-
الشراكة لا تتضمن التطبيع مع النظام السوري
استعجَل باحثون وكتاب كثر بقول التالي: إن أمريكا تنحسب مع الشرق الأوسط لمواجهة الصين، وبالتالي هي بطور الانسحاب من العراق وسوريا، والبعض غامر بالقول إن أمريكا تسلّم إيران المنطقة، إضافة لإسرائيل وتركيا وروسيا.
الاستعجال السابق يتضمن مفهوم الشراكة، وبالطبع تعني أن هناك أطرافاً متساوية في عقد الصفقات أو فسخها، وهذا غير صحيح، فأمريكا ما تزال القطب الأقوى عالمياً، وإن كانت الأقطاب القوية تحاول الوصول إلى تعددية قطبية، وقطعاً ليس منها إيران أو تركيا أو حتى إسرائيل. لا شك أن الانسحاب الأمريكي، وتسليم حركة طالبان أفغانستان، يثير شهية الاستنتاجات السابقة، وهنا من الضرورة التدقيق في المواقف المتعددة لأطراف الإدارة الأمريكية، والتي رفضت ذلك الانسحاب، وكذلك في إيقاف التصريحات العبثية عن انسحابٍ تالٍ من سوريا على غرار أفغانستان، وهناك ضغط إسرائيلي وخليجي لجهة إيقاف تلك الفوضوية، والعودة إلى سياساتٍ أمريكية أكثر صلابة إزاء إيران وروسيا وإشكاليات المنطقة بعامة.
خَفَتَ حديث الانسحاب، وكثرت التصريحات الأمريكية المناهضة لإيران، وهناك المناورات في الخليج العربي مع إسرائيل والإمارات، والتشدّد إلى جانب الكاظمي في العراق، وبخصوص سوريا أُعلِن بوضوحٍ شديدٍ رفض التطبيع، وكرّر الاتحاد الأوربي ذلك، وبالوقت ذاته حذّرت أمريكا الإمارات من علاقات عسكرية واسعة مع الصين.
تكثر التحليلات بخصوص "إعادة" الاتفاق النووي مع طهران، وشروط الأخيرة للعودة إليه، ومنها إنهاء الحصار وإلغاء العقوبات، وهذا قبل العودة للاتفاق، وخلاله يحكى عن اعتراف أمريكا وأوروبا بالموقع والنفوذ الإقليمي لإيران! قطعاً لا يمكن لإيران أن تحوز على هذه الشروط من أمريكا، فالأخيرة ليست دولة خاسرة لحرب مع طهران، وتعترف لها بتلك الشروط.. لا، إن أوهام الحرس الثوري في طهران والمؤيدين له يبالغون كثيراً في ذلك. إنّ إيران تجاوزت بعد 2003، وبعد وصول أوباما للحكم، حدودها الطبيعية، وفرضت حضوراً إقليمياً مرفوضاً عربياً، ومن تركيا وإسرائيل، وأية اتفاقيات بين طهران وواشنطن لا يمكنها تجاهل مصالح الدول المذكورة. إنّ الحراك الإماراتي مؤخراً بين دمشق وعمان وأنقرة يستهدف تقوية مصالح دول المنطقة وإعادة إيران إلى حجمها الطبيعي، والتحرّك الإماراتي هو رسالة موجهة إلى واشنطن، بأن دول المنطقة تريد تحجيم إيران، وهناك الموقف الإسرائيلي المتشدّد إزاء طهران؛ تسليح وحضور إقليمي، وتحديداً بخصوص التطور النووي الكبير، والذي يشار فيه إلى وصول طهران إلى إمكانية إنتاج سلاح نووي.
تتحرّك دول المنطقة تجاه النظام السوري ضمن سياسة اختبار الموقف الأمريكي، فهي لا تعلن تطبيعاً كاملاً، ولا تتقدّم بمشاريع اقتصادية ذات معنى؛ إن كافة أشكال الحراك الدبلوماسي والاقتصادي تجاه النظام السوري ضعيفة وهامشية وليست قادرة على تعويمه أو إنقاذه من أزمته العميقة، وبالطبع كافة تلك الأشكال غير مرفوضة من قبل موسكو، والتي ورغم تزايد خلافاتها مع طهران وتخوفاتها من الحراك الإماراتي، ما تزال تحاول تعويم النظام بالالتفاف على القرارات الدولية المحدِّدة لشكل التعويم، وعبر تغييره أو الوصول إلى صفقة سياسية روسية أمريكية. هذا يعني أن التعويم المذكور ليس بذي قيمة حقيقية، ولكن الحراك الدبلوماسي العربي وبالعلاقة مع دمشق، يوضح أن الوضع السوري أصبح يقتضي تغييراً ما، ومدخله بالضرورة الحوار الروسي الأمريكي، وهذا ما يزال يتعثّر.
إن مفهوم الشراكة الأمريكية عالمياً، يقتضي من الروس أن يتقدموا بصفقة سياسية، وهذا الأمر يتم عبر شروطٍ تبدأ بطرد إيران عسكرياً وتغييرات كبرى في النظام السوري، وحينها يتحقق الاستقرار ومصالح دول المنطقة، ومنها الخليج وتركيا خاصة. إن أمريكا لا تستعجل الحل في سوريا، ولن تُسلِّم سوريا إلى إيران، كما يتوهم تيار الممانعة أو المستعجلون في التحليل؛ إن أمريكا تبحث عن الاستقرار ودون شك تدعم الديكتاتوريات، ويستثنى من ذلك النظام السوري.
إنّ الوضع المعقد الذي وصل إليه هذا النظام، ومواجهته الدموية مع الشعب السوري، وملفاته الدولية الشائنة، تمنع تعويمه، لا كما هو، ولا عبر تغييرات بسيطة فيه، والأمر ينطبق على مواقف الاتحاد الأوربي تجاهه. إن دول المنطقة الدائرة في الفلك الأمريكي والأوربي لا تبالغ بدرجة التطبيع مع دمشق، والأخيرة لم تعد دولة وازنة في المنطقة كذلك، وعكس ذلك فقد أصبحت ورقة بيد روسيا أو إيران أو أمريكا.
إنّ السياسة الأمريكية لا تتغاضى عن مواقفٍ تطبيعيّة كبرى، ولن يستطيع الروس، ومهما اخترعوا من مسارات والتفافات على القرارات الدولية، وتفكيك المعارضة السورية من تعويمه، سيما أن الروس، ونتيجة العلاقات المتصاعدة مع إسرائيل، مضطرون إلى تهميش إيران، وبالتالي ستضطر روسيا، وقد هدأت أسباب الحروب في سوريا، إلى البحث عن صفقة ما، تنطلق من مصالحها ومن علاقتها مع إسرائيل وتركيا، وبالطبع ستتلاقى فيها مع أمريكا، وحينها سنرى أن كل حديث التطبيع كان أضغاث أحلامٍ، ليس أكثر. الفكرة الأخيرة تدفعنا للاستنتاج التالي: إن القراءة الدقيقة للوضع السوري لا تنطلق من موضوع التطبيع بل من الحالة المأزومة، والتي ليس لها من تجاوزٍ، وعليها تبنى السياسات والمواقف تجاه النظام السوري.
ليفانت - عمّار ديّوب
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!