-
الشخوص والمكتسبات في عقول السوريين
علينا حتى ندرك تلك العلاقة بين وهم الشخوص وحقيقة المكاسب أن نعود إلى الماضي الذي تم من خلاله الإحاطة بعقولنا وتوجيهها في نفق طويل لاخروج منه إلا أن نبلغ نهايته. هناك مقولة معروفة ومشهورة تقول "تعرف الرجال بالحق"، هذه المقولة التي من خلالها ندرك أنّ الحقائق تم استبدالها في العقل السوري ووضع مكانها مقولة أخرى تقول "يعرف الحق بالرجال"، ومن هنا كانت بداية الكارثة التي ما زلنا نعيشها ولا نهاية لها إلا بالخروج من هذا النفق وتحطيم قيود العقل التي كبلنا بها.
هذه المقدمة كان لا بد منها لتوضيح ما يحصل الآن على الساحة السورية من انقاسمات حول كل شيء.
لو أسقطنا ما ذكرناه على الواقع السوري لوجدنا أنّ طرف النظام يقول إنّ بشار الأسد يحارب الإرهاب ويحافظ على بقاء سوريا موحدة ذات سيادة، وبنظرة خاطفة لما هو حاصل، نجد أنّ بشار لا يملك حق الاعتراض على قرار نقل ضابط أو تعيين موظف، والأرض السورية باتت مشاعاً مباحاً يعبث فيه كل بغاة الأرض الذين استقدمهم، ليبقى في سدّة الحكم، وسوريا باتت شبه مدمرة كلياً. هذا دليل نعيشه ونقاسي عذاباته، فكيف تم برمجة عقول الأكثرية وصياغتها على الثقة بشخص محدد وتبرير كل إجرامه على أنّها فضائل؟.
ننتقل للطرف الآخر، الذي ثار على هذه العقلية ورفض صياغتها (كما قال)، لنجد أنّ كل جماعة أو فصيل أو تكتل يؤمن إيماناً مطلقاً بما يقوله ويمليه عليه من هم في سدة القيادة، والأمثلة أكثر من أن تحصى، ولكن أبرزها وأهمها، أنّ الوصول لدمشق لا يؤخره أبداً التواجد في ليبيا وأذربيجان. ولا نريد أن نتطرّق إلى قتال الفصائل وكل منتسب لها يؤمن أنّه يموت شهيداً، والمنتسب للفصيل الآخر سيذهب إلى جهنم، والعكس صحيح.
الحقيقة إنّ كل ما ذكرناه مقدمة لما يقسم آراء السوريين الآن، بين مؤيد بشدة، ومعارض بأشد، على ما يتم تداوله حول تشكيل مجلس عسكري يقوده العميد مناف طلاس.
الفئة الأولى تقول إنّ هذا الرجل هو المخلص الذي على السوريين الالتفاف حوله والسير خلفه، دونما أن يكون لأحد الحق في معرفة ماذا يمكنه أن يقدّم للسوريين (العقلية المبرمجة على تقديس الشخوص)، وهذا خطأ فادح وفاضح على الانصياع الكامل للعقل المبرمج.
والفئة الأخرى، ترفض هذا الرجل وبشدة (بغض النظر عن مدى التأثير في القرار)، وتبني رفضها على أنّه، قبل كل شيء، ابن وزير الدفاع الذي كان شريك الأسدين في دم السوريين، وهذا خطأ أفدح وأفضح.
التحدّث بموضوعية ومنطقية مرفوض عند العقل المبرمج، وعلينا أن ندرك أن ما سنقوله هو خروج عن المألوف والسائد، وهذا سيجعل العقول المصاغة بقالب محدد لا يناسب الكلام المنطقي مقاسها.
مناف طلاس هو ضابط سوري انشق عن النظام منذ البداية، وهو ليس كأي ضابط، لأنّه من قمة الهرم، والرجل وضح موقفه من إجرام التعاطي مع الثورة، عبر مقابلات ولقاءات منتشرة على مواقع التواصل، وموجودة في أرشيف القنوات. أما بالنسبة لأبيه، فإنّه لعمري ضرب من الغباء أن نبحث لكل شخص عن تاريخ أبيه، ثم نحدّد ونضع له التقييم، لأنّنا كسوريين كنا جميعاً نخضع لهذا النظام ونخدمه، كل منا في مجال عمله الذي كان موجوداً فيه.
لا أريد هنا التطرّق لتفاصيل وجزئيات، لأنّ الكلام بحاجة لمقال طويل لتفصيل كيف أنّنا نعيش داخل قفص تم تحديد مقاساته بدقة في تعاطينا مع الفكر. إذاً لنخرج عن إطار (نظرية العقل المصاغ والمبرمج)، ونقول كلمتنا الأخيرة: أنا كشخص سألت الرجل قبل أن أكتب على صفحاتي قبول أو رفض تواجده على رأس مجلس عسكري (بغض النظر على أنّه لا قيمة للرفض أو القبول أمام فروض الدول الفاعلة)، ولكن لأكون متصالحاً مع ما أقول وقلت له: مالذي يستطيع العميد مناف تقديمه للسوريين في ظلّ هذا التبعثر الذي يشتت أرجاء السوريين؟ وكان جوابه كالتالي: "نحن نسعى لخلق كيان مدعوم ومقبول عند كل السوريين، ومن خلاله نسقط بشار الأسد ونحيي المعتقلين من القبور (الزنزانات) ونحافظ على الدولة السورية موحدة ويعود كل السوريين إلى بيوتهم آمنين ومطمئنين، ويكون هناك إعادة هيكلة للجيش وقوات الأمن بشكل وطني حقيقي".
وأنا هنا أكرر ما قلته للسيد مناف، وأؤكد، إنّ كل سوري وطني شريف معك وفي صفك ويدعمك، وعلى كل من يقف بوجه هذه المكتسبات (وليس مناف طلاس) أن يجد طريقة ليفك قيود عقله، خصوصاً أولئك الذين يدّعون أنّهم قدوة لغيرهم، وأقول للجميع الأوطان لاتحررها العقول المحتلة.
ليفانت - عمار أشقر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!