-
هل يعود السوريون إلى ديارهم؟
منذ الشرارة الأولى لانطلاق الحراك الشعبي السوري المطالب بالتغيير، كان دأب النظام وما يزال تشويه هذا الحراك وتسويق فكرة إرهابيّة هذا الحراك لتأمين غطاء للقمع الممنهج له، وتالياً أخذ النظام يطوّر أدوات الهروب إلى الأمام والقفز في الهواء لتأجيل زواله واستجداء الاعتراف بشرعيّته بكافة السبل.
بدءاً من تشخيص الحراك السلمي في أيامه الأولى على أنّه حرب أهلية، إلى مؤتمرات الحوار التي نعتها بالوطنية، إلى الانصياع لحضور مؤتمرات دولية، أقّر أنّه سوف يغرق المجتمع الدولي في تفاصيل تبطل مفعولها، إلى عرقلة وتضييع وقت المبعوثين الدوليين لإفشال مساعي الحل السياسي، إلى ابتداع مؤتمرات مغايرة لمؤتمرات الشرعيّة الدوليّة في محاولة للالتفاف على قراراته الأخيرة وإبطال مفعولها، وكان آخرها مؤتمر عودة اللاجئين، الذي عقد بدفع من روسيا التي وضعت كلّ ثقلها لعقده بعد أن اقتنعت أخيراً أنّها تورّطت في الملف السوري، وأنّ غلّة بيدر التدخل في سوريا لم تأتِ بالقدر الذي كانت تؤمّل نفسها به على الرغم من انتزاع عقود إذعان طويلة الأجل مع النظام، وعلى الرغم من سيطرتها الميدانية، عسكرياً واقتصادياً، الأمر الذي لا يغني ولا يسمن من جوع مع موقف دولي صلب -حتى الآن- لا يعترف بكل ذلك ولن يشارك في إعادة الإعمار وإضفاء القبول لما يحصل في سوريا، ما لم تحلّ المسألة السورية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها القرار رقم 2254.
وكما كان متوقعاً، فقد فشل المؤتمر فشلاً ذريعاً على كافة الصعد، لأنّ معطياته كانت واهية، وما بني على باطل فهو دون أدنى شك باطل، يبدأ من زيف مصطلح “مؤتمر” الذي هو في الحقيقة مؤامرة ممجوجة وسمجة لم تنطلِ على المجتمع الدولي، ولا حتى على أبناء سوريا، الذين ما زالوا يقيمون في الوطن يقاسون شظف العيش ويحلمون بالفرصة التي تمكّنهم من الهروب إلى أية بقعة في الأرض تكفل لهم الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة، ليصل التضليل إلى تعريف مصطلح “اللاجئ” على أنّه هارب من الإرهاب الذي حصره النظام بداعش والحركات الأصولية، متغافلاً -أي النظام- عن ملايين السوريين الذين نزحوا داخل سوريا أو لجؤوا إلى دول الجوار وباقي أصقاع المعمورة هرباً من بطشه وبطش الدول الراعية، روسيا والفاشيّة الفارسيّة.
وقد ورد فى اتفاقيّة الأمم المتّحدة بخصوص اللاجئين عام 1951 وبروتوكول الأمم المتّحدة بشأن الملجأ الإقليمي عام 1967، الأسباب الداعية لقبول اللاجئ، وهي:
– “الخوف الناتج عن التعذيب والاضطهاد الناتج عن انتهاك حقوق الإنسان الذي نصّت عليها الإعلانات والمواثيق الدولية.
– والتمييز وهو يطلق على الاختلافات فى المعاملة، والحقوق والفرص، مما يولّد شعوراً بعدم الأمان.
– والعرق: ويطلق على الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة تشكل أقليّة ضمن مجموعة من السكان.
– والدين: وهو المعتقد الذى يعتنقه الإنسان، والحرية الدينية مكفولة وفق الإعلانات والوثائق الدولية، والانتماء، وذلك في حالة انعدام الثقة في ولاء إحدى الفئات للنظام السياسي الحاكم، مما يعرّضها للملاحقة والاضطهاد، وأخيراً الرأي السياسي، وهو ناتج عن اعتناق آراء سياسية مخالفة لما يعتقده النظام السياسي الحاكم، ما يؤدّي إلى الخوف من الاضطهاد، إلا أنّ ذلك الخوف لا بدّ أن يكون له ما يبرره من انتهاكات فعلية كالسجن أوالتضييق”.
يستمر التضليل حدّ الطلب من السوريين العودة إلى بيوتهم في حضن الوطن، لأنّ -حسب زعم النظام- شروط الحياة الكريمة والأمن والأمان صارت محققة، توحي هذه الفانتازيا الرومنسية بأنّ النظام أعاد بناء البيوت التي هدمها ثم أوصل التيار الكهربائي والماء إليها وأعاد الأثاث “المعفش” إلى مكانه بعد أن أصلح المعطوب منه أو اشترى بديلاً عن ما لم يمكن إصلاحه، ثم نظّف البيوت من الغبار والأتربة، وشدّ حبال الغسيل وغسل البلاكين وأعاد ترتيب أصيص القرنفل فيها وسقى مساكب الياسمين على الأسوار ورمم براويز الصور على الجدران واشترى ألعاباً جديدة للأطفال بدلاً من تلك التي تلفت تحت الركام.
حالة من الفصام تعتري النظام، فكيف بات “الخونة الإرهابيون” مواطنين صالحين هكذا بين ليلة وضحاها؟ كيف باتت “حاضنة الإرهاب” مكوناً لا يمكن الاستغناء عنه؟ كيف قبل النظام أن يشوّه “التجانس” الاجتماعي الذي حققه بعد أن أجلى المدنيين الأبرياء عن مدنهم وبلداتهم وقراهم؟ كيف قبل أن يخلط بين “سوريا المفيدة” وتلك غير المفيدة؟ لماذا تراجع عن نظرية أنّ سوريا ليست لمن هرب منها بل “لمن يدافع عنها”؟
حقيقة الأمر أنّ مؤتمر عودة اللاجئين هو مؤتمر إعادة النظام إلى المجتمع الدولي، مؤتمر إنقاذ روسيا من ورطتها، مؤتمر وأد حق السوريين في التغيير، مؤتمر طمس الحقائق وتسويق الأكاذيب، مؤتمر لا يعدو كونه ذرّاً سافراً لرماد الجريمة في عيون شهود زور تاجروا وما زالوا يتاجرون بدماء السوريين.
ليفانت – نزار غالب فليحان
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!