الوضع المظلم
السبت ٣٠ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل من إقليم مستقل في الجزيرة السورية؟
عمّار ديّوب

تصاعد الحديث منذ أشهرٍ، حول استقلال الجزيرة السورية. واقعياً، هناك الإدارة الذاتية الكردية ومؤسساتها، وهي تحت الرعاية الأمريكية المباشرة. الرعاية هذه، تتيح للإدارة القيام بمفاوضات متعددة، مع النظام، وروسيا، وتدفع لمفاوضاتٍ مع تركيا كذلك. السماح ذاك، يعبر عن غياب مشروعٍ هيمني لأمريكا في سورية، وبذات الوقت تقديم الإدارة باعتبارها المعبرة عن الجزيرة! وبدا أن هناك أطرافاً سورية عربية تستهدف الشيء ذاته، انطلاقاً من تعقّد الصراع في سورية، وغياب الحل، وإضافة إلى إرثٍ متراكم من إهمال المنطقة الشرقية، ولسان حالهم هنا: لماذا لا يتم العمل من أجل إقليمٍ مستقلٍ؟ طبعاً، أغلبية كردية تفكر بالعقلية ذاتها، وقسم من أهالي وسياسيي تلك المنطقة، نقصد العرب. غير الأكراد وبعض عرب الجزيرة، هناك أمريكا، التي ترى أن سورية بأسوأ حالٍ، وفيها عدة احتلالات، وهناك رفض روسي للمباشرة بالحل، وبالتالي من مصلحتها، ومعها إسرائيل، تدمير وتشظي سورية، وإحداث تسييسٍ عالٍ للنزعات القومية والعشائرية والمناطقية، والتي تبتغي حلماً، ورؤية مشوشة لمستقبل الجزيرة، ويتعدى مفهوم اللامركزية الإدارية، وبالمحصلة، تعميق الشروخ في سورية، وتهميش أية أفكار تخصّ القومية بمعناها الديموقراطي، وكذلك المواطنة والحريات، التي يلهج بها أغلبية السوريين، سياسيين وغير سياسيين. 


 


السؤال الواقعي: لماذا يطرح موضوع الاستقلال من أصله، وهل هذا ممكن؟ الطرح ذاك، مرتبط بإضعاف الوجود الروسي، الذي رفض كافة العروض الأمريكية، حول الحل في سورية، والذي يبدأ بإخراج إيران، وإحداث تغيير في بنية النظام، والبدء بالحل السياسي وفقاَ للقرار2254 وجنيف1 وشروط أخرى. فكرة المزيد من الاستقلالية لشرق سورية أثارت رفضاً روسياً، فكان اجتماع قدري جميل، ممثل حزب الإرادة الشعبية، وإلهام الأحمد، ممثلة مسد "الكردية" وهناك الاجتماع مع بعض شيوخ العشائر، ومحاولات روسية كثيرة لترسيخ نفوذها في تلك المنطقة، وليس آخرها محاولة السيطرة على عين عيسى، والتمدد إلى الحدود العراقية عبر البوكمال. روسيا بذلك، تستمر في سياستها نحو سورية، والتي تنطلق من رفض واقع التشظي، ومحاولة إعادة إنتاج النظام، مستغلة خفوت الصوت الأمريكي والتركي والإيراني، واللذين يقرون بهذه الدرجة أو تلك أن سورية من نصيب روسيا، ولو بعد حين، أي حينما تبدأ المفاوضات بين الدول، وليس عبر التسلية الأخيرة، وأقصد اللجنة الدستورية، وبالطبع فَشِلَ مؤتمر اللاجئين! روسيا، وهي تستمر بسياستها، تضغط على النظام، وتسيطر على مفاصله الأمنية والعسكرية، وتنال المزيد من الاستثمارات الاقتصادية، كما حدث مؤخراً مع زيارة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وشخصيات عسكرية وسياسية أساسية في الإدارة الروسية، ووقعوا40 اتفاقية، تخص الطاقة والكهرباء والبنية التحتية وسواها، ودون أيّة تعويضات للنظام السوري، وهو يفعل ذلك، رغبة منه بتأبيد ذاته.


 


موضوع "استقلال" الجزيرة السورية، تتبناه مجموعات عربية، تعادي تركيا، وترغب في إزعاجها، وتشتيت ساحات تقدمها، والتي تتصاعد في كل الدول المتاخمة لها (العراق، ليبيا، أذربيجان)، حيث تدعمه كل من الإمارات ومصر، وهذا عنصر خلاف مع روسيا، بقدرٍ ما. وتدعم تركيا مجموعات أخرى، ولكن ليس عبر القوى المنسقة مع قسد، وهذا في حال لم تتوسع سيطرتها، وتستولي على عين عيسى وربما منبج وتل رفعت.


 


الحالة السورية، المستمرة منذ تسع سنوات، توضعت أخيراً، على عدّة احتلالات، وتتبع لها عدة مناطق وقوى الأمر الواقع، والنتيجة الطبيعية أن سورية تتجه نحو التشظي، طالما الاحتلال الأقوى، أي روسيا، لم يفهم بعد أن المناطق المستقلة عن النظام، وقوى الأمر الواقع أصبحت تمثل الاحتلالات الخارجية ولم تعد مناطق للمعارضة. تفسير الأمر، ربما يعود إلى أن روسيا "مرتاحة" وهي تزداد تخمة من الاستثمارات السورية وأن سورية ستكون من نصيبها بالنهاية! 


 


المقصد أن ضعف كل من إيران وتركيا، والتحالف الروسي الإسرائيلي في سورية، والإرباك الحاصل في السياسة العالمية لأمريكا ومنها ما يتعلق بسورية، سيساعد روسيا في تحقيق مبتغاها، أي احتلال سورية منفردة، وهذا مؤجل إلى حين المفاوضات النهائية. هناك فكرة تقول بأن أمريكا، وبغياب مشروع روسي للحل، فإنها تدفع باتجاه المزيد من استقلال الجزيرة السورية عن النظام، وقانون قيصر يغلق منافذ تعويم النظام السوري، وبذلك تحرم أمريكا روسيا من أية عائدات فعلية من سورية رغم تعاظم استثماراتها!


 


 نعم أمريكا الآن تسيطر على أغلبية ثروات سورية في الجزيرة، وتُضعِف بشكلٍ مستمر وعبر قانون قيصرعلاقات النظام بالعالم، وتحاصر مصالح كل من روسيا وإيران، وبالتالي تدفع روسيا إلى مزيدٍ من الفشل، وربما تحويل سورية إلى مستنقع، ولكن ذلك يتطلب سنوات إضافية، وحالما يصبح النظام فاشلاً بامتياز، وترتفع الكلف الروسية من بقائها في سورية، وتتزايد الحركات الوطنية الرافضة للوجود الروسي.


 


بكل الأحوال، أمريكا لا تستهدف استقلالاً كاملاً للجزيرة السورية؛ بل تحاول تقريب أطراف المعارضة السورية، لتجد توافقات حول الاستقرار هناك، وتضغط على تركيا لتعديل سياساتها إزاء الإدارة الذاتية، وتعمل على إشراك عشائر عربية في مؤسسات الإدارة الذاتية. مشكلة سورية حالياً ليست في قوى الأمر الواقع وفي الاحتلالات فقط، فهي من يمسك بالواقع، مشكلتها في غياب معارضة وطنية، تشمل العرب والكرد والتركمان وآخرين، وتطوي صفحة قوى الأمر الواقع. إن هشاشة البعد الوطني لقوى الأمر الواقع، تَظهر من خلال غياب توافقات ممكنة بين قسد والائتلاف الوطني، وبين الائتلاف وهيئة تحرير الشام، وإن كافة فصائل الجيش "الوطني" في مناطق عفرين وعزاز والباب وجرابلس أصبحت مكروهة كما النظام السوري، وقسد وهيئة تحرير الشام.


 


المعارضة الممثلة بصفة خاصة بالائتلاف الوطني وما يتفرع عنه، كما قسد رهينة للأمريكان، كذلك هي رهينة لتركيا، وبالتالي لن تتمكن أمريكا من تجميعهما، وتأليف قوة جديدة، وفاعلة وتسيطر على الجزيرة، وتحولها إلى نقطة انطلاق ضد النظام. إن هذا لهو من أضغاث الأحلام.


 


الجزيرة السورية، فيها كل العوامل التي تدفع بها نحو أوسع شكل للاستقلال الذاتي، وفيها أيضاً عوامل مانعة للأمر عينه. النقاش أعلاه، يقول بأنه لن تتغير أحوالها كثيراً، عما يدور بها حالياً، وأيضاً لن تستقل المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا، وفي هذا الإطار نرى روسيا تدعم النظام السوري وتضغط على تركيا من أجل التراجع عن بعض المناطق في إدلب، ولكن ذلك، لن يسمح لروسيا بتعويم النظام الحالي، وهو ما حاولته منذ أيلول 2015. السيء في كل هذا، أن سورية ستذهب نحو مزيدٍ من التشظي على أسس عرقية ومناطقية وعشائرية وطائفية وأسرية وسواها.


 


إن آليات السيطرة على المناطق الواقعة تحت النفوذ الأمريكي، التركي، والإيراني، يُستنتَج منها أن الجميع ينتظر دوراً روسياً جديداً، ينطلق من تغييرٍ كبير في النظام السوري، وانطلاقاً من القرارات الدولية، إضافة للبدء بتطبيق الشروط الأمريكية؛ فهل تُوقف السياسة الروسية ثرثراتها (اللجنة الدستورية ومؤتمر اللاجئين) بما يخص تعويم النظام السوري، لكي تستفيد من خيرات سورية؟ هل نرى ذلك في الأشهر القادمة، وبعد تولي بايدن الرئاسة كما يقول محللون كثر؟ ربما نعم!.


عمّار ديّوب

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!