-
"مسجد ميونخ".. مهد إخوان أوروبا وبداية طريق الإرهاب وهدم "الدولة الدستورية"
في نهاية عام 1958، كان 86 رجلاً يبحثون عن غرفة اجتماعات في مدينة ميونخ، جنوبي ألمانيا، حين سمح لهم راعي كنيسة القديس بولس باستعمال أحد الغرف التابعة للكنيسة لعقد أول اجتماع إخواني في الأراضي الألمانية لبحث إنشاء مسجد.
الاجتماع الذي لم يجذب أنظار الصحافة المحلية حتى ولو بسطر واحد في حينه، كان نقطة تحول كبيرة، لأنه كان بداية الوجود الإخواني في ميونخ وألمانيا بأسرها.
وبعد هذا الاجتماع بعامين، وبالتحديد في 1960، أطلقت المجموعة على نفسها "لجنة بناء المسجد"، وكانت النواة التي تطورت مع مرور السنوات لتصبح التجمع الإسلامي في ألمانيا، ثم منظمة المجتمع الإسلامي، وهي المنظمة المظلية الحالية للإخوان في الأراضي الألمانية.
ومن ثم، بدأ وجود الإخوان في ألمانيا في ميونخ، وانتشر لباقي مدنها، وباقي دول أوروبا الغربية، بل أن العديد من العناصر النشطة في إطار مسجد ميونخ الذي بدأ العمل في 1973، ارتبطت بأحداث إرهابية كبرى، فالقيادي المصري محمود أبو حليمة، المتورط في تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، كان أحد أركان المسجد والمركز الثقافي المرتبط به، في ثمانينيات القرن الماضي.
كما أن غالب همت، رئيس منظمة المجتمع الإسلامي بين عامي 1973 و2002، من بين المؤيدين الكبار لأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة. كما أن أحد الشركات التابعة ليوسف ندا، وهو عضو مؤسس لمنظمة المجتمع الإسلامي، ترتبط بتنظيم القاعدة، وفق تقارير أممية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مهدي عاكف، المرشد العام السابق للإخوان في مصر، مر على مسجد ميونخ.
وبعد أن فرغت من مسجد ميونخ، أسست الإخوان في العشرين عاماً التالية، أذرع رئيسية لها في غالبية الدول الأوروبية؛ أبرزها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (تأسس ١٩٨٣)، والرابطة الإسلامية في بريطانيا (1997)، ورابطة الثقافات الإسلامية في بلجيكا (1997)، والرابطة الإسلامية في السويد "1980"، فضلاً عن الشبكة الأكبر في أوروبا المتمثلة في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا المؤسسة عام 1989.
وفي هذه المرحلة، حاول الإخوان تقديم أنفسهم كحلقة وسط بين الحكومات والمجتمعات الإسلامية في الدول الأوروبية، وبسط النفوذ على المسلمين فيها.
هدم "الدولة الدستورية".. هدف إخوان ميونخ
وقالت وثيقة لبرلمان ولاية بافاريا "جنوب/عاصمتها ميونخ" مؤرخة بـ12 يوليو 2019، وأطلعت "ليفانت نيوز" على نسخة منها، إن "جماعة الإخوان المسلمين هي واحدة من المنظمات المركزية التي يراقبها مكتب هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ولاية بافاريا".
وأضافت "تسعى هذه الجماعة لتحقيق أهدافها المتطرفة بالوسائل السياسية، ثم فرض نظامها على المجتمع"، مضيفة "هدف الإخوان الأكبر هو إقامة نظام يناسب رؤيتها للإسلام".
ومضت قالة "تسعى الجماعة جاهدة إلى هدم الدولة الدستورية الديمقراطية واستبدالها بدولة تخدم رؤيتها"، موضحة "تتعارض الكثير من مبادئ وأفكار الإخوان مع مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون والنظام السياسي القائم على الكرامة الإنسانية، وكذلك مبادئ المساواة مهما اختلف الدين أو النوع المنصوص عليها في دستور ألمانيا الاتحادية".
ولفتت الوثيقة إن الإخوان تتبع "استراتيجية خداع"، حيث تبدى انفتاحاً على العالم، وتسامحاً، واستعداداً للحوار، لكنها تخفي نزعة شمولية معادية للديمقراطية.
الوثيقة ذكرت أيضاً "من أجل ضمان التقبل الاجتماعي، تقدم الإخوان للمجتمعات المسلمة مساهمات في حل المشاكل اليومية، وخدمات تعليمية"، مضيفة "هذه الاستراتيجية تنجح على المدى المتوسط في جذب الأتباع والمتعاطفين، وزرع أفكار معادية للديمقراطية والتعددية في نفوسهم".
ومضت قائلة "لذلك تدير الإخوان العديد من المنظمات الثقافية والمساجد، لأن هذه المؤسسات تحقق هدف نشر بروباجاندا الجماعة وأفكارها وأيدلوجيتها"، مضيفة "وتحاول الإخوان من خلال هذه المنظمات تقديم نفسها للدولة الألمانية باعتبارها لسان حال المسلمين، بل أنها تحاول التأثير على السياسة والمجتمع في بافاريا".
الوثيقة ذكرت بوضوح "حكومة ولاية بافاريا تؤكد أنها لا تمول أي مشاريع متعلقة بالإخوان، أو تشارك فيها الجماعة، ولاسيما تلك المتعلقة بالمشاركة السياسية ومناهضة التمييز".
ووفق الوثيقة ذاتها، فإن الحكومة تتخذ اجراءات لمنع مشاركة الإسلاميين المتطرفين بشكل مباشر أو غير مباشر، في أي مشاريع تمولها، وضمان عدم إساءة استخدام الأموال الحكومية في تحقيق أهداف الإخوان التي تتعارض مع النظام الديمقراطي الحر والأمن العام.
"محترفو خداع".. وأخطر من "الأحزمة الناسفة"
انتهجت الإخوان الخداع منذ بداية وجودها في ميونخ وغيرها من الولايات الألمانية التي انتشرت فيها، فهي تقدم نفسها كجماعة سلمية، تندمج بشكل جيد في المجتمع، وتكوين علاقات قوية مع الإعلام والساسة، وتقدم خدمات للمجتمع، لكنها في الواقع تسعى لتحقيق أهداف تناقض ذلك، وترمي لتقويض المجتمعات الأوروبية، وفرض رؤيتها للدولة والسياسة، فضلاً عن انتهاجها وسائل عنيفة.
ولا يتوقف الأمر على الإخوان فقط، فالجماعات التي تدور في فلك النظام التركي، مثل دتيب وأتيب، وميللي جورش، تنتهج نفس الاستراتيجية؛ "الخداع" من أجل تحقيق أهدافها المتطرفة.
وفي هذا الإطار، ذكر تقرير هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" في ولاية شمال الراين ويستفاليا غربي ألمانيا، الصادر في نهاية 2018، أن جماعات الإسلام السياسي لا ترتدي الأحزمة الناسفة ظاهرياً مثل تنظيم "داعش" أو "القاعدة"، ولكنها "محترفة في الخداع"، "وتعمل بكل الوسائل من أجل تطبيق نظام حكم إسلامي في أوروبا، وتقبل في تحرك تكتيكي بالأساس، التواجد في نظام ديمقراطي كمرحلة انتقالية تسبق تحقيقها هدفها وتقويضها هذا النظام لاحقاً".
واستنتج التقرير أن "جماعات الإسلام السياسي تعد أخطر على النظام الديمقراطي ونمط الحياة الأوروبي، على المدى الطويل من الإرهابيين الذين يرتدون الأحزمة الناسفة".
ووفق التقرير ذاته، فإن هذه الجماعات تستخدم الاندماج الجيد في المجتمع كاستراتيجية لتحقيق أهدافها، بما في ذلك إقامة علاقات قوية مع أجهزة الدولة والسياسيين والكتاب ومنظمات المجتمع المدني، والظهور بشكل نشيط في الإعلام.
وفي فبراير الماضي، قالت الحكومة الألمانية في مذكرة للبرلمان، أطلعت "ليفانت نيوز" على نسخة منها، إن الإخوان "تلتزم بشكل عام بالقانون والدستور الديمقراطي، لكنها تسعى لتحقيق أهداف تتعارض معهما"، مضيفة أن الجماعة "تريد استبدال النظام والدستور الألمانيين بنظام إسلامي قائم على تفسيرها الخاص للشريعة الإسلامية".
وبصفة عامة، تحدد "هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية"عدد قيادات الإخوان الأساسية في ألمانيا بـ1040 شخص. وتقول تقارير الهيئة إن "المركز الإسلامي في ميونخ "جنوب" المرتبط بالإخوان، يتولى سنوياً، تدريب 120 تلميذاً وطالباً تتراوح أعمارهم بين 6 و20 عاماً، ويزرع الأفكار المتطرفة فيهم.
كما أن المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، وهو يعد منظمة مرتبطة بالإخوان أيضاً، ينظم حلقات تعليمية للبالغين بشكل دائم في عموم ألمانيا، لكن لا تتوفر معلومات عن الأعداد التي تحضر هذه الحلقات.
وتراقب هيئة حماية الدستور مؤسسات تابعة للإخوان في ألمانيا منذ عام 1970. وعادة ما تخضع هيئة حماية الدستور، التنظيمات والأفراد الذين يمثلون خطراً كبيراً على الديمقراطية ويهدفون إلى تقويض النظام السياسي، لرقابتها.
واللافت للنظر أن المنظمات التابعة للإخوان في ألمانيا لا تربط نفسها بالجماعة في العلن، وخير مثال على ذلك "مركز ساكسونيا للمؤسسات غير الربحية"، وهو منظمة مرتبطة بالجماعة اضطرت لتعليق أنشطتها بشكل كامل خلال السنوات الماضية، بعد أن بات معروفاً للعامة علاقتها بالإخوان.
تمويل خارجي وشبكة مؤسسات متشعبة
وقال لورينزو فيدينو، أهم باحث غربي في شؤون الإخوان، ورئيس برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، في تصريحات خاصة لـ"ليفانت نيوز": "الإخوان في ميونخ وألمانيا وأوروبا بأثرها، تتكون بالأساس من مجموعة صغيرة من القادة يديرون عدد كبير من المؤسسات والمدارس، وهذا يمنحها نفوذاً كبيراً ويجعل الجماعة نشطة بشكل كبير وبارزة"، لكنه استدرك قائلاً "وبالرغم من ذلك، لا تملك الجماعة تأثيراً كبيراً على المسلمين كما يعتقد البعض، وهناك مجموعات من المسلمين تقاوم نفوذها".
وأشار إلى أن "تواجد الجماعة في أوروبا ناتج من معادلة بسيطة هي قوتها المالية ونشاطها الكبير وتعاطي الحكومات الأوروبية معها كشريك، لكن الوضع يتغير الآن بعد تغير نظرة المجتمع والسياسيين تجاهها، واتخاذ الحكومة منحى مغاير في التعامل معها".
ثم انتقل الباحث الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والإيطالية، للحديث عن مصادر تمويل الجماعة في أوروبا، حيث قال "مصادر تمويل الإخوان متعددة ومتشعبة، فقد اعتادت على الاعتماد على مساهمات أعضائها العاديين من دخولهم، وتبرعات أعضائها من رجال الأعمال، كما تلقت دعماً مادياً في عديد من المرات من منظمات تعمل بشكل مباشر مع الحكومات المختلفة لمساعدتها في ملفات مثل اندماج المسلمين في المجتمع".
وتابع "وفيما يتعلق بالدعم الخارجي، فبالرغم من صعوبة اثباته بشكل قاطع، فإن هناك دلائل واضحة على تلقي الإخوان في أوروبا بشكل عام تمويلاً من قطر وتركيا".
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!