراك المحيط الإقليمي لتركيا، المخطط التوسعي الخطير لأنقرة، المستلهم من المشروع التوسعي الإيراني وإرثها العثماني البغيض، ليبقى السؤال، هل يصل أردوغان إلى أحلامه، أم يستيقظ منها وقد أضحت كوابيساً ووبالاً عليه وعلى كامل تركيا؟
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!