الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
السياسي السوري وارتهانه
فيصل أبوزيد

سأستخدم هنا للسهولة كلمة /السياسي/ كمصطلح أعبّر فيه عن الذكر والأنثى معاً.


إنّ السياسي هو الشخص المهتم بشؤون المجتمع، والذي يتمكّن من قراءة الأحداث التي تحيط به بشكلها الصحيح، ويساهم في بناء القرار السياسي في المجتمع، وبالتالي التأثير على الطريقة التي تحكم المجتمع، كما أنّه الشخص الملزم بمراقبة أسس وسلوك التعامل في المجتمع ضمن الإطار السياسي العام، دون الخوض في خصوصيات الفرد، والمساهمة في بناء الخطط السياسية الكفيلة بضمان أمن العامة، والتي تقي المجتمع من خوض نزاعات وحروب داخلية أو خارجية. 


والسياسي الوطني الناجح هو الذي يستطيع صياغة هوية المجتمع وتحديد أولويات التعامل مع المحيط الداخلي والخارجي، ويضع الحقائق في متناول عامة الشعب، ويوجههم نحو الصواب انطلاقاً من مبدأ صيانة الحقوق والواجبات، وهذا بالتأكيد إذا كنا نتحدّث عن المفهوم العام للسياسي حسب المصطلح والمهام.


ولكن ماذا عن السياسي في الحالة السورية؟


لقد ارتبط وجود السياسي في سوريا، عموماً، بمجموعة من القواعد والقوانيين والمعتقدات الفكرية في الإطار التنظيمي الحزبي المقيد الذي ينشط فيه، وتقيّدت ممارسته للسياسة ضمن تلك القواعد الحزبية المؤطرة التي أفقدته قيمته السياسية والمجتمعية، وتحول إلى أداة حادة في خدمة الدفاع عن تلك الحلقة المغلقة من القواعد والقوانين والمعتقدات الفكرية، ولا يخفى أنّ بعضهم ارتهن لأجندات سياسية خارجية، غايتها تدمير البلاد وتشريد أهلها وتحقيق مطامع تلك الدول، سواء كانت تلك المطامع سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، أو ما إلى هنالك من أمور أخرى. 


ولا ننكر بأنّ السياسي السوري لا تنقصه الحنكة والمعرفة بخفايا السياسة المحلية والدولية وكواليسها، ولكنّه يتعمد في أغلب مواقفه التي يتبناها عدم المعرفة بتلك الخفايا وعواقبها، وذلك في سبيل كسب منفعة شخصية أو تسجيل موقف سياسي لإطاره الحزبي وفي أغلب الأحيان يكون لإرضاء أوليائه.


ما أثار حفيظيتي لكتابة هذه السطور اليوم، هو مجمل الأحداث الجارية في سوريا، في الفترة الآخيرة، وبالاخصّ الملفات الساخنة هذه الأيام، ومنها الملف الكوردي، الذي بات يزاحم كل باقي الملفات الأخرى على طاولة الأزمة السورية، وموقف بعض شركاء الوطن، من السياسيين العرب السوريين، من القضية الكوردية، وإنكارهم لحقّ الشعب الكوردي في تقرير مصيره، كباقي شعوب الارض، في الوقت الذي يطالبون هم أنفسهم بالحريات والديمقراطية والتغيير في سوريا.


فبدلاً من أن يساهم السياسي العربي في صياغة التفاهم الكوردي الكوردي المأمول، ويضعه في سياق خدمة الحلّ العام في سوريا، يتّهم البعض منهم الكورد بالإرهابيين والاستثمار في الأزمة السورية، ويتهجّم على ذاك التفاهم حتّى قبل صدور أي نتائج ملموسة عن الحوار الجاري، وذلك لتشتيت الرأي العام الشعبي، وحصر ذلك التفاهم في خانة اللصوصية والخيانة والانفصال، مع أنّه كل ما جرى ويجري هو مجرد تفاهم سياسي بين طرفين كورديين مختلفين أيدولوجيا لمحاولة إيجاد صيغة مشتركة لحلّ القضية الكوردية في سوريا ضمن حدود السيادة السورية لا أكثر، وربما لن يرتقي ذلك التفاهم الى مستوى الاتفاق مستقبلاً، وهذا ما لا نتمناه.


هذا ليس بغريب على البعض منهم، لأنّهم خريجو نفس المدرسة الشوفينية التي تخرج منها سادتهم في النظام الشمولي الحاكم، واللذين سخّروا كل قنواتهم الإعلاميّة إبان الانتفاضة الكوردية عام 2004م، في خدمة تشويه مطلب المنتفضيين الكورد، واتهامهم بالخونة والحثالة والزعران، ليمنعوا العامة من أبناء الشعب العربي من المشاركة مع شركائهم الكورد في انتفاضة الكرامة ضد حكمه الشمولي الجائر، للحفاظ على استمراريته في سدّة الحكم السوري واستعباد الشعب.


وعلى سبيل التوضيح لرأي بعض الساسة العرب، نستذكر ما كتبه البعض من المعارضيين السياسيين اللذين ارتهنوا لأجندات خارجية، يقول أحدهم: “في الوقت الذي يعاني فيه شعبنا العظيم من الفقر والجوع وشبابنا من البطالة و… يجتمع الأكراد لتقاسم أرضنا ونفطنا وثرواتنا، ويطالب الكتلة العسكرية داخل الائتلاف المعارض بالتحرّك ضد هذا التفاهم الذي أطلق عليه بأنّه اتفاق بين الإرهابيين”. 


وكأنّ الكورد هم سبب كل المصائب التي حلّت بالشعب السوري وهم من تسبّب باحتلال سوريا من قبل إيران وتركيا وروسيا وأمريكا و…


وسياسي آخر، كتب يخبرنا بأنّ الأكراد اتفقوا على الانفصال بقيادة الإرهابي مظلوم عبدي، وربما قريباً سيعلنون الانفصال، حسب رؤيته السياسية الثاقبة. حيث كتب: “في هذا الوقت بالذات نشهد اتفاقات كردية كردية، يقودها الإرهابي الجنرال مظلوم عبدي، والمسؤول الأمريكي المتواطئ معهم، وحزب الاتحاد الديمقراطي، والمجلس الكردي، ليتفقوا على نقاط، أقل ما يقال عنها، إنّها انفصالية واستفرادية بوضع الجزيرة السورية ومصيرها”.


من يقرأ تلك السطور، سيكتشف حجم المغالطة وعدم الموضوعية في رؤيته. إنّ هؤولاء وأمثالهم يستخفون بعقول الناس ويتاجرون بدماء العامة من أبناء الشعب، وكأنّ الشعب يعيش خارج الإطار الزمني، وبمعزل عن تكنولوجيا الاتصال السياسي والاجتماعي.


ماذا لو أنّ التفاهم الكوردي الكوردي تم بمشاركة المعارضة السياسية العربية الشريكة في الوطن، كمراقب وداعم في الحوارات التي جرت بين الطرفين وبالرعاية الأمريكية؟، هل تتخيلون حجم الدعم الدولي الذي كانت المعارضة ستتلقاها في الاستحقاق السوري؟ 


لقد ارتكب السياسي العربي خطأ فادحاً بمعاداته للمطالب الكوردية، وعدم المساهمة في بناء الثقة بين الأطراف السياسية الكوردية المختلفة، واتّباع أجندات خارجيّة لا تريد الخير لسوريا والسوريين، واعتقاده بأنّ أمثال السلطان العثماني المتجدّد، هو المهدي للسوريين، وخلاصهم من براثن الاستبداد.


فالمعارضة السياسية بحاجة الى حلفاء حقيقيين من السوريين في الداخل للاستعانة بهم والاعتماد عليهم في مرحلة التغيير والبناء، وليسوا بحاجة الى إقامة المزيد من العداوات مع أيّ مكوّن سوري. 


إنّ العمل السياسي لدى البعض من السياسيين السوريين، خرج من سياق إرشاد المجتمع والمساهمة في التحرير والتغيير المنشود، وأصبح مثار رغبة شخصية للحصول على مكتسبات مادية، سواء كانت فردية أو جماعية، أو أقلّه نصر سياسي معنوي، يمنحهم مجداً وحضوراً يتباهون به في محيطهم المريض المشابه لهم. السياسي السوري


ليفانت – فيصل أبوزيد   

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!