الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الإخوان السوريُّون.. محاولات محمومة للوصول إلى السلطة

الإخوان السوريُّون.. محاولات محمومة للوصول إلى السلطة
  عبد الناصر الحسين

لم يكن الانخراط المتأخر لجماعة «الإخوان المسلمين» في الثورة السورية إلا من أجل شيء واحد هو «الوصول إلى السلطة» فهذا هو همُّهم واهتمامهم ومنتهى آمالهم.


وبالمقابل، فإنّ لحظة إعلان انضمام الإخوان للثورة كانت لحظة ميلاد جديد للنظام السوري الأسدي، الذي استشعر قيمة تلك الهدية التي قدمها الإخوان له.


قبل اندلاع الانتفاضة السورية، بحثّ الإخوان المسلمون عن السلطة طويلاً، طارقين كل الأبواب الممكنة وغير الممكنة، كمثل مشاركاتهم البرلمانية المختلفة، ثم لجوئهم للعنف في ثمانينات القرن الماضي، ثم محاولتهم ركوب موجة «ربيع دمشق»، حين ألقى الناشط «علي العبد الله» كلمة للمراقب العام للإخوان «علي البيانوني» في «منتدى الأتاسي»، الذي سمحت سلطات الأسد له بالعمل دون سواه من المنتديات الأخرى ليتمَّ إغلاقه واعتقال «العبد الله» على إثرها في مايو 2005، وينهي ما تبقَّى من ربيع دمشق.


وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، راجت كلمة «الديمقراطية» كثيراً في الأوساط السياسية والإعلامية، على اعتبار أنّ «الولايات المتحدة الأمريكية» شرّعت في «دمقرطة المنطقة»، فسارع «الإخوان المسلمون» لالتقاط الفرصة، فطرحوا عام 2004 وثيقة «المشروع السياسي لسوريا المستقبل» معلنين الطلاق مع فكرة «الاستقواء بالخارج» ومع العمل العنفيِّ كوسيلة للوصول إلى السلطة.


لم يكن صدفة عزف الإخوان المسلمين على وتر الديمقراطية، فبعد الإنذار الشديد الذي حمله وزير خارجية أمريكا «كولن باول» إلى «بشار الأسد»، ساد اعتقاد لدى كثير من المراقبين، ومنهم الإخوان، أنّ القادم هو إسقاط «نظام الأسد» عسكرياً، على غرار ما حدث في العراق، فراحوا يتحدّثون عن الديمقراطية مسترجعين تجاربهم القديمة، مما مهَّد لهم الطريق ليكونوا أحد أركان «إعلان دمشق للتغيير الوطني» عام 2005، الذي سرعان ما حطَّمته «جدلية التدخل الأجنبي» لإسقاط النظام السوري.


يبدو أنّ الإخوان المسلمين يئسوا من احتمالية التدخل الخارجي لضرب مفاصل النظام، وخاصة بعد أن ساعدته بعض الدول في كسر عزلته الدولية، التي فرضت عليه بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان «رفيق الحريري»، مما دفعهم لمغادرة «إعلان دمشق».


كانت «حاسة الشم» قوية جداً لدى تنظيم الإخوان، لدرجة أنّها قادتهم إلى المعارض المنشق «عبد الحليم خدام»، فظنوا أنّه يمتلك بعض مفاتيح «الشيفرة السلطوية» حين سمعوا أنّ الرجل محتضن من بعض الدول الأجنبية التي قد تملك شيئاً من قرار سوريا، أو هكذا توهموا، فسارعوا للدخول في تحالف معه فيما أُطلِقَ عليه اسم «جبهة الخلاص الوطني» عام 2006، ليكتشف خدام أنَّ الإخوان ليسوا إلا طلَّاب سلطة، ولا مشروع وطنيَّ لديهم، فانكمش منهم لما رآهم كذلك، وانكمشوا حياله لما رؤوه فاقداً لصندوق الدنيا، قبل أن يغادروا تحالفهم مع خدام الذي جرَّ عليهم انتقادات كثيرة، عام 2009.


ولأنّهم لا يخجلون من التاريخ ولا يتحرجون من آلام الشعوب، استمرّوا في نضالهم «الممحون» نحو السلطة، ولو من بوابة «نظام بشار الأسد» نفسه، فكانت لهم محاولات لطرق باب «الرئيس الشاب» كما يحلو لـ«زهير سالم» تسميته. لكنهم فشلوا رغم زخم الوساطة التركية وتوسط «حركة حماس»، حيث اشترط عليهم الرئيس الأسد في إحدى «جولات الاندحاش» أن يعترفوا بمسؤوليتهم عن «أحداث حماة» عام 1982.


ثم رأى الإخوان أنّ حرب إسرائيل على غزة 2008 قد تصلح كمدخل للتقرّب من النظام، باعتبار المشاعر مشحونة عاطفياً مع «القضية الفلسطينية»، الأمر الذي يثبت باستمرار جهل الإخوان بالسياسة وبالخصم الذي ينازلونه، فكان بيانهم عام 2009، الذي أوقف نشاطاتهم المعارضِة للنظام على ندرتها أصلاً.


وظلّ الإخوان المسلمون يكررون تلك المحاولات البائسة حتى تاريخ اندلاع أحداث الثورة السورية، التي تأخر إعلان انخراطهم بها قرابة الشهرين، على أمل أن يتوارد إليهم ردّ من النظام «يجبر خواطرهم المنكسرة» ليغنوا عندها أغنية «رقّ الحبيب».


دخل الإخوان في الثورة السورية مزاحمين الجميع على قيادتها، وكأنّهم هم الذين أطلقوها، ولم يكن أصلاً بوارد أحد الحديث عن السلطة، قبل أن يجعلها الإخوان مغرماً، ويشيعوا تلك «الموضة» السيئة. بالضبط لقد جاء لإخوان من بعيد، ليأخذوا الصدارة ويهمشوا جميع القوى الثورية، إلا تلك التي تبايعهم، وتواليهم، فأمسكوا بكل مفاصل الثورة، على الرغم من انكشاف فضائحهم في ملفات الفساد والسياسة والإعلام، وعلى العكس من ذلك تماماً فهم يزدادون تشبثاً بمناصب المعارضة رغم قرف الناس منهم، فيكفيهم أنّ «دولتي الإخوان» تركيا وقطر معهم.


ليفانت –  عبد الناصر الحسين

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!