-
إضاءة سياسيّة على زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد لدمشق
تلك المتغيّرات فرضت تحولات سياسية في المنطقة وتحالفات وتشكيل محاور معلنة وأخرى غير معلنة، وفقاً للمصالح الدولية وطبيعتها وأشكال تناقضها أو توافقها. وبرؤية واقعية ما زال محور الشر الإيراني أو ما يسمى محور المقاومة المزعومة في عين العاصفة والمحاولات الجادة من قبل القوى الإقليمية مدفوعة بدعم دولي واضح لإنهاء هذا المحور وتحجيمه بسبب استفحال خطره وخطر التهديدات التي يمثّلها لشعوب المنطقة.
تلك المحاولات المدفوعة بدعم ودور محوري للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة التي تخوض أشرس صراع مع هذا المحور على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية أيضاً، ولاسيما مع ذراع هذا المحور في اليمن، الأمر الذي دعا لتضافر كافة الجهود الإقليمية، وخصوصاً العربية، لتصب في هذا الاتجاه. ولم تكن زيارة وزير الخارجية الإماراتي والاتصالات السابقة في هذا السياق لمسؤولين عرب ومسؤولين في الجامعة العربية إلا في هذا السياق.
إنّ هشاشة الوضع السوري الذي ينبئ بكارثة كبيرة على الصعيد الإنساني والاقتصادي في سوريا ستنعكس بصورة أقسى على المحيط الإقليمي والشعوب العربية، وكان لابد من تدارك هذه الوضع الكارثي، فبعد لقاءات ونقاشات معمقة بين المحيط الإقليمي، وبشكل خاص العربي، وبين القوى الدولية، توصّلت هذه القوى لتكوين رؤية وخطة عمل، أحد محاورها الأساسية إبعاد شبح خطر المشروع الإيراني على المنطقة وتفعيل الوصول لحل سياسي وفق القرار ٢٢٥٤ في سوريا عبر انتهاج وسائل أكثر دبلوماسية وعدم إفساح المجال للتغوّل الإيراني في سوريا، كما حدث سابقاً في السنوات الماضية.
إن تخفيف المعاناة عن الشعب السوري الذي بدأت تضعف مقاومته وقدرته على تحمل المزيد كانت أبرز الدوافع التي جعلت هذا الحراك ضرورياً في هذه المرحلة، ومن يراقب توقيت هذه الزيارة وماذا حدث قبلها يدرك تماماً أن لا علاقة لها بأي علاقات عربية-عربية أو موضوع إعادة سوريا للجامعة العربية، كما أشيع، وكما تناوله الإعلام المقروء والمسموع.
الزيارة أتت عقب حركة سياسية نشيطة للخارجية الإماراتية والأمريكية والإسرائيلية التي تحاول بلورة رؤية واضحة وحلّ لهذه المشكلة، حيث جرت لقاءات ثلاث بين وزيري خارجية أمريكا والإمارات، عقب زيارة الملك الأردني للبيت الأبيض. إن السياسة والطروحات للخارجية الأمريكية مؤخراً بدت أنها تصبّ في هذه الاتجاه، وزياره الوزير الإماراتي لدمشق أتت في هذا السياق. وترافقت هذه اللقاءات بأخرى على محور آخر بين رئاسة الحكومة الإسرائيلية والكرملين، حيث نتج عنها الاتفاق الكامل للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وكان الوضع في سوريا هو محور اللقاء الروسي الإسرائيلي.
وعقب زيارة الوزير الإماراتي لدمشق وتوجهه للأردن مباشره للقاء الملك عبد الله، يؤكد أن هذه الزيارة تأتي في إطار حراك وخطة سياسية، أهم محاورها إسرائيل والأردن لتغيير دفة السياسية الخارجية الأمريكية، وجعل إدارة السيد بايدن مهتمة أكثر بالوضع في سوريا، وجعلها في اتجاه وتوجه أساسي يهدف لإخراج إيران وميليشياتها عسكرياً وأمنياً من سوريا بالتنسيق مع قوى إقليمية مركزها ومحورها الحالي هو إسرائيل والحلف الجديد الذي جمعه الخطر المشترك القادم من إيران، وبإخراج إيران من سوريا مع حزب الله وتحجيمها في العراق واليمن ولبنان يحرمها من امتيازات وأوراق تسعى للاحتفاظ فيها ومساومة المجتمع الدولي على ملفات أكثر خطورة، كالملف النووي، والسعي لتحقيق مكاسب في هذا الملف.
أما بالنسبة لطبيعة التموضع الروسي في المنطقة وسوريا، والذي يهدف لتحقيق التوازن بين تحالفها مع إيران في سوريا وبين مقتضيات التفاهمات الجديد مع المحور الجديد الرافض للوجود الإيراني، فسيسعى هذا التموضع للدخول في بازار سياسي مع الجميع مستثمرة انتصارها ونفوذها في سوريا ولو كان على حساب دماء الشعب السوري، مقابل تحقيق مكاسب دولية لها على صعيد ملفات أخرى، كالقرم وأوكرانيا وغيرها.
بالتأكيد مما سبق، وبالمحصلة، هذه الحركة الدبلوماسية هي بداية مسار ومخططات ستغيّر وجه المنطقة بالكامل والتحالفات فيها وتشكيل محور من نوع مختلف كان على عداء سابق مع محور هذا التحالف من سبعة عقود ليُبنى على أسس مصالحية وتوافقات جديدة وبدعم دولي واضح، وبالنسبة للحركة باتجاه دمشق ما هو إلا تفصيل صغير من جوانب كثيرة لهذه المخططات، الجميع يعلم ما تكبده مؤخراً ما سمي زوراً وبهتاناً بمحور المقاومة، وبداية ضعف وتفكك حالة العداء السابقة بين إسرائيل ومحيطها العربي وتحول هذا العداء إلى ما يشبه تحالف على قاعدة المصالح المشتركة، ولن يتأخر الوقت كثيراً قبل أن تظهر نتائج هذا التحالف وينقشع الضباب الذي يحيط به، وسنشهد قريباً انتصارات لهذا التحالف الجديد وهزيمة لمحور المقاومة المزعوم، ولاسيما على الساحة السورية، وبالتأكيد كل البيانات مؤخراً التي صدرت بشأن زيارة الدبلوماسية الإمارتية لدمشق لا تعدو كونها تعبير عن الرضى أكثر من تعبيرها عن الرفض لأن الجميع يعلم أن هذه الحركة لا يمكن أن تتم بدون رضاً أمريكي أوربي روسي.
أما عن تبجّح إعلام النظام بموضوع انتهاء المقاطعة وانتصاره المزعوم، فالدور الحالي والمؤقت لهذا النظام لا يعدو استقبال وتوديع من يأتي لفرض وإعطاء ونقل التعليمات والتعهد من قبل النظام للضيوف بالالتزام بمقررات المخطط الجديد على الرغم من سياسة المقاومة التي غاص في مستنقعها، وسيحاول قدر الإمكان التماهي مع الحلف الجديد دون إغضاب ملالي طهران والذين عاجلاً أم آجلاً سيفاوضون عليه مع ضيوفه العرب وغير العرب لاحقاً. بالتأكيد لا نملك نحن كسوريين أي قرار مهما كان الطرف الذي نقف فيه، ويقع على عاتقنا أن نساند أي جهد ينهي هذه الكارثة والمأساة، وأن نكون البوصلة الحقيقية التي توجه كل تحرك يصب في مصلحة الشعب السوري بغض النظر عما يرغب به النظام أو المعارضة.
ليفانت - عبد العزيز مطر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!