الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الشمال مكسر عصا ودرعا ظهرها للحائط
غسان المفلح

بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية بتاريخ 30 سبتمبر 2015. ابتداءً من سبتمبر 2015، عززت روسيا حضورها العسكري في سوريا بموافقة أمريكية. بعدها بعام ونيف تم الهجوم الروسي على حلب، في فبراير 2016، مما أدّى لانسحاب الجيش الحر منها. قبلها كان الطيران الروسي يقصف العديد من المناطق التي كانت خارج سيطرة الأسد، وسريعاً اتّضح تغيّر نوعي في ميزان القوى لصالح روسيا والأسد وميليشيات إيران.


خلال المفاوضات من أجل انسحاب الجيش الحر من حلب، والضغط الروسي والضوء الأخضر الأمريكي، كتبت: إن الروس يتعاملون وفق مبدأ اقتل ودمر ثم طالب، متنقلاً من منطقة محررة إلى أخرى، بتنسيق مع إيران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى. كان من الواضح أنّ أوباما خلال تلك الفترة قد قرر تسليم جزء مهم من سوريا للروس، بحيث يحجم بقية الأدوار الأخرى، كالدور التركي والخليجي.


وهذا ما حصل. هذا القرار لم يكن وليد تغير في السياسة الأمريكية قام به أوباما، كي ينتهج نهجاً لا تدخلياً بالمعنى العسكري، كما كان يرى وما يزال بعض المحللين، أو ما روّج له لاحقاً أنّه عقيدة أوباما. يتناسى هؤلاء أن أمريكا لا تحتاج لتدخل عسكري في سوريا. كان يكفي أن تضع العلم الأمريكي على أي منطقة منها فلن يتجرّأ أحد على الهجوم عليها. هذا الفهم لعقيدة أوباما هو فهم الغاية منه تبرير السياسة الأمريكية في سوريا. هذه السياسة التي أسست للجريمة الأسدية وتأهيلها معاً. لن أذهب بعيداً. أمريكا تسيطر على الجزيرة السورية، المنطقة الأغنى في سوريا، والتي تقدّر مساحتها بثلث سوريا تقريباً، بأقلّ من ألف عسكري.


بدأت منذ التدخل الروسي نيابة عن أوباما، تتساقط المناطق المحررة واحدة تلو الأخرى. حيث استطاع الجيش الحر والفصائل الأخرى السيطرة على أكثر من 60% من سوريا. كلما سقطت منطقة يتفاوض الروس على منطقة أخرى بحجة خفض التوتر. كان من الواضح أنّ الملف أراده أوباما بين أمريكا وروسيا وجوائز ترضية لحليفته إيران ولخصمه في سوريا آنذاك، تركيا، التي خرجت عن النسق الأوبامي محاولة كسب المزيد من الأوراق، وكانت ضد التدخل الروسي أيضاً.


كان من الواضح بعد إسقاط الطائرة الروسية 2015، ومحاولة الانقلاب العسكري في تركيا 2016، أنّ أوباما يريد تحييد تركيا أو على الأقل، إعطائها جائزة ترضية هو يحددها. فما كان من تركيا إلا الرضوخ. هذه السياسة الأوبامية أسست لكي ينظر العالم إلى سوريا من زاوية قمم بوتين مع رؤساء أمريكا. هذه القمم لا تحضرها لا إيران ولا تركيا ولا أي دولة عربية معنية بالملف السوري. ملاحظة أخرى، روسيا تستطيع مهاجمة مناطق التواجد التركي، وتحاول أيضاً تخفيف الحضور الميليشياوي الإيراني في بعض المناطق، لكنها لا تجرؤ أبداً على الاقتراب من مناطق تواجد العلم الأمريكي أو البريطاني في التنف السورية على حدود العراق. رغم الفارق في التعاطي الروسي بين إيران وتركيا. جاء ترامب ليعطي تركيا جائزة ترضيتها، ويعزز الحضور الروسي في بقية المناطق خارج الجزيرة السورية. لكن هذه الجائزة التركية بقيت الحلقة الأضعف في اللوحة. حيث تحولت خلال الأعوام الأربعة المنصرمة إلى مكسر عصا، لتجاذبات روسية تركية، وأمريكية تركية، وروسية أمريكية. كل مرة نجد معركة في تلك المنطقة تخسر تركيا فيها، وتربح في مناطق أخرى. حيث عفرين ورأس العين وتل أبيض كانت على حساب خان شيخون وسراقب لاحقاً.


ما تزال تلك المنطقة مكسر عصا كما قلت. مرشحة لرفع التصعيد بدلاً من خفضه. كلما أراد الروس تحريك الملف لسبب ما، يتجهون للهجوم على تلك المنطقة. عندما يكون الأمر هادئاً على التنسيق التركي الروسي، تتجه روسيا لمناطق أخرى. الآن درعا المحاصرة منذ أسبوعين تقريباً، يريد الروس الدخول لها، محاصرة من ميليشيات إيرانية وجيش الأسد، بين التهديد والوعيد. حيث نجد اللوحة في سوريا الآن كالتالي: إذا كانت منطقة الجزيرة تحت العلم الأمريكي وقسد والتجاور مع المربع الأمني الأسدي، وإذا كانت بعض مناطق الشمال التي تسيطر عليها تركيا تعبير عن وزن تركيا الدولي في الملف السوري، فإنّ درعا وأهلها ظهرهم للحائط منذ اللحظة الذي رفع ترامب يده عن المنطقة الجنوبية، وفرض ذلك على الأردن أيضاً. وأرادت إسرائيل عودة الأسد وروسيا وإيران إليها. أهلنا في درعا أي كلام آخر تسمعونه لا قيمة له. أتمنى أن أكون مخطئاً.


درعا البلد التي عقدت اتفاقاً مع الروس كبقية المنطقة، يريد الروس الآن خرق الاتفاق. وتهديد أهل درعا بالميليشيات الإيرانية، كما جاء على لسان الجنرال الروسي أسد الله.


كما بدأت القوات الروسية المنتشرة في محافظة درعا (جنوب سوريا)، بتغيير نهجها تجاه الأهالي والفصائل التي أبرمت اتفاق مصالحة مع النظام برعاية موسكو. وعملت روسيا خلال السنوات الماضية على لعب دور الوسيط بين فصائل المعارضة والأهالي من جهة، وقوات النظام من جهة ثانية، حتى جاء طلب الجنرال الروسي "أسد الله" من "لجنة درعا البلد" تسليم السلاح الفردي الذي بحوزة أبناء المنطقة مقابل إخراج الميليشيات المحلية، الأمر الذي قوبل بالرفض بشكل فوري.


رفض الأهالي تسليم سلاحهم، ما تسبب بإطباق قوات النظام حصارها الكامل على منطقة درعا البلد بعد إغلاق الطرق الرئيسة المؤدية إليها، كخطوة روسية وصفت من قبل النشطاء بـ"الانتقامية". ومع بداية الحصار، عملت الطائرات الحربية الروسية التحليق على علو منخفض في أجواء مركز محافظة درعا، كرسالة موجهة لأهلها بتنفيذ عملية عسكرية ضدهم في حال عدم رضوخهم للطلب الروسي. هذا ما يجري لدرعا التي ظهرها للحائط في هذا الوقت الأمريكي. درعا التي هي مهد ثورة السوريين، في آذار 2011، من أجل كرامتهم وحريتهم، والتي حولها أوباما لمقتلة.


غسان المفلح


ليفانت - غسان المفلح

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!