الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
 هل تنجح السويداء بتعميم العصيان المدني سورياً؟
السويداء

بعد إغراق السوريين بسياسات المماطلة والتسويف، وإحصاء أنفاسهم عبر اختراع البطاقة الذكية، والتحكّم بموارد حياتهم الأولية وتقييد حياتهم توازياً مع الانهيار الاقتصادي والنهب المنظم والعلني لثروات البلاد، يأتي قرار رفع الدعم عن أكثر من 600 ألف أسرة سورية، ما يزيد من أعبائهم، خاصة وأن 90% من السوريين دون خط الفقر.

قرار الحكومة الأخير هذا حرك الشارع الشعبي في السويداء للتظاهر والاعتصام في قرى المحافظة ومدنها الكبيرة. وهذه ليست المرّة الأولى التي يحتجّ بها المواطنون في السويداء على غلاء المعيشة وسياسة الحكومة خلال الأعوام المنصرمة الأخيرة. لكن احتجاجات اليوم تأتي وفق معطيات جديدة، فرغم تخوّف العامّة ممّا يحمله المحافظ الجديد للسويداء ولجنته الأمنية، والذي ينحدر من عائلة رأس السلطة، بعدما سُرّب مقطعٌ له يهدد ويتوعّد المحافظة. رغم ذلك بدأت الاحتجاجات بأسلوب جديد، قد يؤسس لعصيان مدني، حيث قطع الأهالي وعلى مدة يومين الطرقات في عشر نقاط داخل المحافظة، بالإضافة لقطع طريق العاصمة، مهددين بالتصعيد أكثر.

عدم ثقة الشارع الشعبي بوعود السلطة والحكومة بتحسين الوضع المعاشي والحياتي بعمومها، قادهم لمحاولة الوصول لعصيان مدني مبكر عبر محاولة منع الموظفين (بالحسنى)، كما يقولون، من الوصول لوظائفهم، مستثنين الطلبة والحالات المرضية الإسعافية، كما قام الناشطون في اليوم الثاني بإنهاء الدوام في بعض الدوائر الرسمية في المدينة. واجتمع المحتجون وسط المدينة يرددون شعارات الكرامة ورفض الفساد وإعادة توزيع الثروة الوطنية المنهوبة على مدى عقود على كل السوريين.

المفارقة الأولى في هذا الحراك أنه اتخذ سمة شعبية عامة وبمشاركة العديد من البيارق المحلية (وهي رايات محلية تشكلت في أغلب قرى وبلدات المحافظة لحماية الأرض والعرض خارج سيطرة السلطة) مع المحتجين بمظاهراتهم وبلباسهم المدني لحمايتهم، مع الإصرار على السلمية ورفض اللجوء للعنف أبداً. والمفارقة الأخرى هي اجتماع الأصوات المطلبية مع الأصوات السياسية، تداخلت بين إسقاط حكومة عرنوس، وتخللها أصوات أخرى بالتغير السياسي العام كحل جذري عبر شعار إسقاط النظام.

في الجهة المقابلة، التزم النظام بالهدوء، مكتفياً بالتحشيد العسكري، والانتشار حول مبنى المحافظة والأفرع الأمنية ونشر القناصة على الأسطح. مما قد ينذر بوقوع صدام دموي، يشبه صدامات 2011. هذا ما يتخوّف منه قسم كبير من الأهالي، فيما القسم الآخر لا يعوّل على الاستمرارية، أو تحقيق شيء من مطالبهم. ولعل تجربة النظام في هذه المحافظة بعد تعاظم دور الفصائل المحلية، تضعه أمام خيارين: إمّا التصدي للاحتجاجات بالرصاص، وبذلك يقطع آخر خيط له أمام حاضنته، ويخسر ورقة حمايته للأقليات كما يدّعي، أو يعود لسياسة المماطلة والوعود، معوّلاً على إرث قديم من تململ الناس ثم عودتها للانصياع من جديد، وتقديم الرشاوى والمكرمات، عدا عن رهانات السلطة على انقسامات الشارع المحتج.

لكنّ المؤكد مع تفاقم سوء الوضع المعيشي للأهالي، فإن الوضع قابل للاشتعال، ووسائل الاحتجاج تتجدد وتتصاعد، مع الدعوة لاعتصام عام يوم الجمعة المقبل، مترافق مع انهيار اقتصادي وسياسي كبيرين.

ليبقى التساؤل حراً غير مقيّد ببطاقة ذكية أو حسابات أحد، إلى أي حدّ تنجح هذه الاحتجاجات والمظاهرات بتحقيق مطالبها؟ وهل يمكنها ان تصل لعصيان مدني عام عندما تستجيب باقي المحافظات السورية له يؤسس لتغير عام في كل سوريا؟ وهل يمكنها أن تجبر النظام على خطوات إصلاحية، أم أنّ هناك كبش فداء يجهّز على المذبح؟

ليفانت - ىسالم المعروفي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!