-
وشهِد شاهد من أهلها.. شهادة متأخرة بالحق
قراءةٌ في عنوان، وإشارةٌ من خلالها يتعرف القارئ على حقيقة قديمة منذ عقودٍ، وقد حرصوا على التكتم عليها وبذلوا الجهود ولم يفلحوا، وها هو تناحر الذئاب يكشف الحقائق، وفي هذا الإطار استطاع الكاتب إبراز جزء من الحقيقة المؤلمة الحبيسة في صدره لحاجة في نفسه وربما يكون ذلك جزءاً من التوجهات السياسية لجماعته، وقد أبرز ذلك بطريقة تجنبه التعرض للمضايقة أو القمع.
تحت عنوان إيران الخاسر الحقيقي من الوضع في فلسطين.. وحجم الشرخ انكشف بين النظام والشعب، نشرت صحيفة "شرق" تقول: إيران الخاسر الحقيقي من الوضع في فلسطين.. وحجم الشرخ انكشف بين النظام والشعب.
في مقالة له بصحيفة "شرق" المحسوبة على التيار المسمى بـ "الإصلاحي"، قال الكاتب كوروش أحمدي: إن عدم الاهتمام واللامبالاة هو الموقف الأوضح بين الإيرانيين هذه الأيام تجاه ما يجري في غزة وفلسطين، وقد لا يكون هناك مجال للدفاع عنه وتبريره لكنه ملحوظ ولا يمكن إنكاره.
نص من مقطعين للكاتب لا بد من الوقوف عنده مطولاً وتحليله بإسهاب ومهنية للوقوف عند الحقيقة التي يود الكاتب الإفصاح عنها بطريقته الدبلوماسية تجنبا للعواقب التي تتضح من خلال مفرداته فهو من أعلم بنظامه وما قد يبدر منه ومن مؤسساته خاصة في هذه الظروف الحرجة التي تصدعت فيها جدرانه ولعب الإحباط والخوف بكيانه خوفاً من السقوط.
المقطع الأول من النص: إن عدم الاهتمام واللامبالاة هو الموقف الأوضح بين الإيرانيين هذه الأيام تجاه ما يجري في غزة وفلسطين، كيف يمكن تفسير هذا النص بما في قلب الكاتب؟ يؤكد الكاتب هنا على حقيقة قائمة فعدم الاهتمام واللامبالاة ليست الموقف الأوضح بين الإيرانيين فحسب بل الأوضح والأعم أيضاً وقد يشمل هذا الوصف جزءاً كبيراً من حاشية السلطة في إيران على الرغم من أنهم مستفيدون جميعاً من الشعارات المرفوعة تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام وغزة بشكل خاص، والحقيقة أن ما أورده الكاتب يدرك تاريخه جيداً كما يدرك معناه، فالأمر ليس بجديد وأشبه بالراعي الذي ظل ينادي عابثا في قريته (ذئب.. ذئب) في ثلاث أوقات فيخرج أهل القرية لإغاثته وفي المرتين الأولى والثانية يخرجون ولا يجدون وجودا للذئب تيقنوا أن الراعي كاذباَ، ولم يأبهوا بعد ذلك بأية استغاثة منه حتى جاء اليوم الذي أتى فيه الذئب فعلاً واستغاث الراعي بأهل قريته لكنهم يأبهوا ولم يبالوا به ولم يكترثوا لأمره بسبب كذبه وافتضاح مكائده، وفتك الذئب بقطيعه، وعليه فإن ملاحظة الكاتب هذه ليست بظاهرة جديدة بل هي ظاهرة قديمة ومتأصلة منذ عقود بسبب كذب نظام الملالي بشكل ممل واستخدامه لفصيل أو اثنين من الفصائل في القضية الفلسطينية على الدوام للمتاجرة والادعاءات في حالات الاستقرار، وكوسيلةٍ ومخارج له وقت الأزمات، واعتاد الشعب الإيراني على هذا الكذب وهذه الشعارات والدعايات التي ملأت الميادين والشوارع، ومن يرى إعلانات تطوع الملايين في الشوارع منذ أربعة ونيف يقول ستتحرر فلسطين بعد ساعات، ومضت أكثر من أربعة عقود ولا زالت فلسطين محتلة وما زال الكذب والخداع قائماً، وما زال استنزاف أموال الشعب الإيراتي قائماً أيضاً؛ فأي أهتمام أو مبالاة يمكن توقعها من شعب عاش الظروف التي عاشها ويعيشها الشعب الإيراني الذي لا يثق في النظام الحاكم حتى في المسائل العقائدية... لكن الجديد في الأمر هنا هو نشر الكاتب لهذا الموضوع الآن في هذا التوقيت تزامنا مع الأحداث الدائرة في فلسطين وعلى نحو مناور كنوع من الفكر المتواري الموازي للتيار المسمى بـ "المحافظ" كرسالة موجهة في ظل التخاذل والتخبط الذي تلاه بخصوص موقف النظام من الأحداث في غزة.
المقطع الثاني من النص: وقد لا يكون هناك مجال للدفاع عنه وتبريره لكنه ملحوظ ولا يمكن إنكاره.. ماذا يقصد الكاتب هنا بذلك؟ ومما يخاف ويحذر؟ ويقصد الكاتب هنا بأنه قد لا يكون هناك مجال للتبرير والدفاع عن حالة عدم الاهتمام واللامبالاة التي هي على حد وصفه الموقف الأوضح بين الإيرانيين هذه الأيام تجاه ما يجري في غزة وفلسطين، وبمعنى آخر إن الخوض في هذا الحديث قد يتسبب بوجع الرأس إن لم يأتي بأكبر من ذلك في مثل هذه الظروف، ورغم ذلك يعود الكاتب فيقول: إن المواطن الإيراني الذي يجد نفسه أمام واقع تتجاهل فيه مطالبه من قبل السلطة يصبح لا يشعر بالالتزام تجاه قضايا تُعد هاجساً لدى السلطة السياسية، وفي قوله هذا نقد واضح للنظام، وتوضيحاً لأحد المبررات، كما يوضح الكاتب هنا بأن الشعب في وادي والنظام الإيراني في وادٍ آخر؛ بالإضافة إلى ما أوردناه ويتحاشاه الكاتب تجنباً لعواقبه..، ولكن هل هناك قضايا تمثل هاجساً حقيقياً فعلا لدى نظام ولاية الفقيه غير قضية الحفاظ على بقاء النظام مهما كلف ذلك من ثمن؟ والحقيقة وعلى وجه الدقة ليس لدى النظام أية قضايا على الإطلاق تمثل هاجساً له حقيقيا له سوى قضيتين مترابطتين وهما نهجه التوسعي وهاجس الخوف من السقوط الذي يرافقه كظله وهو ما يدفعه للتمدد خارجاً من خلال الكثير من الشعارات الرنانة ومنها شعارات فلسطين والقدس، وقد فقد هذه الشعارات بريقها ومصداقيتها في السنين الأولى من حكم النظام حتى وصلت اليوم إلى عدم الإيمان بالنظام ووجوده كلياً.
النظام الإيراني ودوره في الأوضاع الدائرة بفلسطين
لعب النظام الحاكم في إيران دوراً مهماً في شق صفوف الفلسطينيين واستمرار الصراع فيما بينهم، من خلال تقديم الدعم المالي واللوجستي والعسكري لتغليب بعض الفصائل على الأخرى سعياً من النظام إلى تحقيق أهدافه التوسعية والحفاظ على سلطة حكمه، وليس دعماً للقضية الفلسطينية إذ كان من المفترض أن تكون فلسطين قد تحررت وفقاً لحجم ما يطلقه ملالي إيران من شعارات، ويعزز ما يقدمه الملالي من دعم عسكري لحركة حماس والجهاد الإسلامي الفصائل الفلسطينية الأخرى في مخيمات اللجوء دور نظامهم ووجوده بالمنطقة وداخل إيران، وفي حين يعتبر البعض ذلك دعما للفلسطينيين إلا أنه في الحقيقة فرض لهمينة الملالي في المنطقة مما يشكل تهديداً لأمن واستقرار دول وشعوب المنطقة كما هو حاصل الآن.
الوضع الفلسطيني ونظام الحكم في إيران
يؤثر الدعم الذي يقدمه نظام الملالي في إيران للفلسطينيين إيجابياً على دور النظام الإيراني ومصالحه في المنطقة حيث يتم استخدام القضية الفلسطينية كوسيلة دعائية ووقود لتعزيز شعبيته في العالم الإسلامي وتحقيق أهدافه السياسية إقليمياً وعالمياً، كما استخدم هذا النظام القضية الفلسطينية كأداة لإدارة الصراع أيضاً وإيجاد حالة من عدم توازن القوى في المنطقة خدمة لمصالح الغرب.
بشكل عام تُعد الأوضاع في فلسطين جزءاً هاماً من السياسة الاستراتيجية للنظام الإيراني كلاعب مؤثر ومتحالف مع الغرب اليوم في المنطقة ويؤثر على التوترات الإقليمية وتوازن القوى في الشرق الأوسط، ويمضي نظام الملالي في نهجه المتعلق بفلسطين والعراق واليمن وسوريا ولبنان اليوم غير مكترثٍ بأحد في محيطه العربي والإسلامي.
الشرخ الحاصل بين النظام الإيراني والشعب
لا يتعلق الشرخ الكبير الحاصل بين النظام الحاكم في إيران والشعب الإيراني بدعم القضية الفلسطينية ودور النظام في الصراع في فلسطين فحسب بل يتعلق بدور النظام في المنطقة والعالم على حساب مصالح الشعب الإيراني الذي يعاني الفقر والبطالة وتردي الخدمات وعدم وجود بنية تحتية سليمة في الكثير من المناطق في إيران وعدم وجودها من الأساس في بعض المناطق، وعلى الرغم من المظاهرات والاحتجاجات التي قام بها الشعب الإيراني على مدار العقود الأربعة المنصرمة إلا أنه قوبل بالقمع والقتل والسجن واللامبالاة حتى وصل الشعب الإيراني اليوم إلى طرق مسدودة مع النظام ولم يعد يطالب بأية مطالب حياتية بل قام يطالب بالحرية وإسقاط النظام كمطلب رئيسي لدى عموم الشعب وفي كافة أرجاء إيران، ولم يعد يعترف الشعب بالنظام ولا بوجوده برمته، وقد رفض الشعب النظام ودوره في المنطقة بشعارات معبرة في عدة تظاهرات إلا النظام لا يكترث بمطالب الشعب ويتخذ من القتل والدم والقمع والتنكيل وسيلة للتعامل مع الشعب بدلا من تلبية مطالبه ومن هنا يزداد الشرخ وتزداد الهوة التي باتت عملاقة بين الطرفين.
وبالعودة إلى العنوان: إيران الخاسر الحقيقي من الوضع في فلسطين.. وحجم الشرخ انكشف بين النظام والشعب. ماذا يقصد الكاتب بهذا العنوان؟ وأي خسارة يتحدث عنها ولماذا لا يوضحون أن الشعب الإيراني هو الخاسر الحقيقي من لغة وخطابات ونهج المتاجرة بالقضية الفلسطينية وليست إيران فالنظام له إيرانه المحصورة في فئته وجنده والمنتفعين منه، وقد عزل الشعب النظام وقاطعه.. أما النظام فمستفيد من الأوضاع في فلسطين والمنطقة كلها؟ أما قوله "حجم الشرخ انكشف بين النظام والشعب" فهو مكشوف منذ زمن بعيد لكنهم يتجنبون الحديث في هذا الجانب.. وفي هذا الوصف الكثير مما يجب قوله كما فيه رسالة من وكره إلى الوكر الآخر..فما هذه الرسالة؟ الكل شركاء في خطايا نظام ولاية الفقيه.
ليفانت - د .سامي خاطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!