-
ابن الدكتاتور شاه إيران المخلوع يخرج عن الأصول والخطوط الحمراء
-
قوى العالم الحر تدعم إزاحة الدكتاتورية ومخلفاتها في إيران وإنهاء قرابة قرن من الابتزاز الإقليمي
قراءة في تجمع وتظاهرة ومسيرة الإيرانيين في باريس الأحد 12 فبراير 2023
فارقٌ كبير بين من يُحسب على دولة لا ينتمي فيها إلا لسلطان ليس له، وجبروت استعبادي، وامتيازات قائمة على السرقة والنهب والطغيان والاستبداد والدم والبربرية والتبعية الرخيصة.. تبعية لم تستطع أن تكون له مأوى في شدته، وإذا كان هذا هو حال الشاه المخلوع الذي خلع الروس والإنكليز أباه ونفوه في حينها وقبل هو أن يجلس محل أبيه المخلوع المنفي؛ إذا كان هذا هو حال الدكتاتور المخلوع عام 1979 الذي جلس على عرش أب مخلوع فما بالكم بابن المخلوع الأخير الذي ورث تلك القيم جينياً وسلوكياً عن أبيه وجده ورحل صبياً عن إيران عام 1979 حيث لم يعرف فيها سوى القصور والترف والبذخ والمجون الذي نقلوه بنفس المستوى إلى المنفى. رحلوا بعد أن طفح كيل الشعب من إجرامهم وأفعالهم الشنيعة.. ماذا ستنتج هكذا عائلات متجبرة لا تنتمي إلى تاريخ ولا قيم ولا موروث اجتماعي، ولا يعنيها من إيران سوى الشهوات؟
أيها القارئ الكريم وشريك الفكر والقيم، لنتذكر معاً ونعلم ونُعلم من حولنا ومن بعدنا أن كل شيء في هذه الحياة الدنيا دين واجب السداد على كل من فيها.. اللطف والمحبة والخير بين الناس دين واجب السداد، والشر والاستبداد وسلب حقوق الغير والقتل والظلم دين واجب السداد، وفي حينه سلب رضا بهلوي المُلك من القاجاريين بمساعدة الروس حيث كان موالياً لهم وأسس الشاهنشاهية البهلوية واستبد فجاء الروس أنفسهم بالتعاون مع الإنكليز وخلعوه وسلبوا منه الملك وأعطوه لابنه الذي ارتكب بهذا القبول جرماً شنيعاً لا يتسع المقال لشرحه.. وهل يُنصف بشعبه من أجرم بحق أبيه لم ينصف فطغى وتجبر وقتل وشرد وسجن وعذب وفاح طغيانه فوصل حتى إلى دول الجوار حتى بات الناس يسمونه بشرطي المنطقة، ثم يأتي عدل الله عدل من يمهل ولا يُهمل فيقع عليه وعلى أعوانه ومن سانده كالصاعقة صاعقة الثورة ثورة فبراير عام 1979 فهرب هو وعائلته محملين بثروة ضخمة من المال العام الإيراني انتقلت معهم إلى المنفى، ثم يكتمل عدل الله فيعيش الشاه المخلوع منفياً في بلد وعائلته وأبناؤه وأهله في بلد أخرى كما عاش أبوه من قبل ومات منفياً في جوهانسبيرغ بجنوب أفريقيا، وبينما حصل رضا شاه الأب على قبر في وطنه لم يحصل الدكتاتور محمد رضا شاه الابن حتى على قبر في إيران والسبب هو الدين الذي ما يزال يتمم سداده .. وما زال التاريخ يذكر قوله (من لا يعجبه الحكم في إيران مكانه السجن أو يغادر إيران إلى الأبد)، وهنا كيف سيتعامل ابنه، ابن الشاه المخلوع، مع الشعب الإيراني إذا فرضه الغرب عليه؟ ماذا سيفعل من نبت على الطغيان والاستبداد والبغي والظلم ولا علاقة له بتاريخ ولا تراث ولا قيم ولا موروث واستمر بحياته خارج إيران مترفاً ماجناً منعماً وبفكر نمطية حكم أبيه يريد العودة إلى إيران طاعناً في ثورتها من منفاه مستهيناً بهوية شعبها وتراثه وموروثه وأسمائه وقيمه وعقائده مفترضاً أن حياة المجون التي يعيشها ثوابت يجب على الإيرانيين اتباعها، ومن منفاه يعترف على نفسه أنه طاغية على نهج أبيه والولد على سر أبيه، كما قالت العرب، وينتقد الحجاب عند سيدات وبنات المجتمع الإيراني، ومنهن النساء في منظمة مجاهدي خلق التي كانت وما زالت معارضة لأبيه ومن خلفه وكل من يريد أن يتخطى الخطوط الحمراء للقيم والثوابت العامة وقد أجابته السيدة مريم رجوي على كلامه خير جواب، بما معناه إذا كنت تريد فرض خلع الحجاب بالإكراه كما فعل أبوك فهذا أمر غير مستغرب.. وقد مارس خميني ثقافتكم ثقافة الإكراه من بعدكم حيث فرض الحجاب بالإكراه.. أنتم تفرضون خلع الحجاب بالإكراه والملالي يفرضون الحجاب بالإكراه، وقد ذكرته السيدة رجوي فيما إذا كان يريد أن يتكلم عن حقوق المرأة مذكرة إياه بالنساء اللواتي تعرضن لأبشع صور التعذيب وقتلوا على يد شرطة أبيه السرية (السافاك). ومن بين النساء اللائي قُتِلن بهذه البشاعة شقيقتها، أما نساء مجاهدي خلق المحجبات فيقدن أكبر مؤسسة سياسية إيرانية معارضة أصيلة بجانب أشقائهن من الرجال وينتمين إلى هوية تاريخية وقيم وجذور اجتماعية عميقة وأصيلة، وفكر حر تحرري يتيح الخيار لكل فرد بالمجتمع في اختياراته وهو ما لم تعرفه الدكتاتورية المخلوعة والدكتاتورية الموشكة على الخلع.. وقد أجابه أيضاً أحد القادة الكبار في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية السيد مهدي أبريشمجي في جزءٍ من خطابه قائلاً (من يتكلم عن حقوق النساء فليعطِ حقوق شقيقاته أولاً وينصف بحقهن)، وأنا أُجزم بأن الظلم والإجحاف طبيعة بشرية يمارسها الفرد على غيره حتى ذويه وخاصته، ويبدو أن بعض الاهتمام به قد أنساه التاريخ القريب، وأنساه أنه لا مكانة ولا مقام عند الشعب الإيراني لمن يستخف بقيمه وتاريخه وثورته ثورة فبراير التي خلعت أباه ونظامه الدكتاتوري.
التجمع والتظاهرة والمسيرة في باريس
هو تجمع لأنه جمع الإيرانيين في منفاهم بفرنسا ومن دول أوروبية أخرى، أما قاطنو باريس فقد حضروا وأطفالهم في ذلك البرد الشديد، حضروا أطفالاً وصبياناً وشباباً ومسنين.. حضروا نساء ورجالاً، صغاراً وكباراً، ومن كل مكونات الشعب الإيراني.. حضروا ملبين نداء المقاومة الإيرانية للتصدي لكل من يتآمر عليهم وعلى ثورة فبراير 1979 وعلى انتفاضتهم المجيدة الجارية المتأججة منذ خمسة أشهر، والوقوف بوجه مطالبهم وشكل مستقبلهم التي دفعوا من أجلها دماء عشرات الآلاف من خيرة أبناء بلدهم، شهداء قدموا أنفسهم بهاء وقيمة لأوطانهم وشعبهم، ويرفع أبناؤهم وأحفادهم اليوم لواء المسيرة بتضحية وفخر وإقدام.
لم تغب قوى أوروبا والعالم الحر عن هذا التجمع إذ شاركت فيه شخصيات عالمية مرموقة من عدة دول وألقوا كلمات تشيد بالشعب الإيراني وثورته وصموده وبالمقاومة الإيرانية وكافة القوى الوطنية الإيرانية الأصيلة المعارضة ذات الشرعية والجذور العميقة، كما كانت إدانة المتحدثين في كلماتهم لعدم موافقة الاتحاد الأوروبي على وضع حرس وميليشيات خامنئي على قائمة الإرهاب وإدانتهم لمحاولات وأد مشروع الحرية من أجل إيران وفرض فلول الدكتاتورية البغيضة البائدة معتبرين هذه المحاولات هي مساعٍ لإنقاذ لنظام الملالي الإرهابي، وهنا يتبين من خلال تلك المواقف الحرة أن العالم اليوم منقسمٌ على ذاته إلى شطرين (أغلبية حرة صادقة ترى أن نظام الملالي إرهابياً ولا بد من زواله وإقامة نظام ديمقراطي يمثل الجميع ويحترم الحريات ويلتزم بمبادئ حسن الجوار، ومبادئ الأمن والسلم العالميين، وأقلية أخرى متنفذة تمثل تيار المهادنة والاسترضاء، تريد استمرار مشروع الدكتاتورية في إيران لتستمر مصالحها، ويستمر مشروع الابتزاز لدول المنطقة واستنزاف ثرواتها ومقدراتها وكسر هيبتها)، ولم نبنِ رأينا هذا على كلمات المتحدثين فقط بل على الموقف الرسمي داخل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة أيضاً، وليس هذا الانقسام بجديد لكنه ظهر على سطح المشهد الدولي مؤخراً بوضوح.
كانت تظاهرة كبيرة مهيبة وكل من حضر فيها ترى فيه حضوراً لرفض كل من تظاهر عليهم وعلى شرعية وجودهم وفكرهم ومطالبهم والوقوف في وجه من يريد أن يحيي الدكتاتورية المدفونة ليعظموا بها شأن دكتاتورية الملالي المشينة ضمن مسعى للقوى المتآمرة لتستمر السلطة في إيران للمتسلقة والطفيلين وتستمر مصالح وامتيازات المهادنين. كانت تظاهرة من أجل إيران بكل مكوناتها، بكل آمالها، وقد كانت المشاركة في التظاهرة كبيرة جداً ونوعية وشاملة.
كانت انطلاقة المسيرة بعد نهاية الكلمات مهيبة، وكانت الشعارات الموجهة فيها هي نفس الشعارات التي رددها الثوار على أرض الشارع في عموم أرجاء إيران، وسار المتظاهرون بنظام وتهذيب ورقي احترموا حق الشارع، حق الغير، وأوضحوا بحق مدى شرعيتهم ورقي رسالتهم ولم يعطلوا شكلاً من أشكال الحياة ولم يخالفوا القوانين.
رسالة ورد حازم على الخذلان
رسالة ورد صلب على مؤامرات نظام الملالي وقوى المهادنة والاسترضاء المساندة والتي لا يتعارض موقفها بإسناد ملالي إيران مع شعاراتها الفكرية وقوانينها فحسب، بل يتعارض أيضاً مع توجهاتها المتعلقة بقضية الحرب الأوكرانية، حيث يقف ملالي إيران ضد أوكرانيا، ونقف ويقف الكثيرون حائرين في تفسير تلك المواقف.. هل المقصود من تحشيد الطاقات لدعم أوكرانيا في هذه الحرب أم المقصود إدامة الحرب في كلا الاتجاهين وهلاك أحد الأطراف وبقاء الآخر منهكاً هو الهدف المرجو.. لقد كانت رسالة المتظاهرين واضحة مباهرة خاصة في قول السيدة مريم رجوي، زعيمة المقاومة الإيرانية، إذ قالت ولى زمن المهادنة والاسترضاء ودفع المحفزات للنظام الدكتاتوري المدعي باسم الدين، والقول الصريح والواضح لباقي المتحدثين الذي طالبوا بوضع حرس خامنئي وميلشياته وأجهزته القمعية على قائمة الإرهاب الأوروبية، كما طالبوا بدعم ثورة الشعب الإيراني والاعتراف الرسمي بحقه في الدفاع عن نفسه بوجه حملات الإبادة التي يقوم بها نظام الملالي الطغاة وأجهزتهم القمعية، وقد كان تأكيد الجميع واضح على أنه لا عودة للدكتاتورية الشاهنشاهية التي اقتلعها الشعب الإيراني في ثورة عام 1979 المباركة، وتُعد الانتفاضات الإيرانية الجارية التي تقودها النساء امتداداً لها حيث يطالب الشعب بالإطاحة بالدكتاتورية الدينية الشمولية القائمة وتناولت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية ومنصات التواصل الاجتماعي جميع الشعارات التي رفعها الشعب الإيراني بجميع مكوناته وفي شتى أرجاء إيران، ومن هذه الشعارات: (الموت للدكتاتور سواء كان الشاه أو الملالي)، و شعار (من زاهدان إلى طهران إلى كردستان روحي فداء إيران). وفي شعارات مماثلة يذكرون مدناً ومناطق أخرى، وفي هذا الشعار رسالة للعالم أجمع أن الشعب الإيراني بكافة أعراقه وطوائفه وفئاته ومكوناته مجتمع على مبدأين أساسين الآن وهما الوحدة وإسقاط النظام، وقد كان التضامن الاجتماعي سمة بارزة في الانتفاضة الجارية منذ خمسة أشهر، ومن سماتها الملفتة للانتباه أيضاً هي أن الشعب لم يطالب السلطة الدكتاتورية الحاكمة بأي مطلب حياتي.
رسائل إسناد قوية ومباشرة للقوى الحرة في أوروبا
كانت هذه التظاهرة من أقوى الرسائل الصادرة عن المقاومة الإيرانية سيدة الموقف السياسي المعارض التي لا تريد سلطة وإنما تريد إقامة جمهورية ديمقراطية حقيقية تحترم كافة أشكال الحريات، ومنها حرية الممارسة السياسية.. كانت التظاهرة أقوى رسالة مؤيدة ومساندة للتيار الأوروبي الحر الذي يقف إلى جانب الشعب الإيراني وثورته المشروعة، وتأتي هذه الرسالة في وقت أخل الاتحاد الأوروبي بقيمه وبشرعية البرلمان الأوروبي الذي قال كلمته ووضع ميليشيا ما يسمى بـ الحرس الثوري على قائمة الإرهاب الأوروبية، واليوم أولئك الذين رفضوا وضع حرس خامنئي الإرهابي على قائمة الإرهاب الأوروبية يسوقون أنفسهم لعودة ابن الدكتاتور المخلوع دونما أدنى احترام لمشاعر الشعب الإيراني الذي عانى من دكتاتورية أبيه وما زال هو متمسك بطغيان وموروث أبيه.
تفاعلات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي
تفاعلات إعلامية كبيرة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الأمس إلى الآن مع التظاهرة ومع الكلمات التي أُلقيت من المشاركين، ومن ضمن هذه التفاعلات تفاعلات عربية مشيدة بثورة فبراير عام 1979 وبثورة عام 2022 الجارية مقرة بحقوق الشعب الإيراني في حقه بالدفاع نفسه ضد ما يواجهه من حملات إبادة وقمع وتعسف، وينظر العرب إلى أن خلاص الشعب الإيراني من الدكتاتورية وثقافتها وتبعاتها هو خلاص لهم واستقرار لبلدانهم.
ختاماً، تاريخ وتراث وموروث وعقائد الشعوب مقدسة واجبة الاحترام وخطوط يجب الوقوف عندها بوقار.. ومن ينتهك ذلك كمن لا يصنع لذاته وقار.
الإنسان أغلى ما نملك..
ليفانت - د.محمد الموسوي
د.محمد الموسوي
حول الكاتب
- د.محمد الموسوي
- الدكتور محمد الموسوي، باحث وكاتب في الشأن الإيراني
لمحة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!