الوضع المظلم
الأربعاء ٠٦ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
2245: تغيير قواعد العملية التفاوضية
جمال الشوفي

الحديث عن حسن النوايا وبناء الثقة حديث سياسي تقوضه الأنفس الأمارة بالسوء وشهوة السلطة المطلقة، لكن حين تصبح السياسة وقائع وممكنات حينها يمكن الحديث عن خطط وآليات. مسار الموجة الثانية من الثورة السورية في السويداء حين تطرح الحل السياسي عبر 2254 تطلب لرؤية وخطة عمل وتغيير في قواعد التفاوض حوله. فأين نحن اليوم؟ فقد مرت ثمانية سنوات على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن، تاريخ 18/12/2015. القرار الذي يعتبر لليوم البوابة الوحيدة للحل للسوري، لكنه بذات الوقت الإشكالية المستعصية على الحل. ما يستلزم العودة لقراءة مضمونه وتحديد فقراته ودلالتها السياسية.

بالمبدأ، القرار يتضمن 16 عشر بندًا، يشير في مقدمته وبنوده السبعة الأولى، حسبما وردت في نصه، الى:

عملية الانتقال السياسي وضلوع المجتمع الدولي بالعمل على تحقيقها، بمرجعية بيان جنيف1/2012، غير الملزم لأي طرف في سوريا، ومؤيدًا لبياني فيينا بينهما، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية. ودعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي مدتها ستة أشهر، تقيم حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد. تتبعها مرحلة لانتخابات حرة ونزيهة، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة.

محاربة الإرهاب المتمدد في سوريا، المذكور في فقرته الثامنة، وتنفيذًا للقرار 2249/2015، وعلى وجه التحديد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطين بالقاعدة أو داعش، وغيرها من الجماعات الإرهابية، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سوريا.

بناء الثقة، بين جميع الأطراف السورية من أجل المساهمة في فرص القيام بالعملية السياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، في فقرته العاشرة. وتحث الفقرات التالية على وقف إطلاق النار وتجميد العمل العسكري، والتوجه للمنظمات الإنسانية بتقديم المساعدات للداخل السوري، تمهيدًا للحل المفترض.

في قراءة لمضمون القرار هذا يمكن ملاحظة ما يلي:

*أتى هذا القرار بعد ثلاثة أشهر تقريبًا من التدخل الروسي العسكري المباشر بدعوة من السلطة السورية.

*تم تخفيض مقررات جنيف/1، الذي يستند اليها القرار، من هيئة حكم كاملة الصلاحيات إلى عملية انتقال سياسي تفضي لحكومة انتقالية تتقاسمها كل من المعارضة والسلطة.

*إدراج محاربة الإرهاب في ذات القرار بجوار الانتقال السياسي، فيما تمت الاشارة الواضحة لكل من داعش والقاعدة وما يتبعهما، لكن تركت الفقرات المتعلقة بغيرها عائمة دون تحديد.

*الاعتماد على النوايا الحسنة عند طرفي المعادلة السورية (السلطة والمعارضة) في الدخول في العملية السياسية، بحيث يتجنب القرار في متنه تحديد أي طريقة ملزمة لكلا الطرفين للدخول فيها.

السياق التحليلي لمسار العملية السياسية وطريقة الحل السورية تبدو أعقد وأشد عمقًا من تأثيرات نصوص لا تفترض الالزام بأي خطوة منها، لتتكشف من خلالها آليات الصراع الدولي من خلال سورية وعليها بآن. تلك التي تشي بمعادلات الجيوبوليتيك الدولي التي دشنتها روسيا من خلال سوريا بدايةً وتتمها اليوم في المعادلة الأوكرانية، في مقابل التوجه الغربي في ذلك. وهنا نبرز أهم الملاحظات التي أدت لتعطيل الحل السوري:

لقد حقق القرار 2254 لروسيا لأول مرة في تاريخها تبرير عملها العسكري في سوريا بمرجعية دولية تستند لقرار مجلس الامن. وأصبحت روسيا شريك في محاربة الإرهاب بمرجعية دولية، مارست روسيا دورها العسكري في تفريغ سكان المدن السورية مدينة تلو الأخرى، بدعوى محاربة الإرهاب دون التمييز بين السوريين في مطالبهم المحقة في التغيير السياسي والقوى الدخيلة عليهم من داعش وغيرها.

دخلت المسألة السورية في بوابة العطالة المطلقة حين الحديث عن حسن النوايا وبناء الثقة، من خلال اللجنة الدستورية، والتي تفيد التقارير الأممية في تعطيلها دوريًا منذ العام 2019 لليوم. ما يعني بوضوح شديد الالتزام الشكلي للسلطة السورية ومن خلفها روسيا بقرار مجلس الأمن، وبذات الوقت التملص من أي استحقاق يمكن أن يشكل تقدمًا في مسار العملية السياسية.

تم تخفيض المسألة السورية تدريجيًا من حل كلي في جنيف/ 2012، لجزئي في 2254/2015، إلى حلول تفكيكية عامة لليوم فهل هذا ما كان يأمله السوريين؟ وهل يمكن إيجاد الطرق الملزمة للانتقال السياسي السوري بعدما تكشف للمجتمع الدولي خطأه المرعب في إيلاء روسيا حق الاستفراد بالحل السوري على طريقتها، خاصة بعد تمددها لأوكرانيا وقلب أوروبا وتهديد السلم العالمي برمته.

رغم هذا، يعتبر القرار 2254 البوابة الوحيدة الدولية التي تطرح الحل السوري بطريقة سلمية وسياسية، وهو القرار المعطل لتثبيت النصر العسكري لروسيا على فصائل المعارضة العسكرية. لكن معادلة اليوم باتت تضع معادلات جديدة للحل السوري بعودة المظاهرات السلمية والمدنية في سورية وفي السويداء أساساً. الأمر الذي يفترض إعادة المجتمع الدولي تقييم الوضع السوري وطريقة حله المعكوسة التي اعتمدت العمل باللجنة الدستورية قبل تحقيق الانتقال السياسي. وبالضرورة بات اليوم المجتمع الدولي أمام معطيات جديدة تفيد بضرورة تغيير قواعد وشروط التفاوض على المرحلة الانتقالية في سورية.

في تاريخ 27 أيلول/ سبتمبر 2023، صرح السيد بيدرسون: "إن الحل الشامل للصراع السوري مازال بعيد المنال، مشيرًا إلى انعدام الثقة وتباعد المواقف". كما أنه لم يتطرق الى متغيرات وقائع الأرض من مظاهرات السويداء المتتالية والواسعة وتجاوب العديد من المدن السورية معها، والتي تؤكد على الحل السوري وفقًا لقرارات مجلس الأمن، وأولى خطواتها الانتقال السياسي. والغريب في الامر أن السيد بيدرسون يصر على مغالطته في طريقة الحل السوري، ولا يريد أن يضع أصبعه على الوجع، فهو المحذر من احتمال عودة العنف وموجات جديدة من النزوح، لكنه أبدًا لا يريد أن يقول أإن ايقافها يبدأ بالدخول بمرحلة انتقالية وتغيير سياسي في سورية، وأن النظام السوري معطل لها فعليًا. مقابل هذا لا زال يقدم وجبته المعروفة بإحاطاته المتتالية في التقدم بعمل اللجنة الدستورية، والجميع يدرك انها عبث سياسي لن تسهم في تخفيف أو إيقاف الكارثة السورية. والمنطقي والواقعي يقول: أن صياغة الدستور يأتي بعد الانتقال السياسي، وهو ما أقره القرار 2254 صراحة.

بات من الضرورة اليوم تفعيل الحل السوري بالانتقال السياسي وذلك بتغيير قواعد التفاوض حول آليات تنفيذه والمستندة على أهمية ودور مظاهرات السويداء السلمية وإمكانية دعمها سوريًا وتعميق فاعلية مطالبها عربيًا ودوليًا، الامر الذي سيحقق جملة من الأهداف والمصالح العامة لسورية ودول الجوار والعالم تتجلى في:

*إيقاف الكارثة السورية والانتصار لمبادئ حقوق الإنسان العالمية ولمبادئ الأمم المتحدة ومواثيقها.

*تحقيق السلام والاستقرار لجميع السوريين من كل الأطياف والفئات في الداخل.

*تحقيق الأرضية الآمنة لعودة المهجرين واللاجئين السوريين والبدء بعملية إعادة الاعمار مجتمعياً واقتصادياً.

*استعادة السوريين لقرارهم الذاتي وسيادة قرارهم الوطني الذي سيؤسس للاستقرار واحلال السلام بعموم منطقة الشرق الاوسط والدول العربية.

*معالجة وإيقاف تمدد الميليشيات الإيرانية وحزب الله الطائفية والمصنفة على قوائم الإرهاب العالمي، العاملة على الهيمنة والسيطرة في الداخل السوري، والتي حولت سورية لأكبر موزع للكبتاغون في المنطقة والعالم.

*الحد من العنف والنزاعات العسكرية الإقليمية الممكنة في سوريا، خاصة من جهة إيران، والتي تهدد أمن الخليج العربي والسلام بالشرق الأوسط برمته.

فهل بات الطريق واضحاً والتغيير السياسي ضرورة لازمة؟ وهل يمكن طرح قواعد جديدة في العملية التفاوضية تفضي للانتقال السياسي العام في سوريا؟ كلنا أمل…

ليفانت - جمال الشوفي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!