-
العام الثاني عشر بعد الثورة السورية
أين الثورة؟ هناك مسد، ورغم احتفالها بالثورة هذا العام، ولكنها لم تكن جزءاً منها، والآن تحتفل، وهذا يستدعي التفكير بهذا الجديد. أين هي في مناطق هيئة تحرير الشام؟
خرجت مظاهرات قوية لتجديد العهد لها، ولكنها لم تنطق بكلمة ضد المشروع السلفي للهيئة، الهيئة التي اعتقلت وقتلت العشرات من الشباب المحسوبين على الثورة وبنت نظاماً استبدادياً دينياً.
إن صمت المحتفلين على ممارسات الهيئة، يشي بأن تلك الاحتفالات مصممة من أجل الهيئة، ولتعمية العيون عن ممارساتها، ولكن ورغم ملاحظتنا هذه، فأغلب الظن هناك جماعات كثيرة شاركت انطلاقاً من قناعتها بالثورة وأهدافها، والأمر ذاته سيتم في سوريا وفي المنافي. ملاحظتنا السابقة لا تتناقض مع الفكرة التالية: لا يمكن الاقتناع بالاحتفال في مناطق سيطرة الفصائل التابعة لتركيا، فهي مناطق تحتلها تركيا، وبنفس المقياس مناطق مسد؛ أيضاً هي تحت الاحتلال الأمريكي، وبالتالي لا يستوي القيام بالاحتفال دون التنديد بالاستبداد، ومهما كان، وباحتلالات، ومهما كانت أيضاً.
هناك جماعات سياسية كثيرة في المنافي، ستحفل بالذكرى، ولكن فعلها خارج الأثر! فلا أثر للاحتفال لاحقاً، بأية صورة من الصورة. أصدر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بياناً بالمناسبة، ولم يتضمن كلمة واحدة عن أخطاء المعارضة في تفشيل الثورة، وقد رمى سبب الفشل على النظام أولاً، وعلى المنظومة العالمية ثانياً؛ ولا كلمة عن أزمة المعارضة أو حتى عن الجهادية والسلفية والإخوان المسلمين.
الوقائع التي تتشكل وفقها سوريا الآن، والمقسمة إلى أربع مناطق، وشدة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وغياب الأفق نحو تسوية سياسية، يقول بأن ما حدث في 2011، لم ينتهِ أثره بعد، ورغم غياب الثورة بشكلها الشعبي، وبتنسيقياتها وقواها السياسية الثورية الأولى عن المشهد، فإن الوقائع تلك تشكلت بإثرٍ منها. إن آثار قوى الأمر الواقع، تتشكل بعكس أهداف الثورة في الانتقال الديمقراطي، والعدالة الاجتماعية ومبادئ المواطنة والنظام الديمقراطي.
لا معنى لتكرار القول بضرورة نقد ممارسات المعارضة، وحتى الثورة، فالواجب الثوري، أو النقدي، يقول، وبعد إحدى عشر عاماً، أن ذلك يُفترض أنّه تحقق. كل ذلك لم يتحقق، وكافة المراجعات النقدية، وهي كثيرة، لم تتحوّل إلى برنامج عمل! ويمكن إيجاد تلك المراجعات في قراءات المثقفين هنا وهناك، ولكنها ليست ضمن ميثاق أو رؤية أو برنامج لقوى معارضة أو ثورية، وتشكل تحالفاً، ويعمل من أجل الثورة.
إن وجود تلك المراجعات لا يعني الاتفاق معها، ولكن المشكلة الأكبر هي بإهمالها الكامل، ولقد أوضحت قبل قليل مضمون بيان الائتلاف، وإن ممارسات الأخير لا تخرج عن ممارسات قوى الأمر الواقع، وقد تجاهل كافة أشكال النقد، والاحتجاج عليه، وما يزال يرفض النقاش الجاد حول تلك الممارسات وكارثيتها بما يتعلق بالثورة والشعب السوري ومستقبل سوريا، ويرتهن في مواقفه لصالح الدول الداعمة له، وتحديداً تركيا، وهناك التدخل الخليجي الواسع، والذي ما زال خارج النقد أو التحليل الجاد.
سادت فكرة "ثورية" أكدت أن الثورة في مرحلتها الأولى تهدم، ووظيفتها الوحيدة هي ذلك. إن خطأ هذه الفكرة يتوضح من خلال أن الهدم لم يطل النظام، وتحوله إلى تابع لإيران أو روسيا، فالهدم طال كذلك الثورة ذاتها، وهُزمت في مناطق النظام، وفي المناطق الخارجة عن سيطرته، وهزمتها الدول المتدخلة عبر المال والسلاح وفرض سياسات معينة عليها، وهناك الدول العظمى التي جعلت سورية مقبرة للسوريين أولاً وللجهاديين ثالثاً، والأهم أنها عملت من أجل اجتثاث فكرة الثورة من وعي الشعوب، وأن كل ثورة سيكون مصيرها ما حدث في سوريا.
لم تتغير تلك الفكرة كثيراً بعد، ورغم كثرة التحليلات، وهناك قطاعات من المثقفين السوريين لم تحرث في هذا الحقل بعد، أي لم ترتقِ إلى ضرورة الهدم والبناء ووضع التصورات عن الثورة ومشكلاتها وآفاقها! وهناك من انتقل إلى القول إن الثورة ماتت، ويجب دفنها، كي نتحرر منها، وننتقدها، وكأنّه لا يمكن التحرر من الشيء إلا بموته! بالعموم الثورة أَسست لما بعدها، وللأوضاع الراهنة أيضاً، ومجمل الصراعات؛ المحلية والإقليمية والدولية على الأرض السورية، لعبت دوراً في ذلك، وهناك اتفاق بين المحللين، أن المسألة السورية أصبحت مسألة إقليمية ودولية بامتياز.
نعم لقد تجاوز الوضع مرحلة الثورة على النظام، وصارت سوريا نظاماً ومعارضة، وقوى الأمر الواقع مسألة خارجية. فقط القوى غير المرتهنة للخارج، من مناطق النظام والمعارضة والسوريين يمكنها العمل من أجل أوضاع أفضل. في العالم الثاني عشر ما بعد الثورة، الوضع السوري وفقاً لما ذكرت أعلاه بشكل عام، وبالتالي ما العمل إزاء كل ذلك؟
أولاً، يجب إجراء ورشة حوارية بين المثقفين السوريين، وبعيداً عن قيادات المعارضة، كما جرى في ندوة الدوحة مؤخراً، والخروج بتوصيات دقيقة حول الوضع السوري، نظاماً ومعارضة، والسوريين في المنافي.
ثانياً، يجب إسقاط الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة المكرّس، والمُصادِر لحق السوريين في إنشاء معارضة جديدة، تتشكل من شخصيات وطنية، بعيدة عن تهم الفساد والأفق الضيق، والتبعية للخارج وإيقاف المشاركة بمسارات أستانا أو جنيف قبل تنفيذ شروط محددة بعينها، وأولها الإفراج عن كافة المعتقلين، وتبيان مصير المفقودين، وكذلك يجب فتح ملفات الفساد بشكل جريء، وليس هناك من مسوّغٍ واحد لمنع ذلك، وقد حصل ما حصل للسوريين المعارضين، ولسوريا بعامةٍ.
ثالثاً، التمسك بالقرارات الدولية، كخلفية قانونية لمتابعة التفاوض مع النظام بغية انتقال سوريا نحو نظام جديد، يمثل كافة السوريين، باستثناء من ارتكب الجرائم، أو عليه تهم فساد ثابتة، وهذا يشمل النظام والمعارضة.
رابعاً، إبعاد أية جماعات تنطلق من خارج الإجماع الوطني، أكانت قومية أو دينية أو طائفية أو سواه، وأن تُنَاقَش قضايا القوميات والأقليات القومية باستفاضة، وبدقة، وبعيداً عن التعصب أو العنصرية أو أحقية القومية الأكبر، وهنا يجب إبعاد الإسلام السياسي كلية عن المشهد السياسي، وأيضاً كل طائفية أخرى، وبالطبع يجب مناقشة كافة أشكال الطائفية والتطييف.
هذه واجبات المثقفين، الحوار فيها أساسي بينهم. واقعياً، الأمور تزداد تدهوراً، وفي حال استطالة الحرب في أوكرانيا قد تزداد تعفناً أيضاً، فالدول المتدخلة ستتبنى استراتيجيات جديدة، إسرائيل وإيران وتركيا، وربما أمريكا. ولكن لنفترض أن الحرب انتهت سريعاً، فماذا سيتغير أيضاً، وقد صارت روسيا أكثر شراسة؟ وكيف ستتحاور الأخيرة مع الغرب بخصوص سوريا؟
عامٌ صعبٌ يواجهه السوريون. لا المعارضة معارضة، ولا النظام بنظام، والسوريون خاضعون لقوى الأمر الواقع وتطحنهم الأزمة الاقتصادية بعنفٍ مهول، والوضع الاجتماعي بغاية التدهور؛ وبالتالي أحد المخارج وفق ما ذكرنا. إذاً، لا معنى للاحتفال بالعام الجديد دون الانطلاق من رفض قوى الأمر الواقع ورفض الاحتلالات، ورفض النظام، كونه المسؤول الأول في عام 2011، والآن.
الثورة وفق 2011 انتهت ويجب نقدها بجرأة، حيث انتهت الأوضاع التي أنتجتها، فهل نعي الواقع، كما أصبح عليه، ونضع مهمات تناسبه، وتنقذ السوريين فعلاً، ولنقل هناك ضرورة للمساهمة في ذلك الإنقاذ، ولكن، هل هذا ممكن من أصله؟
ليفانت - عمّار ديّوب
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!