-
الصدام بين أوروبا وتركيا في الشرق الأوسط.. إلى متى يؤجل؟
يبدو أن الأوروبيين في حالة تخبط للتعامل مع تركيا التي تتدخل في شؤون عموم منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، إذ تتعارض تصريحات المسؤولين الأوروبيين مع مجريات الأحداث على الأرض، حتى بدت أقوالهم لا قيمة لها، في ظل استمرار الجانب التركي بسلوك ممارساته الرامية إلى تمكين تواجده في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقية، فتداخلت الأمور على شعوب المنطقة ما بين إن كانت أوروبا متحالفة سراً مع تركيا أم عاجزة حقاً عن ردع مخططاتها التوسعية.
ففي الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، قالت وزيرة الدفاع الألمانية أنها تريد أن تطلب موافقة مجلس الأمن الدولي على إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا، وأكدت كرامب كارينباوير في حديث لوكالة الأنباء الألمانية “د ب أ”، أنها نسّقت هذه المبادرة مع المستشارة أنغيلا ميركل، وستقدمها للحلفاء الغربيين خلال اجتماع حلف الناتو على مستوى وزراء الدفاع في بروكسل، في وقت ندد فيه مشرعو الاتحاد الأوروبي بالهجوم التركي الذي يستهدف إقامة ”منطقة آمنة“ في شمال شرق سوريا مما كان من المفرتض أن يمهد الطريق أمام فرض عقوبات مالية أوروبية جديدة على أنقرة، لا يبدو أن وجدت النور بعد، إذ بقيت في مجملها في إطار التصريحات الإعلامية فحسب.
تقويض مُحاربة داعش..
واتفق حلفاء الناتو في الخامس والعشرين من أكتوبر، على الحاجة إلى حل سياسي للصراع في سوريا، وأهمية حماية المكاسب التي تحققت في الحرب ضد داعش، كما رحّب الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ بالاقتراح الألماني الخاص بإنشاء منطقة أمنية وزيادة المشاركة الدولية في شمال شرق سوريا، وقال ستولتنبرغ: "من المهم أن نستمر في استكشاف جميع الوسائل لتحقيق حل مستدام على الأرض"، وهي أيضاً فكرة بقيت في إطار التجميد ولم تتحول إلى أي نشاط عملي، عكس المطامع التركية التي تمددت في الخريطة السورية وأمام أنظار العالم بأسره!
تهديدات دون جواب..
ولطالما هدّد رجب أردوغان مرات ومرات الاتحاد الأوروبي بفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين ما لم يحصل على الدعم المالي المطلوب لإقامة المنطقة الآمنة شمال سوريا، حيث قال في السابع والعشرين من أكتوبر: “لم نحصل على دعم لمشروعاتنا التي نطورها من أجل عودة 1-2 مليون لاجئ سوري كمرحلة أولى من 3 ملايين و650 ألف سوري لدينا، لن يكون أمامنا خيار آخر غير فتح الحدود أمامهم. سنفتح الحدود وسيذهبون إلى أوروبا”، وهي تهديدات لم تلقى أي إجابات فعلية عملية من الجانب الاوروبي الذي اكتفى مسؤوليه بالتنديد في وسائل الإعلام.
إماتة سريرية..
ولعل أكثر تلك التصريحات التي ذكرت آنفاً، كان ما صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في السابع من نوفمبر الماضي، عندما اعتبر أن حلف الناتو يعيش حالة “موت سريري”، مضيفاً أن الوقت قد حان لتحديد الأهداف الاستراتيجية للحلف، وقال لمجلة “ذي إيكونوميست” أن “ما نعيشه حالياً هو موت سريري لحلف الناتو”، ويعود السبب في ذلك إلى نقض الولايات المتحدة التزاماتها تجاه حلفائها في الناتو، وتصرفات تركيا العضو في الحلف، داعياً إلى ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية لأوروبا “وتحديد الأهداف الاستراتيجية للناتو”.
مواجهة أنقرة وواشنطن..
وفي الرابع عشر من نوفمبر، كشفت قناة العربية عن تفاصيل الخلافات بين الدول المشاركة في اجتماع التحالف الدولي ضد داعش اليوم, حيث تركزت على رفض عدة دول البيان الختامي الذي صاغته واشنطن والذي لم يشر بشكل مباشر إلى دور قوات سوريا الديمقراطية في محاربة داعش, كما أبدت تخوفها من تساهل واشنطن مع الأتراك، وقالت العربية نت أنها اطلعت على تفاصيل هذه الاختلافات في الساعات الأخيرة قبل وصول المشاركين إلى العاصمة الأميركية، وفي مقدّمة الخلافات الدور التركي في منطقة شمال وشرق سوريا.
المشاركون بحسب العربية ينظرون بريبة كبيرة إلى ما يريده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقد تسبب دخول القوات التركية في انقلاب الكثير من معادلات الدول المشاركة في العمليات الميدانية، خصوصاً بريطانيا وفرنسا، وقد قبلت الدولتان التوافق التركي الأميركي حول الشريط الحدودي، لكن لا ثقة لدى باريس ولندن بأن تركيا ستحافظ على الأمن في هذه المنطقة، فيما يرى الفرنسيون وباقي الأوروبيين أن تركيا ستفرض عليهم عودة عناصر من "داعش" بشروط أنقرة، وليس بشروطهم.
كما يرون أن الأميركيين تساهلوا مع الأتراك كثيراً لدرجة تسمح للرئيس التركي بـ"ابتزاز الأوروبيين"، أو أقلّه ممارسة ضغوطات عليهم، في وقت لا يريد الأوروبيون أن يروا أنفسهم في مواجهة مع واشنطن وأنقرة في آن واحد، وكان لافتاً بيان وزارة الخارجية الفرنسية التي أعلنت أن هذا الاجتماع جاء بناء على طلب باريس "بعد التطورات التي شهدها شمال وشرق سوريا في الأسابيع الأخيرة"، وأضاف البيان أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان سيؤكد أن "أي تصرّف أحادي يهدّد الإنجازات وهدف القضاء النهائي على داعش ويجب تحاشيه".
قمة الناتو..
خلافات انتقلت إلى قمة الناتو، حيث أعرب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في الثامن والعشرين من نوفمبر عن أمله في أن يناقش زعماء الناتو، خلال قمتهم بلندن، في 3-4 ديسمبر، التدخل التركي في سوريا، الذي وصفه بالمهدد لعمليات التحالف الدولي ضد “داعش”، وفي هذا السياق، أكد الرئيس الفرنسي، في كلمة نشرها موقع قصر الإليزيه، أن “التدخل العسكري الذي قامت به تركيا في شمال شرق سوريا قبل أسابيع طرح أسئلة جدية تتطلب الإجابة”، وأضاف ماكرون أنه يتمنى أن يناقش زعماء دول الحلف هذه القضية، بالإضافة إلى مشكلة أخرى تتمثل في مدى التطابق بين أنظمة “إس-400” الروسية المضادة للجو، التي اقتنتها أنقرة مؤخراً، والأسلحة التي يستخدمها الحلف.
إهانات للأوروبيين..
موقف دفع وزير خارجية النظام التركي مولود تشاوش أوغلو، للقول إن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا تهم، لأنه داعم للإرهاب، وذلك تعقيباً على تصريحات ماكرون، خلال مؤتمر صحفي مع أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ، والتي قال فيها إن تركيا لا يمكن أن تتوقع تضامنًا من حلفاء الناتو وفي نفس الوقت تشن هجومًا في سوريا.
فيما شن أردوغان في اليوم التالي، هجوماً حاداً على نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، داعياً إياه إلى فحص "حالة الموت الدماغي لديه" قبل أن يتحدث عن "موت دماغي للناتو"، وقال أردوغان، في كلمة ألقاها، تعليقاً على حديث الرئيس الفرنسي عن "موت دماغي للناتو": "السيد ماكرون، عليك أن تتوجه بنفسك إلى طبيب لفحص حالة الموت السريري لديك قبل كل شيء. أؤكد هذا من تركيا وسأتحدث عن ذلك خلال قمة الناتو المقبلة"، وتابع: "الحديث عن إخراج تركيا من الناتو أو إبقائها.. هل هذا من شأنك؟ هل لديك صلاحية اتخاذ هكذا قرارات؟"، وتابع التركي: "فرنسا تتجاهل حساسيات بلادنا في سوريا وتحاول في الوقت ذاته أن تجد لنفسها موطئ قدم في هذا البلد".
فيما استدعت الرئاسة الفرنسية السفير التركي في باريس على خلفية تصريحات أردوغان، وأكد مسؤول بالرئاسة الفرنسية، أن التجاوزات الأخيرة من جانب الرئيس التركي، ليست تصريحات بل إهانات، وتابع قائلًا: “نحن نتوقع توضيحاً من الرئيس أردوغان”.
وباستعراض تلك الاحداث وما يعقبها من أحداث، يمكن للقارئ التوصل إلى استنتاج عدم رغبة الأوروبيين في دخول مواجهة حقيقة مع تركيا ما دامت الأضرار والانتهاكات ليست مباشرة ضدهم، لكن يبدو أن الأتراك لن يتركوا الأوروبيين وشأنهم، بدليل تمددهم في البحر على حساب قبرص واليونان، وهو ما يعني أن المواجهة التي تسعى أوروبا إلى تأجيلها، ربما تفرضها تركيا مستقبلاً ومن موقع سيطرة أقوى.
ليفانت-خاص
متابعة وإعداد: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!