-
الشرق الأوسط.. صيف ساخن وتبدلات جيوسياسية.. كيف ولماذا؟
غيّرت الحرب الروسية الأوكرانية ملامح الجغرافيا السياسية حول العالم وبدأت آثارها واضحة على منطقة الشرق الأوسط، إذ أحدثت حسابات جيوسياسية لجميع الأطراف وتبدلات واضحة في الاصطفافات دفعت الكثير من البلدان وخاصة المملكة العربية السعودية وإسرائيل وتركيا إلى أن تتحوط في حساباتها بين الولايات المتحدة وروسيا.
إنّ العقوبات المفروضة على الاتحاد الروسي من قبل المجتمع الدولي، تفرض تحديات على بلدان الشرق الأوسط لتنويع الصناعات الدفاعية وإيجاد علاقات وحلفاء جدد.
وبدأت آثار هذه الحرب تُلقي بظلالها على سوريا أكثر من أي بلد آخر فتزايد عزلة موسكو السياسية والاقتصادية دفعتها إلى ممارسة دور المعرقل في الكثير من الملفات حول العالم وخاصة الملف النووي الإيراني. وبدأت تقدّم دعمًا أكبر للنظامَ الإيراني ومليشياتها في سوريا مقارنةً بالمرحلة السابقة.
وفي غضون ذلك، تتخوف تركيا وإسرائيل من التغيرات التي قد تحصل في مناطق النفوذ في سوريا، فتركيا بدأت بالتلويح بعملية عسكرية جديدة في مناطق الوجود الروسي ويخشى السكان الكرد في سوريا أن يدفعوا ثمن مقايضة روسية - تركية في هذا الصراع الجيوسياسي، أما إسرائيل فتتخوف من تنامي التعاون الروسي-الإيراني، حيث زادت من وتيرة عملياتها العسكرية في قصف الميليشيات التابعة لإيران.
في ظل الكم الهائل من المصالح المتشابكة والأوراق المختلطة على الساحة السورية بين الفاعلين الرئيسيين والتي تم ربطها بصراع بعيد عن الأراضي السورية، أُعلن عن زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط في خطوة فهمها الكثيرين بأن البيت الأبيض يسعى للعودة بقوة وترميم العلاقات بالحلفاء واستعادة الثقة معهم.
في هذا السياق، أكدت الكاتبة والمحللة السياسية هديل عويس لصحيفة ليفانت نيوز اللندنية أنه بعد أشهر من انشغال واشنطن بملف الحرب في أوكرانيا وتداعياتها، يبدو أنّ الإدارة الديموقراطية أدركت ضرورة عدم إهمال العلاقة الأميركية مع الحلفاء التقليديين ومن هؤلاء الحلفاء طبعاً المملكة العربية السعودية التي تعود العلاقة معها إلى ثمانية عقود لذلك رأينا أشهر من محاولات إصلاح العلاقة خلف الكواليس تتوّج أخيراً بالزيارة الأميركية إلى السعودية. هناك رأي غالب في واشنطن من التيار التقليدي في الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري يرغب بشدة بعدم تأزيم العلاقات مع الحلفاء في الشرق الأوسط ولذلك سعت إدارة جو بايدن منذ أشهر وحتى قبل الحرب في أوكرانيا إلى محاولة ترميم العلاقة مع السعودية التي تأثّر بتصريحات بايدن الانتخابية.
اقرأ أيضاً: بينيت: زيارة بايدن تهدف لـ "دمج إسرائيل في الشرق الأوسط"
تضيف عويس "أعتقد أن العلاقة مرّت بأوقات عصيبة أكثر مما نشهده اليوم ولكن أثبتت التجارب قدرتها على الصمود وقناعة كل من واشنطن والرياض بأهمية تجاوز الخلافات لتلبية مصالح الطرفين وهنا لا نتحدث عن مصالح نفطية أو مصالح أمنية وحسب فعبر السنوات تطوّرت العلاقة لتشمل الكثير من أوجه التعاون الجديدة التي تهمّ البلدين".
وحول العودة القريبة إلى الملف النووي الإيراني وما يعيق خروج الاتفاق الجديد إلى النور، قالت هديل عويس إنّ "المشكلة هي في اعتقاد طهران الخاطئ بأن إدارة جو بايدن مستعدة لتقديم أي نوع من التنازلات التي يطلبها الجانب الإيراني في سبيل توقيع الاتفاق ولكن هذا ما لم يحدث ولذلك أصبح اتفاق ٢٠١٥ في العناية المشددة رغم وعود بايدن ورغبة إدارته بتوقيع اتفاق".
وأضافت عويس، بأن "العوائق كثيرة ومنها مطالبات إيران برفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب، الأمر الذي أكدّت إدارة بايدن امتناعها عن تمرير مثل هذا المطلب. الأمر الآخر هو أن بعض بنود اتفاق ٢٠١٥ تنتهي صلاحيتها عما قريب في عام ٢٠٢٣ ولذلك ترغب واشنطن بإعادة صياغة الاتفاق بشكل يماشي الزمان والمتغيّرات، لا سيما تجاوز إيران خلال السنوات الأخيرة للكثير من التزاماتها".
ترى عويس أنّ واشنطن تبحث اليوم ضمنياً عن بدائل الاتفاق وهذا ملف هام سيبحثه بايدن في الشرق الأوسط، سواء في السعودية مع القيادة السعودية والدول العربية التي سيلتقيها بايدن في الرياض، أو في إسرائيل التي تقدّم نفسها اليوم على أنّها الطرف القادر على الوقوف في الواجهة في اتخاذ زمام المبادرة بالتحرّك في خطة بديلة عن الاتفاق ويتجسد باغتيال للعلماء النوويين واستهدافات غامضة للمنشأة النووية الإيرانية.
تضيف عويس"أعتقد أن واشنطن لن تعدم الوسيلة لمنع الخطر النووي الإيراني ولذلك لم تقدّم كل التنازلات التي طلبتها طهران ولكن من الواضح أيضاً أن المنطقة مقبلة على صيف ساخن يحمل الكثير من التوتر بسبب البرنامج النووي وخاصة بين إسرائيل وإيران ومليشياتها في المنطقة".
اقرأ أيضاً: السعودية وأمريكا تطلقان خطة عمل للشراكة التجارية في 4 مجالات
وعن بروز تحولات كبيرة في المشهد الجيوسياسي الدولي التي تطال مجريات الصراع في سوريا، والحديث عن عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري وعودة الرئيس التركي لهوايته في خلط الأوراق الدولية لصالح عمليته المرتقبة وعن حقيقة الموقف الأمريكي وإدارة بايدن الديمقراطية من هذه العملية، تابعت هديل عويس قائلةً: "بالفعل، التحوّلات الدولية تنعكس بشكل مباشر على سوريا في ظل الأثر الكبير لأهم اللاعبين في الحرب الأوكرانية في الأراضي السورية أيضاً".
وأكّدت عويس، "يبدو أن الحرب في أوكرانيا ستكسر الجمود الذي شهدته الساحة السورية في السنوات الأخيرة، فمثلاً تحاول إيران أن تأخذ بعض من نفوذ روسيا في سوريا، وتسعى إسرائيل لاستغلال الضعف والحاجة الروسية للحلفاء في التصعيد العسكري ضد مناوئيها الإيرانيين في سوريا. الرئيس أردوغان أيضاً يستغل كونه اللاعب الأقرب إلى روسيا في الناتو لانتزاع تنازلات من روسيا في الشمال السوري، ولذلك المناطق التي يهدد أردوغان بغزوها (منبج وتل رفعت) هي مناطق خرج منها الجيش الأميركي عام ٢٠١٩ ودخلها الروس وبالتالي إذا كان أردوغان يبحث عن ضوء أخضر لشن العملية العسكرية فهو يبحث عنه عند الروس وليس واشنطن.
وتضيف: "رغم أنّ جو بايدن وجّه انتقادات لاذعة لترامب لتركه أردوغان يغزو الشمال السوري عام ٢٠١٩ دون ممانعة أميركية إلا أنه يجد نفسه اليوم شبه عاجز أيضاً عن وقف التهديدات التركية بسبب طبيعة الغزو الذي يتوعّد به أردوغان، وهو يتركّز في مناطق ليس بيد أميركا حمايتها عسكرياً، وكذلك بسبب الحرب الأوكرانية التي تجعل من هدف وحدة حلف الناتو أولوية بالنسبة لسياساتها الخارجية، وبالتالي سيتردد بايدن في إحداث شرخ كبير في العلاقة مع تركيا في هذا التوقيت تحديداً".
تردف عويس بالقول، أنه "رغم هذه الظروف نرى ممانعة في الكونغرس الأميركي وحتى في الخارجية للتهديدات التركية ولكن لا أعتقد أن هذا التنديد سيتحوّل إلى تحرّكات أميركية فعلية. بكل الأحوال العملية التركية تواجهها عدة عراقيل منها صعوبة المضي في غزو بري في منبج ذات الكثافة السكانية الكبيرة، والأوضاع الاقتصادية في الداخل التركي، والمطالب الروسية الكبيرة للتنازل عن المنطقة لتركيا، وربما الضغط الدبلوماسي الاميركي على تركيا من وراء الكواليس".
وفيما بخص استمرار الحرب الروسية الأوكرانية طويلاً وهل هذا يهدد شعبية وحظوظ الرئيس بايدن في الظفر في الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة بعد تأكيد معهد بروكينجز في استطلاع له بأن الحرب الأوكرانية قد وحّدت الداخل الأمريكي يشكل نادر. أكّدت هديل عويس بأن الحرب الأوكرانية وحدّت الحزبين بسبب رغبة الديموقراطيين والجمهوريين بهزيمة روسيا في أوكرانيا وحظي جو بايدن بإشادة نادرة من زعيم الجمهوريين ميتش ماكونيل بسبب أداءه في حرب أوكرانيا.
وأكّدت، بأنه "تمكن الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا من خفض سقف الطموحات الروسية في أوكرانيا وعرقلة مسألة سقوط العاصمة كييف والحكومة الأوكرانية، ناهيك عن الخسائر الكبيرة التي تتكبّدها روسيا وطول أمد الحرب الذي تخسر منه بالدرجة الأولى روسيا التي تقاتل على الأرض الأوكرانية بكل طاقتها وتكافح اليوم لتسيطر على أقل من ١٠ بالمئة من الأراضي الأوكرانية (الدونباس)".
اقرأ أيضاً: الهجوم الروسي على أوكرانيا.. دراسة حالة في الاستراتيجية السيئة
تنظر الطبقة السياسية إلى أداء بايدن في حرب أوكرانيا بإيجابية حيث تمّكن من جرّ دول في الناتو مثل "ألمانيا" و "فرنسا" إلى رفع منسوب دعمها العسكري والمالي لأوكرانيا كما حققت جهود إدارة بايدن هدف عزل روسيا دفعة دولية كبيرة ومؤثرة تضم أوروبا واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية وهي كتلة تشكّل مجتمع أكثر من ٦٥ بالمئة من الاقتصاد العالمي. ولكن رغم هذا الأداء الإيجابي في الملف الأوكراني، لن يصوّت الناخب الأميركي في انتخابات التجديد النصفي على هذا الملف بل على الملف الاقتصادي الذي لم ينجح فيه بايدن حتى الآن بل تشهد أميركا تضخم وتدهور اقتصادي لا مثيل له منذ عقود طويلة.
وعن العلاقة الصينية الأمريكية وهل موضوع احتواء الصين خيار سهل وما زال بالإمكان بالنسبة للبيت الأبيض، وهل تتشابه المعطيات بين اليوم والأمس في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين وتقويض مكانتها مع السياسة التي تبنتها أمريكا وحلفاؤها في الماضي مع الاتحاد السوفييتي.
قالت هديل عويس، بأن الولايات المتحدة الأمريكية تمكّنت في السنوات الأخيرة من بناءه يضم كتلة اقتصادية قوية غربية وآسيوية تشكّل مجتمعة قوة اقتصادية ضخمة لا يستهان بها، وهدف مثل هذا التكتّل هو إيجاد قوة قادرة على التصدّي للصين.
وأوضحت عويس بأن التعاطي مع الصين مختلف عن التعاطي مع روسيا، مشيرةً إلى أن هناك تركيز حتى اليوم على المنافسة مع الصين كأولوية في أميركا ولكن أميركا غير قادرة على معاقبة الصين أو الاستهانة بمسألة عزلة الصين كما تفعل مع روسيا فالاقتصاد الأميركي يتأثر بأي آثار سلبية في الصين والعكس صحيح ولذلك نرى اليوم التضخم في أميركا ينعكس سلباً أيضاً على الاقتصاد الصيني بسبب التداخل الكبير بين أكبر شريكان تجاريان في العالم تقريباً (الصين وأميركا).
وخلُصت عويس بالقول، أنه بالنسبة للدول الأوروبية أيضاً العلاقة مع الصين أعمق اقتصادياً من العلاقة مع روسيا وبالتالي من الصعب على الغرب حشر الصين في الزاوية. ولكن من شأن توحّد كتلة من الدول القوية اقتصادياً وعسكرياً تطبيق بعض الضغوطات على الصين لتغيير بعض سلوكياتها لا سيما التجارية والتي ينظر إليها في أميركا على أنّها غير عادلة للاقتصاد الأميركي.
هناك خلافات جيوسياسية كبيرة أيضاً بين الصين وأميركا مثل التوتر الذي تشهده العلاقة بسبب تصعيد إدارة بايدن من تسليحها لتايوان وتصريحات بايدن المتعلقة بالدعم الأميركي لتايوان ولكن هنا أيضاً المقاربة مختلفة عما يحدث مع روسيا اليوم فالصين نفسها أكثر اهتماماً من روسيا باستقرار اقتصادها والاقتصاد العالمي خاصة في هذه المرحلة الحساسة اقتصادياً.
ليفانت نيوز_ خاص
إعداد: رودوس خليل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!