الوضع المظلم
الإثنين ٠٨ / يوليو / ٢٠٢٤
Logo
  • أزمة إمدادات الغذاء وواقع الأمن الغذائي العربي

أزمة إمدادات الغذاء وواقع الأمن الغذائي العربي
سعد عبد الله الحامد

تعتمد دول كثيرة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إمداداتها الغذائية بشدة على الواردات بصفة خاصة، كالمواد الأساسية، مثل القمح والذرة والشعير، وقد تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في أزمة طاقة، وكذلك أزمة غذاء عالمية.

فروسيا تحتل المرتبة الأولى عالمياً في تصدير القمح بـ37.3 مليون طن سنوياً، وأوكرانيا تعد سلة خبز العالم، إذ كانت تصدّر عبر موانئها 4,5 مليون من المنتجات الزراعية شهرياً، ويمثل ذلك 12 في المئة من إجمالي القمح العالمي، وهو من الحبوب الرئيسة لغذاء مليارات البشر فضلاً عن نسبة 15 % من الذرة، لقد تضرر بعض المستوردين في الشرق الأوسط، بشكل خاص، فمصر على سبيل المثال تستورد 80٪ من قمحها من روسيا ولديها احتياطيات من الغذاء تكفي لعدة أشهر وتدرس مصر أيضاً الاستعانة بمنتجين رئيسين للغذاء، مثل الولايات المتحدة وأستراليا والهند كبدلاء لأوكرانيا وروسيا والعديد من الدول كانت تواجه بالفعل ضائقة شديدة عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية في عرقلة إمدادات الغذاء، حيث يكافح لبنان المنهار اقتصادياً ليبتعد عن أزمة الخبز، فقد ارتفعت أسعار الغذاء في لبنان بأكثر من 1000% على مدار السنوات الثلاث الماضية، ويعاني اليمن الذي مزقته الحرب بالفعل من انعدام الأمن الغذائي، وكذلك سوريا وليبيا والعراق، كذلك المغرب علقت بعض صادرات الغذاء لتعزيز الإمدادات الداخلية ومنطقة الساحل الإفريقي تواجه خطر انعدام أمن غذائي حاد مع خفض الحصص الغذائية المخصصة لهم بسبب نقص التمويل، وقد حذرت الأمم المتحدة من أن نحو 18 مليون شخص أسفَرَت الحرب في أوكرانيا عن تَعطيل وصول إمدادات سلاسل الغذاء لهم والوقود والأسمدة، وأدّى ذلك إلى تفاقُم الوَضع المأساوي لملايين الأشخاص في جميع أنحاء القارة الإفريقية، أيضاً، وفي تصريح لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أفاد بأن النزاعات العسكرية ووباء كوفيد-19 والتغيّر المناخي وارتفاع التكاليف اجتمعت كلها وحرمت ملايين الناس في جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا من وجبات غذائية أساسية، وشَهَد القرن الإفريقي في بداية هذا العام ثالث مَوجة جَفاف حادة خلال السنوات العَشر الماضية، وكان الأمن الغذائي أحد الأسباب الرئيسة للاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط، لا سيما في شمال إفريقيا، حيث أطاحت انتفاضة الربيع العربي عام 2011 بالعديد من الأنظمة هناك، ولكن يبدو أن الوضع مختلف بالنسبة للدول الخليجية وذلك لأن دول الخليج تقع في أكثر الأجزاء جفافاً في شبه الجزيرة العربية، وهي غير صالحة للزراعة على نطاق واسع بسبب ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه والتي تتفاقم آثارها بشكل متزايد بسبب تغير المناخ، فدول الخليج لديها أقل من 2٪ من الأراضي مزروعة ويتم استيراد 85٪ من المواد الغذائية ولكن دول الخليج تستطيع تجاوز هذه الأزمة نتيجة لاستراتيجياتها المستمرة منذ عقود للأمن الغذائي والموارد اللازمة لتنفيذها، حيث كان الأمن الغذائي سابقاً مصدر قلق حكومي نتيجة للحرارة المرتفعة والمناخ الجاف، ولكن الآن هناك العديد من الحلول البديلة، كالزراعة المائية المتزايدة التي تزرع مباشرة في المياه الغنية بالمغذيات، وإنشاء محطات لتحلية المياه الموفرة للطاقة والزراعة ذات الكفاءة المائية، إضافة إلى شراء الأراضي الزراعية في البلدان النامية الموجهة للتصدير، مثل السودان وكينيا وإثيوبيا، وتعتبر قطر في المرتبة 24 من حيث الأمن الغذائي في العالم اعتباراً من عام 2021 وتحتل المرتبة الأولى بين دول الخليج، وفقاً لمؤشر الأمن الغذائي العالمي.

وفي ضوء ما سبق، يتبادر للذهن غياب استراتيجية عربية موحدة لمواجهة مثل هذه الأزمات وتحدياتها على العديد من دولنا العربية، فأمن الغذاء محور استراتيجي لكل دول العالم ويرتبط بمفهوم الاكتفاء الذاتي لكل دولة وإمكاناتها الطبيعية ومواردها وكيفية استغلاله بأقصى كفاءة ممكنة من حيث الاهتمام بقطاع الزراعة والاستثمار فيه بالشكل الأمثل وتحقيق مستوى مناسب من الاكتفاء ذاتياً وتنفيذ خطط استراتيجية وتدابير للحفاظ على سلامة وكفاءة النظم الغذائية وضمان استقرار واستمرار تدفق سلاسل الإمدادات الغذائية، حيث يعتبر ذلك من أهداف التنمية المستدامة لكل دولة وأساساً من أسس التنمية في الوطن العربي واستقرار الأمن الغذائي العربي، خاصة الدول التي تعاني من حروب وأزمات، وجائحة كورونا أعطتنا مثالاً واضحاً عندما حدث ارتفاع في أسعار الغذاء، وأيضاً الحرب الأوكرانية الروسية مثال آخر للتهديدات القادمة وانعكاساتها الاقتصادية التضخمية والتنبؤات بحالة ركود وكساد عالمي نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة والنفط.

ووفق آخر الإحصائيات، يعيش في عالمنا العربي أكثر من 55 مليون جائع، ويرتبط ذلك بالنزاعات والصراعات المستمرة، وأشير هنا بأن مجلس التعاون لدول الخليج العربي وافق على مقترح من دولة الكويت يقضي بإنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي لدول الخليج، وكذلك دول شمال إفريقيا تسعى لمثل هذا التكامل فيما بينها، ولعل وضع استراتيجية ناجحة لتحقيق هذا المفهوم قد يتطلب تظافر الجهود من الجامعة العربية، وكذلك الدول العربية، للوصول إلى مفهوم الأمن الغذائي العربي المنشود.

 

ليفانت - سعد عبد الله الحامد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!