-
بين فقدان الشرعية وتخبط السلطة في إيران
يشهد النظام الإيراني الآن فقداناً للشرعية وتخبطاً في السلطة، ويواجه احتجاجات واسعة النطاق ومتصاعدة من قبل المواطنين الذين يعانون البطالة والفقر والفساد والقمع والاضطهاد، وقد تصاعدت هذه الاحتجاجات في الفترة الأخيرة خاصةً بعد مسرحية الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها البلاد والتي اتهمت فيها المقاومة الإيرانية النظام الإيراني بالتزوير والتلاعب بالنتائج، وتتصاعد حدّة المواجهة الداخلية في إيران بين القوى الحاكمة ووحدات المقاومة، ويتزايد الضغط الشعبي على نظام الملالي بسبب سياساته الداخلية والخارجية المثيرة للجدل، وتواجه السلطة في إيران تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة مما أدى إلى فقدان شرعيتها وتصدعها ومن أبرز هذه التحديات ما يلي:
الأزمة الاقتصادية: تعاني إيران من أزمة اقتصادية حادة، حيث ارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير، وتراجعت قيمة العملة الإيرانية، وارتفعت الأسعار، وقد أدت هذه الأزمة إلى استياء شعبي واسع واحتجاجات عديدة.
الفساد: ينتشر الفساد في جميع مفاصل النظام الإيراني الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة بالحكومة، وقد كشفت فضائح الفساد الأخيرة عن تورط مسؤولين كبار في عمليات فساد ضخمة.
الأزمة السياسية: تعاني إيران من أزمة سياسية حادة، حيث تتصارع قوات حرس نظام الملالي مع المؤسسات المدنية ومفاصل الدولة الأخرى ما أدى إلى إضعاف الدولة واحتكار السلطة بشكل شبه كل بيد الحرس بدعم من ولي الفقيه، وقد أدت هذه التحديات إلى فقدان السلطة الإيرانية شرعيتها وتراجع مكانتها في الداخل والخارج، وقد ظهرت هذه التراجعات في عدة مجالات، منها:
تراجع النفوذ الإقليمي: فقد النظام الإيراني قبوله الإقليمي في السنوات الأخيرة وقدرته على التأثير في المنطقة، خاصة بعد تدميرها للدول العربية المحتلة من قبله، العراق ولبنان وسوريا واليمن، وقد أدى ذلك إلى بقاء تركيا كدولة مسلمة بلا منازع في المنطقة بعد اضمحلال نظام الملالي وانفضاح أمره ودوره التخريبي في المنطقة ودعمه غير المجدي لجماعات معادية لتركيا، والدفع بغزة نحو التهلكة وقد تؤدي أحداث غزة التي تسبب فيها نظام ولي الفقيه الحاكم في إيران إلى إحداث ضرر كبير بالقضية الفلسطينية كما تسبب في إلحاق الضرر الفادح بالدول العربية، ويقول بعض المثقفين العرب إنه من المؤكد أن يكون هناك توافق بين الملالي والغرب وإسرائيل بشأن ما يحدث في غزة والمنطقة.
ضعف العلاقات الدولية: تراجعت العلاقات الدولية للنظام الإيراني منذ عقود وأكثر في السنوات الأخيرة بسبب سياساته المتطرفة ودعمه للإرهاب، وقد فرضت عليها العديد من الدول عقوبات اقتصادية ما أدى إلى خلق حالة من العزلة الدولية ضد النظام، ويمكن أن تؤدي هذه التحديات إلى تحولات كبيرة في مستقبل إيران كما أنه من الممكن أن يؤدي فقدان السلطة الإيرانية شرعيتها إلى اضطرابات داخلية تعجل بهذه التحولات وتُحدث تغير في النظام السياسي.
وفيما يلي بعض السيناريوهات المحتملة للمستقبل السياسي لإيران:
السيناريو الأول: استمرار السلطة الحالية في الحكم بدعم غربي مع تراجع شرعيتها ونفوذها حتى يطبخ الغرب طبخة جديدة على أمل أن يقبل بها الشعب الإيراني.
السيناريو الثاني: حدوث اضطرابات داخلية نتيجة للقمع الدموي والحراك الشعبي المضاد وتصاعد الدور النضالي للمقاومة الإيرانية في الداخل وبالتالي ستؤدي كل هذه العوامل إلى سقوط سلطة نظام الملالي.
السيناريو الثالث: حدوث انقلاب في النظام السياسي على يد الحرس وبدعم غربي أيضاً.
نظام الملالي يسمم الفطرة النقية للمجتمع الذي أنهكه الفقر والتضخم والغلاء
المجتمع الإيراني مجتمع مسلم محافظ بطبعه وتاريخه، وتحكم القيم والأخلاق الإسلامية كلا مكونيه المسلين السُنة والشيعة وذاك تاريخه وتراثه قبل حقبتي الشاه والملالي، كذلك فإن المكونات الأخرى الموجودة في المجتمع تحكمها نفس الأعراف السائدة، لكن مجيء نظام الشاهنشاهية إلى سدة حكم البلاد قد عظم من دور الملالي في إيران حتى باتوا يمثلون الأفق السياسي الذي رآه الغرب كبديل في حال تعثر نظام الشاه، وبالفعل أصبح ملالي إيران النظام القمعي الدكتاتوري البديل الذي أخلفه الغرب بالحيلة والخداع على حكم البلاد منذ عام 1979، وقد تسبب هذا النظام في ضرب تراث المجتمع الإيراني وانتشار الفقر والتضخم والغلاء، والعبث بالدين وتشويهه واتباع سياسات مخادعة ورفع شعارات كاذبة ونشر فكرٍ وسلوكياتٍ جديدةٍ أدت بدورها مدى أربعة عقود ونصف إلى فساد الفطرة النقية للمجتمع الإيراني.
طحن الفقر والتضخم والغلاء الأغلبية من الشعب الإيراني وفاقم من معاناة الشعب وحرمانه من أبسط مقومات الحياة، وقد أدى ذلك إلى شعور الشعب باليأس والقنوط والضياع، وذلك أحد عوامل هدم الفطرة النقية للمجتمع الإيراني الذي بات في معزل عما يجري بسبب أجواء الكبت وصعوبة الحياة ودجل واحتيال النظام الذي لم يعد يثق به الشعب.
ويعتمد نظام الملالي في ترسيخ حكمه على القمع والإرهاب لفرض سيطرته على الشعب الإيراني، وخلق أجواء من الخوف والرعب في البلاد ما جعل الشعب الإيراني في عالم من الكبت والقيود على حريته والتعبير عن مشاعره وأفكاره.
وفيما يلي بعض الأمثلة على كيفية تسميم نظام الملالي للفطرة النقية للمجتمع الإيراني:
انتشار الفساد: أدى نشر الملالي للفساد في جميع مؤسسات الدولة الإيرانية إلى تطبيع الفساد بالمجتمع وتشويه الحقائق وخلق حالة من التسليم والإحباط.
انتشار العنف: يمارس نظام الملالي العنف والقمع والظلم ضد المعارضين السياسيين والثقافيين وضد المرأة ضد العمال والمعلمين مما خلق جواً من الخوف والرعب والاضطراب في البلاد بالإضافة إلى عنف الفقر وزوال واضطراب الطبقات الاجتماعية وكل ذلك من مسببات الهدم والتفكيك الاجتماعيين
انتشار التطرف والتعصب: يروّج نظام الملالي للتعصب الديني والعرقي بسبب افلاسه السياسي وقد أدى ذلك إلى انقسام المجتمع الإيراني ونشر الكراهية فيه، وتوضح هذه الأمثلة وغيرها كيف سمم نظام الملالي الفطرة النقية للمجتمع الإيراني.
نظام الملالي أداة خانعة بيد الغرب
يمكن القول إن نظام الملالي يعتمد على الغرب سياسيا نظرا لعدم شرعيته وتبعيته للغرب منذ قيام، ولولا الدعم السياسي الغربي للنظام لسقط نظام ولاية الفقيه منذ عقدين ونصف من الزمان على الأقل خاصة في ظل تخبطه الداخلي وقمعه للشعب وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والعزلة عن العالم، ووفقاً لهشاشة الملالي سياسياً داخل إيران فهم يخضعون لإملاءات الغرب وتوجيهاتهم وتحولهم إلى أداة بيد الغرب يعصفون من خلالها بالعرب والمنطقة، وقد كان خلق الملالي لأزمات في المنطقة آخرها أزمة أكبر دليل على ذلك.
الغرب والولايات المتحدة لا يخشون نظام الملالي ولا يقدم التنازلات
يمكن القول إن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لا يخشون نظام الملالي بشكل عام، ولكنهم يشعرون بالقلق من هذا النظام ويعتبرونه رغم خنوعه لهم تهديداً لأمنهم القومي ما لم يبقِ طائعاً منضبطاً تحت السيطرة ويرى الغرب أن إيران الملالي الدولة الغنية بالنفط لا يشكل برنامجها النووي المثير للمخاوف لدى العرب لا يثير مخاوفهم ولا يشكل لهم أي تهديد بل هو وسيلة لتركيع دول المنطقة وابتزازها ودفعها نحن التهافت على سوق السلاح، وما دام مفتاح الملالي بيد الغرب فلا مخاوف غربية من البرنامج النووي للملالي ولكن الخوف قد يكون من البرنامج التسليحي أكثر من البرنامج النووي بسبب تعدد مراكز القوى داخل النظام وانتشار أسلحته بأيدي المستهترين.
ما هي حقيقة موقف الشعب الإيراني مما يجري في فلسطين وخاصة في غزة؟
إن موقف الشعب الإيراني مما يجري في فلسطين وخاصة في غزة هو موقف تضامني بشكل عام، ولا خلاف بين الشعب الإيراني وبين الشعب الفلسطيني وإنما الخلاف مع النظام الإيراني وكذبه واحتياله وخداعه ومتاجرته المشينة بالقضية الفلسطينية، فالشعب الإيراني السجين في سجن كبير إسمه إيران يؤيد كفاح الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وإقامة دولة المشروع وعودة أبنائه من الشتات؛ هذا على الرغم من تشويه الملالي للقضية الفلسطينية في أذهان وأنفس الناس إذ يروا بأعينهم يسمعون بآذانهم أن كل هذا التطبيل والادعاء لدى الملالي بشأن فلسطين لا يطبقون منه شيئاً وهنا يشعر الشعب الإيراني بالخديعة والإحباط، وروابط الدين والتاريخ والإنسانية روابط قوية بين الشعوب.
وقد أظهرت العديد من الاستطلاعات أن غالبية الشعب الإيراني يؤيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة، وعلى الرغم من هذا التضامن الشعبي، إلا أن هناك بعض الأصوات المعارضة في إيران للموقف الرسمي الإيراني من القضية الفلسطينية. فهناك بعض الإيرانيين ومنهم ما يسمونهم بـ الإصلاحيين يعتقدون أن إيران يجب أن تركز على قضاياها الداخلية بدلاً من دعم القضية الفلسطينية.
ولكن بشكل عام فإن موقف الشعب الإيراني مما يجري في فلسطين، وخاصة في غزة هو موقف تضامني سليم ونقي بعيداً عن شعارات الملالي الكاذبة كعادتهم.
ليفانت - د. سامي خاطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!