الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
السويداء.. من الانتفاضة إلى النموذج
نزار غالب فليحان

بخطىً ثابتة، ودونما تردد، وبإيقاع منضبط، وبتصاعد منطقي، أدارت السويداء محرك انتفاضتها عاقدة العزم على تحقيق ما قامت من أجله دون الالتفات إلى كل ما من شأنه تعطيل دوران عَجَلَتِها من انتقادات كانت تَرُدُّ عليها كل يوم بسلوك متمدن لا يخلو من الإبداع والابتكار حَدَّ الكرنفالية، حتى سقط في أيدي منتقديها الذين تحولوا إلى داعمين أو متابعين مترقبين أو صامتين في أقل تقدير.

فرأينا بيرق التوحيد يُرْفَعُ في الشمال السوري، ثم في ساحات العواصم الأوروبية والأميركية، لننتقل فيما بعد إلى اضطرار وكالات الأنباء العربية والعالمية بعد لأيٍ وترددٍ مقيتين إلى التعاطي مع الأمر على أنه جاد مستمر، ما اتضح في التغطية اليومية والدقيقة لكل ما يحدث في السويداء وتسخير منصات تلك الوكالات تالياً لشرح وتبيان كل ما يتعلق بالحراك من سلوك وأهداف وتطلعات ومن عزم على انتزاع الوطن من فك سراقه والمتاجرين به وواهبيه.

لتنتقل الانتفاضة فيما بعد إلى مرحلة التعاطي مع عواصم القرار التي رأت أن ما يجري في السويداء إنما هو حراك ثوري سلمي محق وعادل يعكس حقيقة الإنسان السوري، الحقيقة التي دأبت مافيات الأمن والمخابرات والكبتاغون المغتصبة للدولة السورية طمسها لتسويق أكاذيبها وتلفيقاتها بغية تقديم السوري إلى العالم على هيئة إرهابي ينبغي إبادته.

ومع مضي انتفاضة السويداء قدماً دون كلل أو ملل عبر تظاهرات يومية في كافة قرى وبلدات الجبل وعلى مدار الساعة وامتداد أيام الأسبوع صارت على إثرها حقيقة واقعة لا يمكن القفز عنها، بل إنها باتت عاملاً أساسياً بين عوامل الضغط ليس فقط على رأس الطغمة الغاصبة لسوريا بل على المواقف الرخوة للقوى العربية والإقليمية والدولية، ضغط باتجاه إسقاط الأول وإرغام الثانية على تصحيح بوصلتها وتوجيهها نحو العمل الجاد والمسؤول لدعم تحقيق حل سياسي يحرر سوريا ويسقط عروش طواغيتها.

لكن وقع انتفاضة السويداء كان أكبر وأثره أكثر عمقاً في كافة أرجاء الوطن السوري سيما في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الأسد، وقد تجلى ذلك من خلال النظر إلى انتفاضة السويداء كنموذج يمكن أن يُحْتَذى لإحداث فارق في المعادلات السياسية نحو فرض أهداف وتطلعات الثورة السورية من جديد، فرأينا على سبيل المثال إقفال مركز الائتلاف في الشمال في مشهد يوازي في شكله ونتائجه -بل يستنسخ- إقفال أبناء الجبل لمقار البعث "الأَبومُرْهَفِيَّة".

ولعل ريح انتفاضة السويداء كانت أشد وأسرع وصولاً إلى جاراتها في الجنوب، حيث بدأ الحديث عن تشكيل مجلس محلي لمحافظة درعا، يدعم ويدير حراكاً ثورياً يلتقي مع الحراك الثوري في الشقيقة السويداء، يضاف إليه التظاهرات اليومية في الجولان المحتل، وربما القنيطرة في القريب العاجل، دون غض النظر أو إغفال احتمال امتداد الانتفاضة إلى ريف دمشق وأحيائها القريبة لساحة الأمويين، بل وتشكيل تنسيقيات تخطط وتشرف على حراك مثيل.

إن جمرة الجبل التي آلت على نفسها أن تبقى متّقدة، بدأت تتدحرج إلى سهول ووديان وجبال وساحات الوطن، لتشعل الأرض تحت أقدام الطاغية الذي بات هيكلاً بلا دعامات، شبحاً بلا كيان، وَهْماً لا وجود له إلا في ظَنِّ العبيد، وظَنُّ العبيد بائس.

فهل حقاً سيستلهم السوريون اليوم فكرة انتفاضة السويداء كما تلقفوا فكرة انتفاضة درعا آذار العام 2011؟  

ليفانت - نزار غالب فليحان

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!