-
إسقاط المسار الدستوري وسَلَطة حمد بن جاسم
يكفي أن يتقدّم عدد من المحامين بعريضة قانونية للمكتب القانوني في الأمم المتحدة تعترض على شرعية هذه اللجنة في كتابة دستور للبلاد، فلا ممثلو النظام شرعيون بسبب القمع والفساد والإجرام وسوق الناس بالقهر، ولا ممثلو المعارضة تم اختيارهم بإرادة الشعب الثائر.
أيضاً ممثلو المجتمع المدني لا يمثلون سوى أنفسهم، ولم تعتمد آليات أو معايير لاختيارهم بشرط أن تكون تلك العريضة مدعومة بشهادات، ممن كانوا أو ما زالوا في هذه اللجنة ومن رموز المعارضة، توضح آلية الاختيار وطرقه وتدخلات الدول وغياب أي دور للشعب أو معايير تم اعتمادها، سوى الولاء والطاعة للدول الراعية، والتي اختصرت بتركيا وروسيا في النهاية، وهذا يضرب عرض الحائط بشرعية كل ذلك المسار عندما يستبعد الشعب عن كتابة دستوره السياسي، وهو مخالف وبشكل صارخ لأبسط مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحق الشعوب في تقرير المصير واختيار السلطة التي تحكمها.
استغلّت الدول نزعة الزعامة لاعتماد شخصيات تدين لها بالولاء لتمثيل الشعب السوري وقيادة ثورته، وخلطتهم مع بعض الرموز النخبويين المنفصلين عن الشارع (سلطة حمد بن جاسم)، وحرمت الثورة من إنتاج قياداتها الحقيقيين، ووحدتها الحقيقية، وتمثيلها الحقيقي، الذي لن يكون ممكناً من دون الاحتكام لصندوق الاقتراع، أو على الأقل لمعايير اختيار دقيقة، ورقابة شعبية واسعة، وتجديد دوري.
اشترت قبول هذه الشخصيات بخيانة الشعب وركوب ظهره دون تفويض منه والسير بقراره، كما تريد الدول النافذة، بتقديم بعض المنافع الشخصية، التي كانت كافية لاستمرار تلك الأجسام التمثيلية عشر سنوات، مدعومة بالأمل في سقوط النظام والانتقال التلقائي للسلطة، أو نجاح التفاوض ومقاسمته السلطة، ولم يصحُ ضمير بعض هؤلاء عندما فقدوا الأمل في الوصول للسلطة، أو التوصل لحل، بل فقط عندما شحت المنافع الخاصة لدرجة لم تعد ذات قيمة، فصاروا يستقيلون وبشكل فردي خجول، من دون نقد ذاتي واضح.
كان لسان حالهم قبل ذلك أن استقالتهم ستعوّض بمن هم أسوأ منهم بذات الآلية التي جاءت بهم، وأن سيرهم في طريق الخيانة أمر مجبرون عليه، بضغوط يحتجون بها، عملياً هي ليست غير الحرمان من المنافع الشخصية. فما المانع من استقالتهم ورفضهم السير في طريق الخيانة الذي بدأ بالقبول بمسار جنيف، من دون ضمانات وأهداف ومحددات زمنية؟ ما هي تلك الضغوط التي تعرضوا لها لكي يقبلوا بينما تعرض الشعب لشتى أنواع الهمجية ولم يقبل؟
أغلب الشخصيات التي انتقلت اليوم للاعتراض على المسار التفاوضي هي من فتحت علينا باب القبول بالتفاوض، وهي من سارت به طويلاً، فماذا تغير بعد سنوات عديدة غير الحصة من المنافع والرواتب والامتيازات الخاصة؟
الفارق بين الثورة، وبين الانتهازية السياسية، أنّ الثوري يضحي بمصالحه الخاصة من أجل مبادئه، بينما السياسي الانتهازي يسعى وراء مصالحه ولا يضحي إلا بمبادئه وأخلاقه، إن كان بمشاركة النظام، أو ركوب ظهر الثورة، فهو ذاته مستمر مهما تغير حصان الركوب.. هم ذاتهم، انتهازيو النظام صاروا انتهازيي المعارضة وقادتها، واستبعدوا كل حر وثوري وشريف، وكل مصلحة عامة أو وطنية، وهم من كلفهم المجتمع الدولي بإيجاد حل تفاوضي فيما بينهم.
لذلك لا مخرج لسوريا من المأساة التي تعيش فيها سوى إعادة السياسة لدورها في صياغة المصلحة العامة وتغليبها على الأنانيات الخاصة المتناقضة معها. عندما يسقط نظام المزرعة الذي صنعه الأسد، وانتشر في السلطة والمعارضة، يمكن إيجاد مخرج لسوريا وشعبها، فإسقاط المسار الدستوري هو إسقاط للطرفين الانتهازيين الذين يستعبدان الشعب ويستغلانه في سعيهما فقط لتحقيق أنانيتهما. وهذا يتطلب آليات تمثيل وتفويض شرعية ديمقراطية، ومراقبة متجددة دورياً، ما نزال نفتقر إليها، بل ما نزال محرومين منها، مع أنها هي طريق الخروج الوحيد من هذه الوحشية.
ليفانت - كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!