الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • مصالح روسيا الاقتصاديّة في سوريا ما بين قضيّة مخلوف وترفيع يفيموف

مصالح روسيا الاقتصاديّة في سوريا ما بين قضيّة مخلوف وترفيع يفيموف
روسيا

خبراء روس: الأسد مستفيد من اتّهام روسيا في الحملة على مخلوف


في الحديث عن حملة النظام على “ذراعه الاقتصادية” رامي مخلوف، ذهب محللون سياسيون إلى القول: “إنّه لا مصالح اقتصاديّة لروسيا في سوريا”، لتأكيد وجهة نظرهم بأنّ روسيا لا علاقة لها في قضية مخلوف. 


الآن، وبعد تعيين السفير الروسي لدى دمشق، مبعوثاً رئاسياً خاصاً لتطوير العلاقة مع سوريا، هناك شبه إجماع على أنّ منحه تلك الصلاحيات خطوة ترمي، بما في ذلك، إلى تعزيز دور ومشاركة روسيا في إنعاش الاقتصاد السوري، وضمان أفضلية للشركات الروسية في المشاريع السورية، لاسيما في عمليات إعادة الإعمار، ما يدفع للاستنتاج بأنّ الكرملين حريصة على مصالح اقتصادية روسية باتت موجودة الآن في سوريا.


تأكيد رسمي على المصالح الاقتصادية الروسيّة في سوريا


بعد مراجعة سريعة للتعاون الاقتصادي بين موسكو ودمشق، خلال العقدين الماضيين، يتّضح أنّ روسيا لم تكن حتى عام 2011، بين الدول التي لديها مصالح اقتصادية في سوريا. وقدّم فلاديمير بوتين، حين كان رئيساً للحكومة، تشخيصاً دقيقاً لطبيعة تلك العلاقات، وذلك في تصريحات له صيف عام 2011، في أعقاب محادثات مع رئيس الوزراء الفرنسي، وقال حينها: “ليست لدينا مصالح خاصة هناك (في سوريا)، لا قواعد عسكرية، ولا مشاريع كبرى، ولا استثمارات بمليارات الدولارات، علينا الدفاع عنها، لا يوجد أيّ شيء هناك”، إلا أنّ الأمر تغيّر جذرياً في السنوات الأخيرة، وبعد تدخلها عسكرياً لدعم النظام، باتت روسيا عملياً أهم شريك اقتصادي لدمشق، وحصلت على امتيازات اقتصادية لا محدودة، ساهمت في تحقيق أحلام القياصرة بالحصول على منفذ “تحت السيادة الروسية” على المتوسط، فضلاً عن صفقات واتفاقيات وعقود كثيرة أخرى في قطاعات استراتيجية من الاقتصاد السوري، يفترض أنّها شكّلت مجتمعة ما يمكن وصفه “مصالح اقتصادية روسية في سوريا”، تسعى موسكو لضمانها وتثبيتها على المدى الطويل.


ومنذ عام 2015، بات التعاون الاقتصادي، وبصورة أدق، إمكانية حصول الشركات الروسية على عقود وصفقات كبيرة في قطاعات استراتيجية من الاقتصاد السوري، موضوعاً رئيساً على جدول أعمال المحادثات الثنائية، على أعلى مستوى. وكان دميتري روغوزين، النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، وصل في خريف عام 2016، أيّ بعد عام على التدخل العسكري الروسي في سوريا، في زيارة اقتصادية إلى دمشق، حيث أجرى محادثات مع الأسد، ركّز فيها على نشاط الشركات الروسية في سوريا. روغوزين المكلف بالإشراف على عشرات الملفات الحساسة ذات الطابع الاستراتيجي من الاقتصاد والصناعات الروسية، أكّد في ختام المحادثات حينها حصوله على وعود “أن تحظى كل شركة روسية باهتمام دقيق من جانب الحكومة السورية”، وقال إنّ المسألة الأهم التي جرى بحثها هي “كيف يتم تثبيت مصالح روسيا الاقتصادية ولمدة طويلة (في سوريا)”، وعبّر عن قناعته أنّ تثبيتها “ممكن عبر المشاركة في المشاريع الضخمة لإعادة تأهيل الاقتصاد السوري، والمشاركة في بناء شبكات الطاقة، والموانئ وغيرها من مشاريع البنى التحتية الضخمة”. 


وفي ختام زيارته الثانية، نهاية عام 2017 إلى دمشق، قال إنّه توصّل خلال المحادثات مع الأسد إلى اتفاقات غاية في الأهمية، ستسهم بما في ذلك في تعزيز النجاح العسكري الذي حققته القوّات الروسية، عبر نهج التوجّه طويل الأمد لسوريا نحو روسيا، و السوق الروسية. وتحدّث عن مقومات الاقتصاد السوري، مثل المحاصيل الزراعية والخامات الطبيعية، والموقع الذي قال إنّه “فريد للنقل”، وشدّد بعد ذلك على أنّ “الشركات الروسية تملك الحق المعنوي في تطوير المشاريع الاقتصادية الكبرى هنا، لاسيما بوجود قواتنا التي ستبقى بشكل ما للحفاظ على السلام والاستقرار”.


يوري بوريسوف، الذي تمّ تعيينه خلفاً لروغوزين، أعلن في أعقاب محادثاته مع الأسد، في دمشق نهاية عام 2019، عن خطة روسية لإعادة تأهيل شاملة للبنى التحتية لمنظومة النقل البحري والبري السورية، وكان واضحاً أنّ الهدف الاستفادة من تلك المنظومة في تصدير المنتجات الروسية، عبر سوريا، إلى دول المنطقة. إذ أكد عزم روسيا استثمار 500 مليون دولار لتطوير ميناء طرطوس، وخطة إصلاح سكك الحديد القديمة ومدّ خطوط جديدة في بعض المناطق لتمرّ عبر سوريا والعراق، من أجل إنشاء ممر نقل يربط البحر الأبيض المتوسط بالخليج العربي. كما كشف عن خطة استثمارات بقيمة 200 مليون دولار لإصلاح وتحديث معمل الأسمدة الكيميائية في حمص. 


الخبراء الروس.. تباين حول المصالح في سوريا


وإذ يؤكّد ذلك الجزء البسيط من تصريحات المسؤولين الروس على المصالح الاقتصادية الروسية في سوريا، برز حول هذه المسألة تباين في أوساط كبار الخبراء والمستشرقين الروس المهتمين بالملف السوري. الخبير كيريل سيمينوف، العضو في المجلس الروسي للشؤون الدولية قال لـ “ليفانت”: “إنه لا داعي للبحث عن منفعة اقتصادية في المحور السوري للسياسة الروسية”، وذهب إلى وصف سياسة روسيا الشرقية، بشكل عام، أنّها “خاسرة” لجهة تحقيق مصالح اقتصادية، وقال: “إنّها كانت كذلك منذ السيطرة على آسيا الوسطى، وحملة القوّات الروسية على هضبة بامير (1891-1894)”، وأضاف: “الوقت الحاضر ليس استثناء”، ويقصد بذلك العملية السورية. كما رفض الربط بين عمليات روسيا العسكرية في المنطقة وصفقات وعقود الشركات الروسية في الشرق الأوسط، وقال إنّها ليست مرتبطة بالحملة العسكرية في سوريا، منوّهاً إلى “توقيع عقد تسلّح ضخم مع مصر عام 2014″، أي قبل التدخل العسكري في سوريا. وعبّر عن قناعته بأنّ “روسيا لا يمكنها جني ثمار اقتصادية في سوريا”، وأنّ الاقتصاد يُضاف بغية تبرير العملية العسكرية، وأضاف: “هم لم يقوموا بهذا من أجل الاقتصاد، ولوكان الأمر كذلك ما كانوا سيطلقون الحملة العسكرية في سوريا، لأنها غير مربحة”. وحول تصريحات روغوزين، قال سيمينوف: “إنها منفصلة عن الواقع”. 


الخبير الروسي بشؤون الشرق الأوسط، والمعلّق السياسي في صحيفة “نيزافيسمايا غازيتا”، إيغر سوبوتين، يتّفق مع فكرة أنّ “الشرق الأوسط يشكّل أهمية حيوية بالنسبة لروسيا”، لكنه يرى مع ذلك أنّه “من الصعب للغاية الحديث هنا عن أي منفعة اقتصادية (في سوريا)”. وقال في حديث  لـ “ليفانت”: “إنّ المشاريع العسكرية السياسية الروسية الخارجية تكون عادة غير مربحة بالمعنى الاقتصادي، والحملة السورية ليست استثناءً”، وعبّر عن اعتقاده بأنّ مشاريع بعض الشركات الروسية في سوريا “تخدم مصالح دائرة ضيقة من الشخصيات المنخرطة في تلك الأعمال، لكن الحديث لا يدور عن مصالح روسيا الاقتصادية بشكل عام”. 


من جانبه قال المحلل السياسي، أنطون مارداسوف، العضو في المجلس الروسي للشؤون الدولية، والخبير غير المقيم في “معهد الشرق الأوسط” الأميركي: “إنّه لدى روسيا مصالح اقتصادية في سوريا”، لكنه رفض ما يُقال عن محاولات لهيمنة روسية على الاقتصاد السوري، وقال: “إنّ التصريحات التي يبني عليها محللون سياسيون عرب وجهات نظرهم بهذا الصدد لا تعني عادة أي شيء”، وأشار بما في ذلك، إلى تصريحات روغوزين، وقال: “إنّه صحفي وشعبوي، يطلق تصريحات خيالية حتى في مجال الفضاء الذي يشرف عليه الآن”. وعبّر عن قناعته بأنه لا يمكن أن تكون هناك مصالح واسعة للبزنس الروسي في سوريا، وذلك لعدة أسباب، مثل تعقيدات الشحن، والعقوبات الأميركية. وبالنسبة للشركات الروسية التي تعمل في إنتاج الفوسفات والنفط في سوريا، قال: “إنّها تعمل في الظلّ”، وأضاف: “أغلب الظن أنّهم ببساطة يحقّقون ربحاً لموافقتهم بدء العمل في مشروعات ذات دوافع سياسية”.


وفي حديثه عن إشارة البعض إلى دور روسي في الحملة ضد مخلوف، رأى مارداسوف أنّ ما يجري في واقع الأمر “خلافات داخل النخبة الحاكمة”، وأشار إلى أنّه “من المريح للأسد عرض ما يجري على أنّه صراع بين روسيا وإيران (في سوريا)”، لافتاً إلى أنّها “شائعات، كما هو معلوم، يروّج لها القصر بهذا الصدد”، موضحاً أنّ “عرض الأمور بهذا الشكل يسمح له (للأسد) بتمويه قراراته، وتحميل الرعاة (روسيا وإيران) المسؤولية عن كل شيء، والحصول منهم على تفضيلات”. 

 

– طه عبدالواحد  

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!