الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
إرهاصات دافعها الحاجة
ماهر إسماعيل

لا يبدو أي أثر للوضعية السورية منذ العام 2011، حتى الآن، في السياسة العامة السورية، فالشعار الأساسي للحكومة "سوريا بخير وانتهت الأزمة"، وخير دليل على ذلك هو الانتخابات الرئاسية التي أعادت الرئيس الأسد إلى موقعه في الرئاسة السورية وتعطيل المسار الدستوري والعملية التفاوضية، وفشل فريق المبعوث الأممي، غير بيدرسون، في تحريك المسار من جموده رغم زيارته لموسكو ودمشق، وعدم اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي بايدن في تحريك العملية التفاوضية خطوة إلى الأمام، وإنما استمرار تجميد المسألة السورية لمزيد من الاستنقاع السوري والإقليمي بحيث يبقى الوضع السوري القائم على ما هو عليه نحو المزيد من التعفن والتفسخ وترسيم المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، كما هي في الواقع (الحياتي- السياسي) السوري. بل وأضافه مدينة درعا وبعض مناطقها إلى هذه الحالة في ظل الوضعية القائمة. الحاجة


أمام تردي الواقع الحياتي السوري المستمر رغم كل الوعود التي قطعت من النخبة السياسية الحاكمة جعلت من الإنسان السوري يستمر في الدوران في الحلقة المفرغة التي فرضتها الحكومة السورية منذ العام 2011، حتى الآن هو استمرار الوعود والوعود ولا غير، ولم ينقذ هذه الحالة والوعود المقطوعة ما قدمه الاحتلالين الإيراني والروسي، وآخره ما صرّح به رامي الشاعر في جوابه على أسئلة تلفزيون سوريا إذ قال: "قدمت روسيا مطلع العام الحالي ملياراً ونصف مليار دولار للنظام على شكل قرض من دون فوائد وغير محدد زمنياً استرجاعه، القرض جاء على شكل قمح ومحروقات ومواد أخرى من احتياجات يومية لمقومات الحياة الإنسانية، ولا أعرف إذا كانت روسيا ستستطيع تقديم مساعدات أخرى في المستقبل القريب، حيث هناك تساؤلات في مجلس الدوما عند كثير من البرلمانيين الروس على أي أساس تقدم هذه المساعدات، والقيادة في دمشق لا تتجاوب مع عملية الانتقال السياسي الذي تسعى إليها روسيا، وعلى أنه من الأفضل في هذه الحالة توجيه هذه الإمكانيات لدعم تطوير مناطق أخرى في روسيا".


ويترافق هذا مع ما يجري من تململ في المحافظات ومناطق وبلدات سوريا، منها ما جرى في منطقة مصياف، حيث شهدت المدينة لأول مرة احتجاجات شعبية في الأيام الأولى من شهر آب الجاري، تمثّلت في تجمع مئات المواطنين بالقرب من دوار الوراقة، تحت هتاف "بدنا نعيش"، كاد أن يتطور هذا الاحتجاج إلى صدام مع القوى الأمنية لولا تدخل العقلاء واتصال محافظ حماة بالمحتجين، والطلب منهم تشكيل مجموعة للقاء به وتقديم مطالبهم ومنها:


1-الكف عن معاملة أهالي مصياف كمواطنين درجة رابعة.
2-التوقف عن عمليات الهدم التي بدأت بها الحكومة رغم عدم توفير المازوت "إلا للهدم".
3-تأمين الكهرباء كباقي المناطق، والكف عن معاملة المنطقة على أنها "في الجيبة".
4-تحسين الوضع المعيشي الذي لم يعد يحتمل والعديد من المطالب الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك ما يحدث في مدينة اللاذقية بسبب توزيع الخبز والكمية على أهالي المدينة، وترافق ذلك مع ما قالت عنه وكالة سانا الرسمية "حريق نشب في سفينة إيرانية تجري عملية صيانة في ميناء اللاذقية"، بينما ذكرت عدد من الوكالات أنه "صاروخ إسرائيلي استهدف السفينة رداً على استهداف إيران لسفينة إسرائيلية".


وشهدت مدينة جبلة وريفها (قرية ديرين) خلال الفترة ذاتها احتجاجات على آلية توزيع الخبز التي أقرّت في محافظة اللاذقية وريفها، إذ قام الأهالي بقطع الطرقات وإشعال الإطارات احتجاجاً عليها، وترافق ذلك مع الإضراب شبه العام في مدينة حلب احتجاجاً على ابتزاز عناصر الحواجز الأمنية لأصحاب المحال التجارية ليكون التشليح (نقاط التفتيش)، بعد صمت طويل عما يجري في المدينة من أهوال لها علاقة بالوضع الجديد التي وضعت به، حيث ربط ما يجري في المدينة من تردي الأوضاع الاقتصادية مع انقطاع الطاقة الكهربائية وتراجع الإنتاجية وضعف القدرة الشرائية لأهالي حلب، وفي هذه الأوضاع لا يمكن للحكومة السورية تلبية احتياجات المضربين، وهذا سيدفع الحكومة للتراجع عن القرارات وتخفيف العبء الضريبي والسعي لتأمين بعض مستلزمات الناس والمنشآت الاقتصادية.


الإضراب دون صدام أمر جيد ومنهك للحكومة السورية، ويمكن أن يكون مرآة تعكس معاناة الناس في مناطق سيطرة الحكومة، فعدم وجود وقود ومحروقات وقطع الكهرباء المستمر، ثم جاء قرار الإغلاق المبكر للأسواق السورية التي اتخذته حكومة حسين عرنوس ومحافظيها ليصب الزيت في طاحونته، ووضع التجار والناس في خانة جديدة بأن استمرار هذه القرارات جعلت المتضررين في حالة حراك شبه دائم لإلغائها، وهذا ما حصل في غرفة تجار دمشق حيث سلمت الغرفة محافظ دمشق نسخة من قرار الاعتراض على استمرار قرار الإغلاق المبكر، ووعد المحافظ الجميع بدراسته من جديد، خصيصاً أنه في الأسبوع الأول تجريبي. وإذا تجاوزنا ردود الأفعال شبه الجماعية لنصل إلى الأفعال الفردية، وهذا ما ظهر في فيديو لقاء الممثل بشار إسماعيل وعباس النوري، إلى ما كتبته الممثلة شكران مرتجى، وتعبر التصريحات عما في نفوس السوريين جميعاً.


كل ما تقدم يوضح أن ردود الفعل ما زالت هي المسيطرة في الواقع السوري بعيداً عن الأفعال المنظمة المدروسة التي تدفع إلى تغير حالة الإنسان السوري، لاسيما أن الوضع الحكومي وصل إلى درجات غير مسبوقة من قلة الإيرادات، وهذا ما دفع إلى سياسة متشددة لجمع الضرائب ومعاقبة المتهربين منها، بسبب العجز المتراكم في الموازنة العامة، وهذا ما ساهم في انخفاض قيمة الليرة السورية وانحدارها السريع.


فالأوضاع القائمة تؤكد أن الحكومة (الجديدة- القديمة) لا تملك أية حلول للأزمات المستعصية من توفير" الوقود بكافة أنواعه إلا في الحدود الدنيا، والقمح والطحين الموجود يكفي لعدة أشهر فقط، والمواد التموينية الأساسية من السكر والرز موجودة في مؤسسات الدولة ربما لنهاية العام الجاري.


وسبب ذلك هو خسارة الاقتصاد السوري ثلثي موارده، وتراجع الناتج المحلي إلى أقل من (20 مليار في العام2019)، بعد ما زاد على (60 مليار دولار في العام 2021). ورغم كل محاولات التعويض، حيث تم رفع سعر ليتر المازوت من (180 ليرة إلى 500 ليرة)، وكان قد رفع أيضاً سعر ليتر البنزين (95 أوكتان إلى 3 آلاف ليرة بعد أن كان يباع 2500 ليرة)، وجاءت هذه القرارات بالتزامن مع رفع سعر مادتي الأرز والسكر، وقرار مؤسسة العامة للأعلاف رقم (36) الذي رفع أسعار المواد العلفية، إلا أن هذا غير كافٍ لوضع الحلول على السكة.


فكل المسؤولين الحكوميين لم يعدوا في حلول قريبة، وإنما دعوا إلى سياسة الصبر والصمود الاستراتيجي، وهذا ما سخر منه السوريون الموجودون في مناطق الحكومة السورية، فالمطلوب من الإنسان السوري هو الصمود والصبر بينما الفساد المتغلل في الحكومة ومؤسسات الدولة وعدم المحاسبة واستغلال المناصب هو الطريق الطويل الذي عملت عليه الحكومات المتلاحقة.


إن المطلوب للخروج من هذه الوضعية القائمة هو احتجاجات ميدانية يكون أساسها (مطلبي- مدني)، كما في حراك "بدنا نعيش"، دون تصعيد في الخطاب السياسي المباشر في العديد من المحافظات، خصيصاً محافظات الساحل السوري، لأنه في هذه المحافظات لن يكون الرد المباشر بالنار وإنما بالحوار، وهذا ما سوف يشجع بقية المحافظات، ويأتي إضراب التجار في مدينة حلب خطوة في ذات الطريق، والدعوات التي تأخذ طريقها في محافظة السويداء على ذات النهج والأرضية المطلبية في تحقيق حضور شعبي مع تنامي موجة الاحتجاجات على فقدان المواد التموينية الأساسية.


ليفانت - ماهر إسماعيل ليفانت 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!