-
2020.. فرنسا تواجه عواصف الإسلام السياسي: لن نكون ألمانيا ثانية
لم يكن العام 2020، عادياً في العالم بأسره في ظل تفشي جائحة كورونا، لكن فرنسا كان لها داء عضال آخر ينتشر فيها بسبب تنظيمات الإسلام السياسي، التي كانت تسعى من بوابة الجمعيات الدينية إلى أخذ المجتمع المسلم في فرنسا، رهينة لأهواء وأجندات خارج الحدود الفرنسية، بغية التأثير على الحكومة وإخضاعها لإملاءات دول كـ”تركيا”، في مسعى لتكرار النموذج الألماني الخاضع فعلياً للنفوذ التركي، نتيجة تحكم أنقرة بملايين المهاجرين الأتراك والمسلمين هناك، عبر تمويل جمعيات ومساجد وتقديم خدمات يبدو ظاهرها خيرياً، وباطنها معاكساً لذلك تماماً.
التنبيه في يوليو
ففي بداية يوليو، نبّه تقرير برلماني في فرنسا، من مغبّة تصاعد الحركات السلفيّة والإخوانية في البلد الأوروبي، مطالباً الدولة بالتحرّك لأجل مواجهة التطرّف، إذ عمد التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي، إلى التوصية بتطبيق نحو 40 إجراء لأجل “مواجهة التشدّد”، بينما حذّر وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، في نهاية أغسطس، من التهديد المتنامي لأنصار الإسلام الراديكالي، مبيناً أنّ “الخطر الإرهابي يبقى التهديد الرئيس الذي تواجهه البلاد”، متابعاً أنّه رغم الهزيمة العسكرية لتنظيم “داعش” فإنّ التهديد الإرهابي من الخارج حتى وإن تدنّى يجب أن نخصّص له دائماً كل الاهتمام”.
اقرأ أيضاً: آيا صوفيا.. إيبرو تيمتك وقره باغ.. حصيلة تركيا 2020 (الجزء الثاني)
وقد عاد للتأكيد على ذلك في نهاية سبتمبر، حين أوضح دارمانان أنّ بلاده “في حرب ضد الإرهاب الإسلامي”، فيما استعرض الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بداية أكتوبر، مشروع قانون جديد لمكافحة النزعات “الانفصالية” في بلاده، وعلى رأسها ما اصطلح عليه بـ”الانفصالية الإسلامية”، وقال ماكرون وقتها تصريحه الشهير، بأنّ الدين الإسلامي يمرّ بأزمة في كل أنحاء العالم، مؤكداً أنّ فرنسا ستعمل على “مكافحة الانفصالية الإسلاموية” التي تهدف إلى تأسيس مجتمع مضاد.
صموئيل باتي
تصريحات استغلّها المروّجون للإسلام السياسي وتنظيماته، كما استغلّها داعموه بغية تجييش الرأي العام الإسلامي على فرنسا، ليسفر ذلك أخيراً في منتصف أكتوبر، عن جريمة قتل مروّعة بقطع رأس مدرس فرنسي يدعى صموئيل باتي، لكن دون أن يرهب ذلك الدولة الفرنسية، إذ توعد الرئيس الفرنسي، في العشرين من أكتوبر، بتوسيع “الإجراءات الملموسة” لمحاربة “الإسلام الراديكالي”، وأكمل بالقول: “الكلمات قلناها، والشر سميناه، والاستراتيجية شرحتها.. على مواطنينا اليوم أن يكونوا محميين، وعلى مواطنينا المسلمين أن يكونوا محميين في بلدنا ضد شر الإسلام الراديكالي”، في تأكيد صريح منه على أنّ المسلمين أنفسهم ضحايا للإسلام السياسي ورغباته في إخضاع المجتمع الإسلامي لأجندات تتجاوز الحدود الفرنسية.
اقرأ أيضاً: (واشنطن.. لندن وبرلين).. بين إدراك خطورة الإخوان والإحجام عن تصنيفها إرهابيّاً
وقد عبّرت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، في الخامس والعشرين من أكتوبر، عن ذلك بصريح العبارة، عندما قالت إنّ سلوك تركيا إزاء فرنسا “غير مقبول لاسيما أنه يأتي من بلد حليف”، مشيرةً إلى أنّ تركيا لم تبدِ أي “تنديد أو تضامن بعد العملية الإرهابية في كونفلان سانت أونورين” (في إشارة إلى مقتل باتي)، وفوق ذلك، ذكر بيان الوزارة، أنّ أنقرة “منذ أيام، تمارس دعاية حاقدة ضد فرنسا تدل على الإرادة في بثّ الكراهية ضدنا وبيننا، بجانب شتائم مباشرة ضد رئيس الجمهورية تم التعبير عنها في أعلى مستوى للدولة التركية”، في إشارة إلى قول الرئيس التركي أردوغان: “ما مشكلة المدعو ماكرون مع الإسلام؟” ليضيف بأنّ “ماكرون يحتاج إلى علاج عقلي”، وهو ما دفع فرنسا إلى استدعاء سفيرها من تركيا.
حرب تجارية مع فرنسا
وقد استغلّت تركيا الأجواء المشحونة ضد فرنسا، لإطلاق حملة لمقاطعة البضائع الفرنسية، ما عقّبت عليه في نهاية أكتوبر، وزارة الخارجية الفرنسية، عندما طالبت الدول الإسلامية بالتخلي عن مقاطعة المنتجات التي تتم صناعتها في فرنسا، بينما قال وزير التجارة الفرنسي، فرانك ريستير، إنّ بلاده لا تنوي مقاطعة المنتجات التركية وستواصل العلاقات مع تركيا ورئيسها أردوغان، رغم دعوته لوقف شراء البضائع التي تصنعها فرنسا، وذلك عقب أن حثّ أردوغان مواطني بلاده، على مقاطعة البضائع الفرنسية.
اقرأ أيضاً: إخوان تونس 2020: مساعٍ لتعرية النهضة.. وطيّ صفحة الغنوشي (الجزء2)
بيد أنّ المحاولات الفرنسية لامتصاص العدوانية التركية لم تنجح، فعادت الرئاسة التركية إلى اتهام ماكرون بانتهاج الفاشية ضد المسلمين، انطلاقاً من دوافع سياسية، داعية إلى محاسبته، مما دفع الداخلية الفرنسية لمطالبة أنقرة مجدداً، بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلاده.
شحن ديني مُولّد للعنف
ومع مواصلة إتجار أنقرة بالدين، ومحاولاتها الحثيثة لإخضاع باريس لسطوة مريديها من منظري ومنتسبي تنظيمات الإسلام السياسي وجمعياته “الخيرية”، أسفر الشحن الديني عن عنف جديد، تفجّرت أحداثه هذه المرة في التاسع والعشرين من أكتوبر، عندما قتل 3 أشخاص وجرح آخرون، في هجوم بسكين بالقرب من كنيسة في مدينة نيس الفرنسية، تضمنت قطع رأس امرأة.
اقرأ أيضاً: بعد فشله مع العبادي.. أردوغان يبحث عن ضالته لدى الكاظمي
ومع استمرار البعض في محاولات تجيير الأوضاع المتأزّمة لصالحها، دعا رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي، إلى الاتحاد ضد من ينشرون الكراهية، فيما صرّح الرئيس الفرنسي بالقول إنّ بلاده تعرّضت لهجوم من “إرهابي إسلامي”، وتابع: “إذا تعرضنا لهجوم فهذا بسبب قيمنا الخاصة بالحرية ورغبتنا في عدم الرضوخ للإرهاب”.
حلّ التنظيمات المتطرّفة
ومع إدراك الفرنسيين لـأس المشكلة، كشف وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، بداية نوفمبر، عن توجّه الحكومة الفرنسية لحل التنظيمات المتطرّفة والداعية للعنف، ومنها “حركة الذئاب الرمادية“، التركية، كما طالب وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الحكومة باتخاذ إجراءات “للتصدّي بحزم لتأثير النظام التركي على الأراضي الوطنية”، قائلاً: “لدينا قائمة طويلة من الخلافات الجادة مع أنقرة”، متابعاً: “لن نتسامح مع تصدير هذه الكراهية وهذا العنف إلى الأراضي الفرنسية من خلال نقلها عبر مجموعات صغيرة”، مؤكداً أنّ الخلاف بين فرنسا وتركيا يتجاوز حدود البلدين، إذ يعتبر “هجوماً على أوروبا وقيمها”.
اقرأ أيضاً: إيران تنقسم على ذاتها.. روحاني متأمل بتوقيع بايدن والبرلمان يُشكّك
كما كشف وزير الداخلية الفرنسي، منتصف نوفمبر، عن حلّ جمعية مُكافحة العداء للمسلمين، المعروفة بـ”التجمّع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا”، عقب اتهام سابق لها، إبان جريمة قتل المعلم صموئيل باتي ذبحاً في باريس، بأنّها “وكر إسلاموي يعمل ضد الجمهورية”، وفي منتصف ديسمبر، اعتمدت الحكومة الفرنسية مشروع قانون يسعى إلى التصدّي لـ”التطرّف الإسلامي”، وتمكين قيم الجمهورية، وقد أشار رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس، إلى أنّ المشروع ليس “ضد الأديان” بل للدفاع عن “الحريات”، مردفاً: “الإسلام المتطرّف لا يطاق ببساطة، نحن نواجه عدواً يهاجم قيمنا، حتى إنّه يهاجم مواطنينا من خلال الأعمال الإرهابية، وما زلنا جميعا نفكر في الهجوم الرهيب على صمويل باتي أو مذبحة نيس، يجب علينا تقوية أنفسنا حتى نتمكن من مواجهتها بشكل أفضل”.
وعليه، بدت فرنسا حاسمة وشجاعة، في التصدّي لمحاولات إخضاع مسلميها لتنظيمات الإسلام السياسي المُؤتمرة والممولة من خارج حدود الدول الوطنية (ليس فقط في فرنسا)، لغايات سياسية معروفة، تسعى في الأساس إلى التأثير على المواقف الخارجية للدول، وهو ما دعت إليه تركيا في غير مرة، مُطالبة باريس بتغيير سياساتها الخارجية، خاصة في شرق المتوسط وأرمينيا وليبيا وشمال سوريا.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!